مؤتمر لاعادة اعمار العراق ام لتذليله؟

استضافت الكويت مؤتمر اعادة اعمار العراق الذي انعقد خلال الفترة 12-14 شباط الجاري بمشاركة كبيرة من الدول والمنظمات الاقليمية والدولية والصناديق التنموية والمؤسسات المالية والجهات المختصة من ممثلي القطاع الخاص، والغاية من انعقاده هو طموح الحكومة العراقية للحصول على مساعدات مالية باكثر من 80 مليار دولار على شكل مساعدات او قروض او استثمار للبدء باعمار ما دمرته الحروب منذ 2003 وخصوصا الحرب ضد داعش الذي كان يسيطر على ثلث مساحة العراق.

بعيدا عن لغة الارقام وكم جنى العراق من اموال في هذا المؤتمر ومن هي الدول المانحة والمشاركة في جمع الثلاثين مليار الموعودة، فان توقيت انعقاد المؤتمر والدعوة اليه جاءت مبكرة وفي غير محلها واخفاق العراق في جمع ما كان يطمح اليه من الاموال كان امرا مؤكدا ولا يقبل الشك لاسباب عديدة يمكن تلخيص اهمها، بالفساد المستشري في مفاصل الدولة بصورة كبيرة وواسعة متمثلا بالاشخاص والمسؤولين الذين يديرون البلد ( اي الحكومة )، وهذه الظاهرة تفقد المستثمرين الثقة في بلد يحكمه الفساد وتمنع الدول من التبرع خوفا من نهب جزء من تلك الاموال او كلها من قبل المسؤولين الحكوميين، اما السبب الثاني فيكمن في فقدان الامن وضياع القانون في بلد تحكمه الميليشيات مما يؤدي الى خوف المستثمر على امواله من النهب والفقدان والضياع في بلد اللاقانون، بالاضافة الى ذلك فان الاسباب التي ادت الى تدمير العراق لا زالت قائمة ولم تنتهي، ولن تنهتي اذا استمر حكم العراق بهذه الطريقة.

صحيح ان العراق يمر بظروف اقتصادية وسياسية صعبة وبحاجة الى مساعدات مالية ومعنوية كبيرة للوقوف والنهوض ثانية، فمن جهة حرب داعش المدمرة والمكلفة ومن جهة اخرى اكثر من 6 ملايين نازح يعيشون في ظروف سيئة للغاية وشعب مفكك على نفسه ومسؤولين انتهازيين نهبوا مئات المليارات من اموال الدولة، لكن هذا لا يعني ابدا ان العراق انتهى وهو مضطر الى تذليل وتقييد نفسه لجمع بضعة مليارات من الدولارات.

العراق ليس ببلد فقير ولا بحاجة الى هبات ومساعدات وقروض وتبرعات من احد، ولا بحاجة الى التوسل للاستثمار فيه، فهذا البلد غني بموارده الطبيعية والبشرية وخيراته تكفي لاشباع شعبه وجعله يعيش برخاء وهناء مدى الدهر، لكن سوء ادارته والسياسة العوجاء المتبعة من قبل حاكميه منذ تأسيسه لحد اليوم، والفساد المريع الذي ينخر جسده بعد 2003 والطائفية التي طغت على كل شيء جميل في العراق الديمقراطي الجديد والوضع السياسي اللامستقر وموت الوطنية في نفوس حكامه الجدد وغياب القانون لمحاسبة ومعاقبة القتلة واللصوص والحرامية الذين ينفذون جرائمهم بكامل الحرية، جعلت منه ( من العراق ) اسوأ بلد للعيش فيه وجعلت من شعبه مشتتا في ارجاء المعمورة محتقرا مذلولا.

كان على قادة العراق وسياسييه الكرام التفكير مليا قبل الاقدام على الموافقة على عقد مؤتمر اعادة اعمار العراق الذي كانت نتائجه معلومة قبل انعقاده، فكيف لمن كان سببا في دمار العراق مساعدته في اعادة اعماره؟ ( حيث كان البعض من مشاركي المؤتمر سببا في تدمير العراق بصورة او باخرى، ولا زالوا مستمرين على النهج )، ثم لماذا الاعمار اصلا وصرف كل هذه المليارات اذا كانت اسباب التدمير لا زالت قائمة مثل القبل اذا لم تكن اكثر.

على الحكومة العراقية، اذا ما كانت جادة ومصرة على اعادة اعمار العراق، ان تبدأ بترتيب البيت العراقي وتنظيمه اولا من ناحية تسييد الدستور وتطبيق القانون ومحاسبة المجرم والمختلس والمرتشي بغض النظرعن انتمائه ومنصبه والكف عن التصفيات الجسدية وتقسيم الكعكة بين افراد وفئات معدودين واطلاق مشروع لمصالحة وطنية شاملة بعيدا عن الاحقاد القديمة، وعدم تحصيص المناصب السيادية والادارية والحكومية حسب الطائفة والقومية دون الاخذ بنظر الاعتبار الدرجة العلمية والمستوى الثقافي للفرد، وتوفير الامن والامان للمواطنين وعدم الاتجار بدمائهم وارواحهم وسحب السلاح من يد الميليشيات اي كان انتمائها ……..الخ، عندئذ فقط لن يكون العراق بحاجة الى عقد المؤتمرات لطلب المساعدات بل سيكون هناك الالاف المستثمرين والشركات العملاقة تدق ابوابه يوميا وتطلب رضاه للاستثمار فيه وتنمية انتاجه الزراعي والصناعي والنفطي.

همسة:- اعيدوا للعراق هيبته المفقدوة واذا لم تستطيعوا الى ذلك سبيلا فلا تذلوه اكثر.

كوهر يوحنان عوديش

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here