العقل المنفعل والعقل الفعال .. والقناني الفارغة!!

علي سلام:20 سنة لخدمة الناصرة والجبهة فهل أصبح نبتة غريبة؟

*-بهزيمتكم انجز سلام ما كان يبدو مستحيلا!!

* -الجميع متهم بالخسارة، فقط قيادة الجبهة العبقرية غير متهمة.

*-عالمنا اليوم ليس عالم القرن التاسع عشر، لا بد من إعادة تقييم جذرية للنظرية الماركسية.

*-لا تكسروا ما تبقى من جسور… تشنجكم يعني نهاية طريقكم ودوركم!

*- كم عدد القناني الفارغة التي تحتفظون بها؟

نبيل عودة

اثار مقالي الأخير “مفاوضات للوصول ل “مرشح توافقي” لمواجهة علي سلام في انتخابات بلدية الناصرة” موجة تعليقات واتصالات تلفونية، بأكثريتها إيجابية ومشجعة، طبعا أثرت غضب البعض، الذين تثقفوا على الانغلاق وشل العقل وانتظار ما يقوله قادة حزبهم، ولا اعتراض لي على ذلك، بل أشجعه تماما، لأنه يحمل في مضمونه اثباتا لما كتبته، بأنهم امام افلاس سياسي واندثار لطريق تاريخي مجيد ورائع بشخصياته ونشاطهم النضالي، ولكن واقعهم اليوم مأساوي ومحزن. من المستهجن ان المتنورين منهم، لم يستوعبوا بعد ان تاريخ صلاحية تنظيمهم، وصلت امام الباب الموصد بنهجها القائم .. وان ما يثرثرون به حول مناهجهم الفكرية والسياسية، يحتاج الى إعادة تقييم ودراسة معمقة إذا حقا يعون بما هم فيه من تفكك وتفتت!!

ما اكتبه يؤلمني، لأني قدمت نصف قرن من عمري دفاعا نضاليا وكتابيا عن ذلك النهج، واليوم أرى ان حلمي الإنساني كان بعيدا عن التحقيق، حتى الاحترام البسيط لشخص قدم لهم أجمل سنوات عمره، كان بعيدا عن تفكيرهم. لا أجد اليوم في التشكيلة القيادية المسيطرة على التنظيم الحزبي الشيوعي أي قدرات عملية لفهم الواقع التنظيمي أولا، وضرورة استيعاب المتغيرات الفكرية، وأن عالمنا اليوم ليس عالم القرن التاسع عشر او القرن العشرين. ولا بد من إعادة تقييم جذرية لكل النظرية الماركسية، وإعادة دفق الحياة اليها بتطوير جوانب عديدة منها، وفهم طبيعة عالمنا اليوم والتغييرات الجوهرية العميقة جدا التي حصلت وهم نيام نومة أهل الكهف.

من يستهجن خروجي من دعم الجبهة اريد ان احثه على التفكير البدائي البسيط. اسألوا أنفسكم ورفاقكم عن السبب قبل ان تشتموني.

نشرت في معركة الانتخابات الأخيرة لبلدية الناصرة 25 مقالا على الأقل دعما لقائمة الجبهة ومرشحها للرئاسة رامز جرايسي.

في الانتخابات الأربعة السابقة الأخيرة نشرت مئات المقالات دعما للجبهة أيضا.

رغم ذلك فرضت مقاطعة مستهجنة وصبيانية ضدي، بحيث لم ينشر أي مقال لي في صحيفة “الاتحاد”. والمضحك انه لم يكن هناك أي كاتب آخر قادرا على تقديم نفس الخدمة الإعلامية التي قدمها نبيل عودة، وتلقيت طبعا كلمات التشجيع والترحيب من رئيس البلدية السابق رامز جرايسي ومن أعضاء البلدية ورفاق حزبيين وأعضاء من الجبهة. ولم أنبس ببنت شفة عن المقاطعة الغبية.

في الانتخابات الأخيرة لم أعد احتمل النفاق الحزبي والاعلام الحزبي قصير الذنب والعاجز بفكره الاعلامي. نشرت مقالا انتقدت فيه مقاطعتي بكلمات حادة، وكنت أفكر بوقف دعمي والانسحاب. لفت المقال انتباه أعضاء وقادة جبهة الناصرة، فتدخل سهيل دياب واديب أبو راحمون بإيعاز من رامز جرايسي كما فهمت، “لفهم سبب مقاطعة جريدة الاتحاد لمقالاتي الداعمة للجبهة”.

أعترف انهم نجحوا بإقناع الاتحاد ان تنشر أحد مقالاتي. وبعدها كتبت بين 10 – 15 مقالا لم تنشرها “الاتحاد”.

حافظت على صمتي حتى نهاية المعركة الانتخابية الأخيرة للبلدية، لأني تخوفت ان الحق الضرر بالجبهة، وقبل اجراء الانتخابات المعادة لرئاسة البلدية، نشرت مقالا حادا جدا حول مقاطعتي الغبية وقليلة العقل من صحيفة “الاتحاد”.

جرى تدخل آخر .. واعترف ان باب النشر فتح أمامي على اتساعه، فنشرت في الاتحاد مقالات ونقد ادبي وقصصا، لكن الربيع بيني وبين الحزب والجبهة والاتحاد، كان قصيرا جدا، إذ لم يستمر أكثر من شهرين، عادت بعدها حليمة لعادتها القديمة. تجددت المقاطعة “بدون انذار مبكر”، والسبب كما وصلني ان عدد من أعضاء فرع الناصرة للحزب الشيوعي هددوا بالاستقالة اذا واصلت جريدة “الاتحاد” نشر كتابات لنبيل عودة!!

كان استمراري بالوقوف مع الجبهة في الناصرة، اشبه بمن يلعب بسخام جدته. وإذا أراد أي رفيق او زميل جبهوي ان يتحقق مما اكتبه، ليتوجه لقادة جبهته وحزبه ويستفسر عن صحة ما سجلته اعلاه.

لم أتوقع ان يهزمهم علي سلام. هذه حقيقة، لكنه انجز ما كان يبدو مستحيلا.

اولا انا من جيل مؤسسي جبهة الناصرة الديموقراطية، العملية السياسية والتنظيمية والتثقيفية الهائلة التي قادها طيب الذكر الرفيق غسان حبيب. لا اكتب لأني عدو، بل لأني متألم من هذا المسار المخجل والمدمر لأهم تحالف أقيم للعرب في إسرائيل. جبهة اليوم هي مجرد شكل بلا مضمون…الأصح ان تسمى “الحزب الشيوعي وأصدقائه”!!

لماذا وقوفي مع علي سلام أصبح جريمة في نظركم؟

علي سلام ليس نبتة غريبة، بل انسان نشأ وتطورت قدراته لإدارة بلدية الناصرة عبر تكريس 20 سنة من حياته خدمة لأهل الناصرة والجبهة بشكل مباشر كنائب رئيس البلدية وقائما بأعمال الرئيس. هل كان وقتها سوبر ستار، وشخصية جبهوية هامة والآن أصبح سيئا وغير ملائم والناصرة لا تستحقه كما يعلن قادة حزبكم الشيوعي؟

من الذي تغير، أنتم ام علي سلام؟

أتذكر من أيام فتوتي المبكرة رجلا كهلا كان يتجول في احياء الناصرة حاملا كيسا على ظهره وينادي “قناني فارغة للبيع”، وكنا نجمع القناني وننتظره لنبيعه القناني الفارغة التي لا تلزمنا، ونركض بالقروش التي نتلقاها لشراء البوظة من محل الجبالي قرب العين.

لا اعرف لماذا كلما فكرت بما آلت اليه الحال مع “جبهة الناصرة وحزبها العظيم” اعود بذاكرتي الى أيام “قناني فارغة للبيع”!

ترى كم عدد القناني الفارغة التي تحتفظون بها؟

أترك الجواب للقراء…

اتمنى لو تعيد الجبهة وحزبها الشيوعي التفكير بما اوصلهم الى خسارة كل مواقعهم تقريبا في السلطات المحلية، وليس في الناصرة فقط… وان يدرسوا واقع تضاؤل مكانتهم في السلطات المحلية، طبعا هناك عوامل اجتماعية سلبية جدا، لكنهم لم يفعلوا شيئا لمواجهتها. أقول بوضوح، لا استهتر بقدرة تنظيمهم اذا استعادوا وعيهم الإنساني أولا، ثم وعيهم السياسي ثانيا. واقول أكثر إن لدورهم أهمية كبيرة، لكن ليس بنهجهم كما عرفته في آخر عقدين او ثلاثة عقود !!

الجميع متهم بالخسارة، رفاقهم، اصدقاؤهم، تآمر السلطة، العائلية السياسية والدينية السياسية، فقط قياداتهم العبقرية غير متهمة .. رغم امتلاء صفوفكم بقناني فارغة للبيع!!

عليهم ان يعرفوا حجمهم وضرورة عقلنة تصرفاتهم وبياناتهم، والنزول عن جحش توزيع التهم لكل من لا يروق لهم او ينتقدهم. الانتقاد الذي وجهته لكم سابقا والآن هو لمصلحتكم، لا تتوهموا بقدراتكم .. تخلصوا من عقلكم المنفعل، واستعملوا عقلكم الفعال.

والأهم، راجعوا حساباتكم مع حلفاء الأمس… ولا تكسروا ما تبقى من جسور… ستكونون بحاجة اليها في المعارك النضالية المختلفة التي ستواجهنا مستقبلا، تشنجكم يعني نهاية طريقكم ودوركم!!

انصحكم بمراجعة كتاب الأديب الشيوعي سابقا والمناضل المخضرم حنا إبراهيم “يوميات شاب لم يتغرب” لعلكم تستفيدون من تجربته المرة مع حزبكم ايضا!!

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here