حمالات الحطب والتعب

رسل جمال

العنوان يوحي انني سابدأ بالهجو، لكنني في الحقيقة سأمدح وامدح نون النسوة على وجه الخصوص، أمهاتنا ونساءنا وبناتنا، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، حين تحتفي دول العالم بهذا اليوم الثامن من اذار، استوقفني حال نساء بلادي، في مشهد تكرى امامي مرتين، وبنفس الزمان والمكان، فحين كنت اجلس بأحدى الباصات، ارتفع صوت أمراة مسنة قائلة “نازل” كانت تهم بالنزول بصعوبة ورغم ذلك كانت تسحب معها “علاكة” بدى انها ثقيلة جدا، حتى بادر احدهم الى مساعدتها وانزالها الى الارض، لكنها اخذتها ومجددا لترفعها وتضعها ع كتفها، لكن بصعوبة للغاية، لم تتحرك السيارة مسافة طويلة، حتى نادت سيدة اخرى “نازل”وكانت كذلك تسحب “علاكة” ثقيلة.

كنت اراقب ما يجري بصمت، ورحت اتسأل في نفسي لماذا نسائنا يروق لهن العناء؟، لماذا يستهوين التعب؟ لماذا وجوههن يكسوها غبار الارهاق، ورغم ذلك نراهن مبتسمات للحياة رافعات ايديهن بالدعاء، يتوسلن بائع الطماطم ان يناولها افضل ما عنده، لانهن على يقين تام ان اعداد وجبة غداء ذات مواصفات دسمة للعائلة من ضمن خانة المقدسات!

اشياء وتفاصيل لا يعيها احد، ولا تثير انتباه احد، ولا يلتفت اليها احد، الا ان الحياة لا تكتمل ولا تحلو الا بتلك التفاصيل، خلقت حواء للتفاصيل وخلقت التفاصيل لحواء، كي تغنيها وتترك لمساتها عليها.

لا يكفي النساء يوم واحد لاحتفال، بل علينا ان نحتفل كل يوم بتاء التانيث غير الساكنة، لانها داينمو الحياة ومصدر الالوان والبهجة، ولعلها اليوم مناسبة جيدة ان نتكلم عن من ينادي بحقوق المراة، ويصرخ لانصافها ومساواتها بالرجل!

كمن يريد ان يصلح فيهدم، او يصل فيقطع لانها هندسة ربانية ألهية، لا تحتمل الجدال (ليس الذكر كالانثى) فهناك اختلاف جوهري تقره السماء، كيف بنا نحن البشر ان نتجاهل هذا الاختلاف، وننادي بالمساوة ظنآ منا اننا ننصف المرأة، وفي الحقيقة هو تعدي صارخ على كينونتها الانثوية، وتحميلها ما لا تطيق، فمن غير المنطق ان نساوي بين عالم الصلابة والقوة وعالم الرقة والاستكانة، مسالة لا تقبل المقارنة فكيف بالمساواة؟!

المساواة ليست بعدل اذا قضت بمساواة الناس في الحقوق على تفاوت واجباتهم وكفاياتهم واعمالهم، وانما هو ظلم، وسيكون هناك تفاوت بين القابليات والواجبات وستعم الفوضى حتما.

عندما نكرم المراة نكرمها بتعزيز مكانتها بالمجتمع، وذلك بتطوير مهاراتها وتنميتها ومنحها الفرض اللائقة وتمكينها، للتصدى وتحتل مكانتها الحقيقية، ليس منة من احد، بل هو استحقاقها كونها المجتمع بأكمله وليست نصفه ابدا.

*المصدر/فلسفة المراة

عباس محمود العقاد

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here