بإنتظار جلساء المقاعد النيابية..مهمات ماطرة من قبة البرلمان

د. رابعة العبيدي

(1)
الخير يخير

عاد صديق من مؤتمر الكويت الدولي لاعادة اعمار العراق، مركزا على كلمة “إعادة” فالمؤتمر كله يلهج بكون العراق كان عامرا، لكن دمرته أحداث ما بعد 2003، تداعيا من إحتلال أهوج الى آفة السلب والنهب والاغتيالات والخطف و… التي أعقبت فراغ السلطة، مشفوعة بتواطئ حكومي مع الارهاب.. في ما بعد.
فوجئ الصديق بسائق تكسي كويتي، يقول.. تلقائيا.. أثناء تبادل التعارف: “صدام حسين الله يرحمه” فقال له: “لو سمعت في العراق تلفظ جملة صدام الله يرحمه؛ لاعتبروك بعثيا” فأجاب السائق بحكمة: “الخير الذي نحن فيه مدعاة لان نكون خيّرين، والميت لا تجوز عليه سوى الرحمة، أما ما فعله بكم وبنا، فجزاؤه عند الله، وهو فعلا الآن بين يدي الرب، فلا حاجة بنا لشتمه.. رحمه الله”
فكم من طاقة الخير، تدفقت في عروق مجتمع يسامح محتله، ويترحم على من غزاه، قائلا: “الغزو أيقظ المجتمع والحكومة الكويتية؛ لينتهجا سبيلا موحدا نحو مد شبكة علاقات سلمية مع الجميع.. لا تستفز أحدا، فما حدث مع صدام حسين بين نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات، أسفر عن دمار للبلدين ودول المنطقة كلها”.
(2)
دولة الحالمين
تتعاقب المراحل الزمنية على أشكال السلطة المنظمة، إبتداءً بالدين الذي جر على أوربا محاكم تفتيش تهرطق من لا يتملق الكنيسة، فتضع عنقه تحت حد المقصلة قطعا للرأس عن البدن، وجر علينا خازوقا عثمانيا يجلسون الرجل عليه، دائرين به المدينة حتى يشج هامته نافذا من دبرٍ.
تلت الدين الفترة الكولنيالية التي وئدت بحربين عالميتين لم تبقيا ولم تذرا، لتسلم اعناقنا الى صراعات الاقتصاد التي اثبتت فشلها هي الاخرى، فمتى يحكم الحالمون؟ رئيس الجمهورية شاعر والنائب رسام ورئيسة مجلس النواب بالونيرة وأعضاء مجلسي النواب والوزراء يتوزعون بين أساتذة جامعيين وموسيقيين وعارضات أزياء وراقصين.. من كلا الجنسين!
حينها تقع مباريات جمالية بدل الحروب، ورفاه أوسع من قدرة الفرد على الاغتراف من جمال الحياة و… تقوم حضارة الحلم الوردي الساحر.
(3)
شيطان الخريطة

ثمة لعبة لليافعين تباع في أسواق أوربا، عبارة عن قطع لخريطة العالم، على ظهرها صورة رجل او فتاة، فما أن يكتمل الوجه من قفى القطع، تكون خريطة العالم قد إكتملت، في درس يقدمونه لليافعين المقبلين على عنفوان الشباب، مفاده: “إصلاح الانسان ينظم العالم”.
لذلك تختار الشركات المنتجة صورة إنسان، وليس سيارة او جبل او أي منظر.. الانسان حصرا، بقيمته الجندرية التي تساوي النوع.. من ذكر وأنثى.
وهذا ينفتح بنا على التساؤل: الإعلام صورة أم أصل؟ وتلك اللعبة هي الاجابة: الاعلام أصل لبلورة الرأي العام وصناعة مناهج التقويم الاجتماعي، ولو من خلال لعبة قطع خريطة العالم التي تباع.. تجاريا في الاسواق.
ولو كل فرد في المجتمع والوظيفة والسياسة والتعليم والخدمات، إشتغل بشكل منهجي صحيح، لانتظمت خريطة العراق تلقائيا، من دون قلبها على القفى، متأملين وجه فتى او فتاة؛ لان الشيطان يسكن في التفاصيل.
(4)
توظيف المفصولين

ثمة موظفو دولة إستعانوا بنا شخصيا للمطالبة بإعادتهم الى وظائف تركوها نجاءً بعوائلهم من الاحتقان الطائفي الذي وضع العراق على حافة الحرب الاهلية، طيلة السنوات 005 و006 و007 و2008، غائلا ابرياء قتلوا على الهوية بمباركة وتواطئ وضخ حكومي للفتنة الطائفية.
أما آن تفهم الظرف الامني القاسي، الذي حث هؤلاء على ترك الوظيفة من اجل الحفاظ على حياة أبنائهم.. صبايا كن عرضة للاغتصاب وشبان على أهبة الإختطاف والقتل و…
يراجع هؤلاء الدوائر المعنية؛ فلا يلقون آذانا صاغية.. تتفهم قلقهم على أولادهم، وهم مكشوفو المقاتل.. لا عشيرة ولا طائفة تحميهم.
بعضهم له خدمة طويلة على اعتاب التقاعد، عافها برا بأولاده، فهل تذهب خدمته هباءً منثورا، في وطن يجب ان يحنو على ابنائه.. يستر ضعفهم.. ويبعث القوة في تهافتهم والامان في خوفهم… يقيل عثراتهم ويغني فقرهم ويعيلهم يوم لا معيل سوى الوطن!
(5)
مهمات نيابية

المفصولون لتركهم الوظيفة إبان الاحتقان الطائفي؛ يهددون بحجب صوتهم عن المشاركة في إنتخابات لن تأتي بنواب يداعون بحقوقهم المهدورة جراء ضغط ظرف قسري! ولو إنتخبوا فلن يؤشروا امام تسلسل مرشح لا يقلق على مآل أحوالهم، متكئا الى (إسكملي) نيابي.. عرشا فاصلا في برج عاجي مدجج بكلاب المنطقة البوليسة التي أخضرت تاركة العراق شعلة حمراء.
وإيقاظ الحس الوطني في ضمير المواطن، واحدة من المهمات التي تنتظر المرشحين حين يستنابون عن الشعب، تحت قبة المجلس الموقر.
فالشعب يريد حكومة تحلم نيابة عنه، وتحق أحلامه، من دون جهد يستنفد طاقاته في إحتقان طائفي، بل يحفز قدرات الاكاديميين على التفكير بمنجزات عملية تنشط السوق وتحرك اليد العاملة، قضاءً على البطالة.
تعيد تنظيم العراق، المتشظي بفعل قصدي خلاف سجيته التي جبلت على إقصاء الفكر الطائفي الوافد مع دبابات الاحتلال ولم يكن جزءا من منظومة المجتمع كما هو الآن، فمكاتب مسؤولي النظام السابق تعج بأفراد من ألوان الطيف العراقي كافة.. لا يلتفتون الى طائفة او دين او قومية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here