دجاجة وكيلو برتقال

مرتضى عبد الحميد
تستغرب أحياناً وأنت ترى شخصاً لا تتردد ومعك الآخرون في وصمه بالغباء، لكنه ينجح في التجارة مثلاً، أو في أي مجال آخر من مجالات الحياة، لأن تفكيره مُنصب كلياً على هذه القضية بالذات ولا علاقة له بغيرها.
العديد من أعضاء مجلس النواب “الموقر” السابقين واللاحقين، يتصرفون بهذه الطريقة، وربما بأسوأ منها. وقد تفتقت أذهانهم عن طرق جديدة لا تخلو من “الأبداع”! في الدعاية الانتخابية، فلم يعد الأمر مقتصراً على توزيع البطانيات والصوبات شتاءً، والمكيفات والمراوح صيفاً، مشفوعة بالوعود المعسولة في الارتقاء بمن ينتخبهم إلى مصاف مواطني أوربا وأمريكا!
من هذه الأساليب الجديدة والرخيصة، توزيع كرات القدم والملابس الرياضية، والتعهد ببناء ملاعب للكرة الخماسية أو لغيرها من الألعاب، في كل منطقة من مناطق البسطاء الذين يستغفلونهم، ويستلمون بطاقاتهم الانتخابية، مقابل تخديرهم بالوعود الكاذبة، بل وصل الدجل السياسي والاستخفاف بعقول الناس، إلى القيام بغزوات لأحياء الفقراء والمعدمين وطرق أبوابهم، ثم تسليم رب العائلة دجاجة مجمدة مكتوب عليها أسم المرشح أو المرشحة، أو كيساً لا يحوي أكثر من كيلو برتقال واحد، وقد خط الأسم عليه أيضا!
المفارقة أن الجميع يؤمن بالحكمة المعروفة (فاقد الشيء لا يعطيه) والمرشحون من هذا الطراز فاقدون لكل شيء، فليس لديهم برامج سياسية إنتخابية يتنافسون بها مع الآخرين، وليس لديهم القدرة على تقديم شيء مفيد لأبناء جلدتهم ولناخبيهم، ولا يجدون أمامهم إلا هذه الأساليب المبتذلة لخداع الناس والضحك عليهم.
إن هؤلاء الفاشلين وعديمي الكفاءة، لا تهمهم مصلحة الشعب والوطن، لا من قريب ولا من بعيد، ويعتبرون الوصول إلى قبة البرلمان مشروعاً إستثمارياً يدر عليهم الملايين، ليس من الرواتب الفلكية وحسب، وإنما من العقود والمقاولات والرشا التي سوف يستلمونها بعد الاتكال على جهل المواطن، وتدني مستوى وعيه السياسي والاجتماعي.
ولكن لنكن صريحين، ألا يتحمل المواطن الذي يقبل مثل هذه الرشوة الرخيصة شيئاً من المسؤولية، بحيث يتنازل عن حقه في إختيار من يراه مؤهلاً للحصول على صوته، وتمثيله في البرلمان تمثيلاً حقيقياً، يضمن به مصالحه ومصالح عائلته التي ديست بأحذية هؤلاء المزورين؟
ثم أين هو دور مفوضية الانتخابات، وما هو موقعها من الإعراب في هذه الفوضى العارمة وتزييف إرادة الناخبين، وهي التي صدعت رؤوسنا بادعائها الاستقلالية والحيادية في عملها الذي يفترض فيه أن يفضي إلى المحافظة على نزاهة الانتخابات وصيانتها من كل شائبة!
وأين هو دور القضاء العراقي “الحارس الأمين” لمصالح الشعب وحقوقه وحمايتها من مزوري إرادته؟
أما السلطة التنفيذية (حكومة ورئاسة) فلا تحرك ساكناً، وتكتفي بالتفرج كما لو أن الأمر لا يعنيها، رغم أنها المسؤول الأول عن نزاهة الأنتخابات، وضمان حق المواطن في التعبير عن رأيه بحرية وقناعة، وبدون ضغوط من أية جهة كانت، وأن تكون المبادرة دون أن يطلب أحد منها ذلك، لتغدو قدوة ومثالاً للآخرين، وتستطيع أن تردم ولو جزءاً من الهوة التي طال أمدها بين الدولة والمواطن.
لا علاج لهذا البؤس السياسي والأخلاقي، إلا بالشروع في عملية الإصلاح والتغيير. وأول خطوة في هذه العملية، هي كنس الفاسدين والطائفيين وكل الفاشلين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة “طريق الشعب” ص2
الثلاثاء 20/ 3/ 2018

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here