الإمام الهادي (عليه السلام) يظهر مقامات الإمامة الرفيعة ويهيئ الأمة لتقبل غيبة الإمام الحجة(عج)

لقد أستلم الإمام علي الهادي (عليه السلام) في سن السادسة من عمره بعد استشهاد أبيه الإمام الجواد (عليه السلام) ، وقد تقبلت الأمة إمامة الإمام الهادي (عليه السلام) على الرغم من صغر سنه لأنها قد اصبحت على علم بان الإمامة لا ترتبط بالعمر وإنما ترتبط بالإرادة الإلهية وكانت إمامة أبيه الجواد (عليه السلام) أفضل برهان وتجربة سابقة على ذلك ، وقد أظهرت إمامة الإمام الهادي (عليه السلام) أن جميع ما يمتاز به الإمام عليه السلام من عصمة وعلم وهيبة ووقار هو من عند الله سبحانه وتعالى كما هو الحال في نبي الله عيسى (عليه السلام) وكذلك نبي الله يحيى (عليه السلام ) وليس عن طريق التعلم والتدريب المعتاد عليه باقي الناس ، ونتيجة جهل حكام بني العباس بمنزلة الإمام (عليه السلام) الربانية فقد قرر الحاكم المعتصم أن يبعث معلماً خاصاً للإمام الهادي (عليه السلام) وأختار معلماً ناصبياً يبغض أهل البيت (عليهم السلام) من أجل تنشأت الإمام الهادي (عليه السلام) تنشئ بعيدة عن الولاية وطريق الهدى وكانوا يعتقدون بهذه الطريقة سوف يغسلون عقل الإمام (عليه السلام) ويسيطرون عليه ولكنهم قد جهلوا بأن روح القدس لا ينفك عن قلب الإمام الطاهر وأن العصمة والعلم من خصوصياته الدائمة ، وكان المعلم الناصبي ( الجنيدي) ينفرد مع الإمام الهادي (عليه السلام) وهو ما زال صبيا ومرت فترة من الزمن على هذا الوضع ، فجاء أحد أتباع المعتصم الى الجنيدي وسأله ما حال هذا الصبي ، فقال الجنيدي لا تقل صبي بل هو شيخ ، سأله لماذا ؟ فقال الجنيدي : إني والله لأذكر الحرف في الأدب وأظن إني قد بالغت فيه ثم إنه يملي أبواباً أستفيد منها فيظن الناس إني أعلمه وأنا والله أتعلم منه ، وبعد فترة جاء نفس الشخص وسأل الجنيدي حل الصبي ، فقال الجنيدي : دع عنك هذا القول والله تعالى لهو خير أهل الأرض وأفضل من برأه الله تعالى وانه حافظ القرآن من أوله الى آخره ويعلم تأويله وتنزيله ,, فمن أين علم هذا العلم الكبير يا سبحان الله (1)، فقد أعلن المعلم الناصبي الجندي إيمانه بالإمام ودخل التشيع .

وقد وضَّح الإمام الهادي (عليه السلام) مقامات الشموخ والمنازل العالية للإمامة بشكل جلي وواضح لا لبس فيه لكل القواعد ، لأن الإمامة هي الطريق الوحيد الذي يتصل بالرسالة المحمدية السمحاء وهو الطريق الذي أختاره الله سبحانه وتعالى لعباده أن يسلكوه في عبوديته ،فقد كان الكثير من الموالين يجهلون المقامات الرفيعة التي يمتاز بها أئمة الهدى سلام الله عليهم ، وقد أظهر هذه المقامات الإمام الهادي (عليه السلام) في الزيارة الجامعة التي خرجت من بين ثنايا الإمام (عليه السلام) وهذه بعض عباراتها ( الى الله تدعون وعليه تدلون وبه تؤمنون وله تسلمون وبأمره تعملون والى سبيله ترشدون وبقوله تحكمون سعد من والاكم وهلك من عاداكم وخاب من من جحدكم وضل من فارقكم وفاز من تمسك بكم وأمن من لجأ اليكم وسلم من صدقكم وهدي من أعتصم بكم من أتبعكم فالجنة مأواه ومن خالفكم فالنار مثواه ومن جحدكم كافر ومن حاربكم مشرك ومن ردَّ عليكم في أسفل درك الجحيم …..)(2)

لقد أظهر الإمام الهادي عليه السلام امتلاك الإمامة للولاية التكوينية للأمة بشكل لافت في عدة مواقف منها عندما وصل الى سامراء وأسكنه المعتصم خان الصعاليك ثلاثة أيام ليقلل من شأنه ومنزلته ، فدخل عليه أحد اصحابه ومحبيه وقال له جعلت فداك في كل الامور أرادوا إطفاء نورك والتقصير بك حتى أنزلوك هذا الخان الأشنع خان الصعاليك ، فقال الإمام (عليه السلام) أنظر : ثم أومأ الى المكان فإذا هو روضات ناظرات فيهن خيرات عطرات وولدان وأطيار وأنهار تفور فحار بصره بما رأى ثم قال الإمام (عليه السلام) : (حيث منا فهذا لنا عتيد ولسنا في خان الصعاليك)( 3) ،

لقد حاول المتوكل إحراج الإمام (عليه السلام) وإخجاله ،عندما طلب من ساحر هندي مشعوذ أن يحرج الإمام الهادي(عليه السلام) فإذا فعل ذلك سوف يعطيه ألف دينار ، فقال المشعوذ ضع على المائدة خبز خفيفاً رقيقا وادعوا علي الهادي عليها ، ففعل المتوكل واحضر الامام الهادي وعندما مد الإمام يده الى الخبز طار الخبز من بين يديه في الهواء بتأثير الهندي المشعوذ ثم مد يده الإمام الى إخرى فطارت هي الأخرى فتضاحك المتوكل وبعض الناس ، عندما غضب الإمام وكانت في يساره صورة اسد فضرب بيده تلك الصورة فبرز الأسد منها فقال له الإمام : خذه وأشار الى الهندي فوثب الأسد على الرجل فأبتلعه ثم عاد مرة أخرى الى الصورة الأولى فتعجب الجميع وداخلهم الرعب والخوف فنهض الإمام وخرج (4) .

لقد كان الواثق يخشى من الإمام الهادي (عليه السلام) كثيراً لاعتقاده بأن الإمام عليه السلام هو الذي يأمر بثورات العلويين وكان يخشى أن يثور عليه يوما من الأيام ، فأمر جلاوزته فعمل تلا عظيماً من التراب وأستدعى جميع جيشه في استعراض مهيب ثم دعى الإمام الهادي ليرى ذلك حتى يدخل في قلب الإمام الخوف ، فقال له الإمام هل تريد أن أعرض عليك عسكري ؟؟ فقال له الواثق نعم ، فدعا الإمام الله سبحانه وتعالى فإذا بين السماء والأرض ملائكة مدججون بالسلاح فغشي على الواثق ثم تركه الإمام ومضى الى سبيله (5) وغيرها من الروايات الكثير التي يظهر فيها الإمام (عليه السلام الولاية التكوينية).

لقد حارب الإمام الهادي (عليه السلام) الأفكار المنحرفة التي انتشرت في ذلك الزمان نتيجة حكم الظالمين بالإضافة الى كثرت وعاظ السلاطين وانتشار الدولة الإسلامية وتداخل الأفكار المختلفة نتيجة هذا التوسع الشاسع ، فقد عمل الإمام الهادي (عليه السلام) بربط الأمة من خلال أحاديثه بقادتها الحقيقيون المنَصَّبون من الله سبحانه وتعالى وهم أهل البيت (عليهم السلام) باعتبارهم الثقل الثاني بعد القرأن وهم حجج الله على الخلق وخلفاءه في بلاده فقد روى الإمام الهادي (عليه السلام) عن أبائه عن جده رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أنه قال (أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة ، المحب لأهل بيتي والموالي لهم والمعادي فيهم والقاضي لهم حوائجهم والساعي لهم فيما ينوبهم من أمورهم)، وروي عنه (عليه السلام)(إنما سميت ابنتي فاطمة لأن الله عز وجل فطمها وفطم من أحبها من النار) وهناك الكثير من الأحاديث التي تبين مقام أهل البيت عليهم السلام بالإضافة الى الزيارة الجامعة ، ودفع الامة الى التوجه الى زيارة قبور ائمة أهل البيت عليهم السلام وخصوصاً قبر أمير المؤمنين عليه السلام وقبر الإمام الحسين عليه السلام حتى يرتبط الموالون بأعظم شهيدين عرفتهم البشرية وينهلون من أخلاقهم ومواقفهم البطولية الجهادية المشرفة في مواجهة الباطل والحكام الفاسدين وإظهار قدسية البقع التي تحتضن هذه القبور ولما لها من خواص ونفحات وبركات يقبل الدعاء في رحابها وتقضى الحوائج تحت سماءها ، فقد زار الإمام الهادي (عليه السلام) مرقد أمير المؤمنين (عليه السلام ) وزاره بتلك الزيارة الشريفة ( السلام عليك يا ولي الله أشهد أنك أول مظلوم وأول من غصب حقه فصبرت واحتسبت ….) ، وعندما مرض الإمام الهادي (عليه السلام) فإنه أرسل بعض أصحابه وأعطاهم المال لكي يذهبوا الى كربلاء ويدعون له بالشفاء عند مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) وقد تعجب الأصحاب من طلب الإمام فقال محمد بن حمزة : يوجهنا الى الحائر وهو بمنزلة من في الحائر ؟؟؟ فأجابه الإمام (عليه السلام) (ان لله مواضع يحب أن يعبد فيها وحائر الحسين(عليه السلام) من تلك المواضع (6) وكان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) افضل من البيت والحجر وكان يطوف حول البيت ويستلم الحجر، وإن لله بقاعا يحب أن يدعى فيه فيستجيب لمن دعاه والحائر منها) وكان هذا التصريح من الإمام طريقا جديدا لمعرفة عظمة الحسين (عليه السلام) والحائر المقدس .

،وقضى الإمام الهادي (عليه السلام) على الشبهات والإشكالات العلمية في العقائد والفقه التي كانت تثار في تلك الفترة منها فكرة خلق القرأن أو قدمه هذه المشكلة التي امتحنت بها الأمة وذهب ضحيتها المئات بل الالاف من المسلمين ومسألة مقدار الكثير التي جهلها العلماء بالإضافة الى الكثير من المسائل التي اثارها المبغضين لأهل البيت عليهم السلام منها قتل الإمام علي (عليه السلام) المقبل والمدبر من جيش معاوية مع قتل فقط المقبل من الخوارج .

ونتيجة الضغوطات التي قامت بها الحكومات الظالمة من بني العباس اتجاه الأئمة عليهم السلام وشيعتهم واعتقال كل من يتصل بهم (سلام الله عليهم) ، فقد نشر الإمام الهادي عليه السلام الوكلاء في بقاع العالم الإسلامي وربطهم جميعاً بوكيله العام أو نائبه الخاص عثمان بن سعيد الدهان في بغداد وجعله نقطة الوصل مابين الإمام عليه السلام والموالين وقد وثَّق الإمام الهادي عليه السلام عثمان بن سعيد العمري عندما سأل احمد بن إسحاق القمي يوما من أعامل وعمن اخذ وقول من أقبل حيث قال الإمام الهادي (عليه السلام) ( العمري ثقتي فما أدى اليك عني يؤدي وما قال لك عني فعني يقول فأسمع له وأطع فإنه الثقة المأمون)( 7) ، وبهذا بدأت طريقة جديدة عند الموالين وهي أخذ المسائل الفقهية والاستفتاءات وجواب المسائل العقائدية وتسليم الحقوق للنائب الخاص أو الوكيل ، وبذلك اصبح النائب الخاص يعمل عمل الإمام (عليه السلام) ، وقد أستمر الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بهذه الطريقة وجعل النائب الخاص واجهة الإمامة ونقطة الوصل مابين الموالين وإمام عصرهم ، وعندما بدأت الغيبة الصغرى للإمام الحجة (عج) فأن الشيعة قد تقبلته بشكل طبيعي وبدون أي معوقات أو إشكالات نتيجة التجربة التي بدأها الإمام الهادي (عليه السلام) واستمرت الى غيبة الإمام الحجة (عج) ، أي لقد هيء الإمام الهادي (عليه السلام) الأمة لاستقبال فكرة غيبة الإمام الحجة (عج) بدون أي شكوك أو تساءلات .

(1) إثبات الوصية للمسعودي ص244(2) مفاتيح الجنان ص531،الدعاء والزيارةص865(3) بحار الأنوارج50ص202(4) بحار الأنوار ج50ص211(5) بحار الأنوار ج50 ص155(6) كتاب الدعاء –السيد عبد الحسين دستغيب ص37(7) بحار الانوار ج51 ص348 باب أحوال السفراء
خضير العواد

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here