سبب اختلاف المسيحيين في عيد القيامة

كيف يتم حساب يوم العيد/اليوم الحقيقي لفصح السيد المسيح

يُعتبر عيد القيامة المسيحي من أهم الأعياد، ويُسمَّى عيد الفصح، وهو ليس من الأعياد الثابتة في يوم معين كعيد الميلاد، بل متحوّل، والسبب هو أن تحديد عيد القيامة مرتبط بالفصح اليهودي الذي احتفل به اليهود منذ خروجهم من مصر كذكرى خلاصهم من ارض العبودية، والفصح اليهودي مُرتبط بالشهر القمري المُسقَّطْ (متقاطع) على السنة الشمسية الميلادية، وبالنتيجة فعيد القيامة المسيحي مرتبط بالقمر، وكلمة فصح تعني العبور.

كيف ومتى يتم تحديد عيد الفصح اليهودي؟.
ملاحظة: السنة الميلادية هي سنة شمسية.
1: يقع عيد الفصح اليهودي بعد21 من شهر آذار الشمسي الميلادي (الاعتدال الربيعي)، وفي أول يوم يكون فيه القمر بدراً كاملاً أي عمره 14 يوماً، (أي أول بدر بعد21 آذار ميلادي)، فبعد غروب شمس ذلك اليوم يؤكل خروف الفصح.
2: اليوم عند اليهود يبدأ من غروب الشمس حسب سفر التكوين 1:5 (وهكذا جاء مساء أعقبه صباح فكان اليوم الأول)، واليوم اليهودي يبدأ الساعة 6 مساءً بمفهومنا الحالي، فالساعة 6 مساءً عند اليهود هي 12 ليلاً، و 3 نهاراً هي 9 صباحاً، و6 نهاراً هي 12 ظهراً، و 9 نهاراً هي 3 بعد الظهر، و11 نهاراً هي 5 مساءً، وهكذا بإضافة رقم 6 (قارن الساعات في متى 20: 3–6)، وهذا معمول به من الناحية الدينية إلى اليوم، إذ يتوقف الجميع من موظفين وقطاع خاص عن العمل من مساء الجمعة، ويرجعون إلى العمل مساء السبت مثل قطاع النقل وأصحاب المحلات من القطاع الخاص حيث يتعمَّدون بفتح محلاتهم مساء السبت ولو لعدة ساعات للتأكيد أن السبت انتهى وبدأ الأحد، أي أن اليهود عندما يأكلون الفصح مساء يوم 14 بعد غروب الشمس، يكون القمر قد دخل يومه 15.
3: يتهيئا اليهود من أخر ساعة من مساء يوم 13 قمري (عمر البدر 13 يوماً)، وابتدأً من يوم 14 يقوم اليهود بتنظيف وتطهير البيت من الخبز المخمور استناداً إلى (تثنية 1:16)، ثم يُذبح خروف الفصح (تثنية 6:16)، وهاتان العمليتان تتمان يوم 14، ولكن خروف الفصح لا يؤكل إلاًَ بعد غروب شمس يوم 14، أي في الساعات الأولى من يوم 15.
مثال: في سنة معينة صادف القمر بدراً، أي عمره 14 يوماً في يوم الاثنين الموافق 29 آذار ميلادي، اليهود يأكلون الفصح بعد الساعة السادسة مساء الاثنين، وهذا يعني أنهم في يوم الثلاثاء 30 آذار.

ما هي السنة القمرية اليهودية؟
1: السنة القمرية اليهودية تتكون من 12 شهراً، وكل شهر 29 أو 30 يوم، وهو عدد أيام دور اكتمال دور القمر، وعدد أيام السنة اليهودية 354 يوماً، إي أقل من السنة الشمسية الميلادية ب 11يوم وربع، ولكي يتجاوز اليهود هذا الفرق وتكون السنة الشمسية تساير القمرية وتبقى مواسم والشهور والأيام للزراعة والأعياد ثابتة، ومنها عيد الفصح الذي يأتي في الربيع فقط (وليس كما يحصل بانتقال العيد بين كل أشهر السنة كما هو الحال عند المسلمين الذين يستعملون السنة القمرية أيضاً) فإن اليهود يضيفون في كل دورة من 19 سنة قمرية، 7 مرات شهراً إضافياً، وهي السنة الثالثة، السادسة، الثامنة، الحادية عشرة، الرابعة عشرة، السابعة عشرة والتاسعة عشرة، لذلك فدورة 19سنة اليهودية القمرية تتكون من 12سنة عادية فيها 12 شهر، و7 سنوات فيها 13 شهر، وتُسمَّى السنة ذو 13 شهر بالسنة الكبيسة (ليس نفس الكبيسة الشمسية بل كبيسة قمرية) وهذا الشهر المضاف اسمه آذار، وبما أن السنة القمرية اليهودية فيها شهر آذار أصلاً، فأنهم يُسمُّون الشهر المضاف آذار الثاني وهو يقابل شهر نيسان في السنة الشمسية الميلادية.
2: كان اليهود يستعملون السنة الشمسية (الميلادية الحالية)، وهذه السنة معتمدة منذ سنة 45 ق.م. على التقويم اليولياني الذي وضعه هو الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر، وهي تتكون من 365 يوم وربع، مُقسَّمة على 12 شهر، بين 30 و 31 يوماً باستثناء شباط 28 يوماً، والربع يوم يجمع كل 4 سنوات ليكون فيه شباط 29 يوماً، فتكون السنة فيها 366 يوماً، وتُسمَّى سنة شمسية كبيسة، وهو تقويمنا الميلادي الحالي مع استثناء وتعديل سأذكره لاحقاً.

متى احتفل اليهود والسيد المسيح بالفصح في سنة 33م التي صُلب فيها السيد المسيح ومات وقام؟
سنة 33 ميلادية، كانت سنة كبيسة قمرية يهودية، أي أنها تحوي شهر آذار الثاني، وأصبح القمر بدراً أي عمره 14 يوماً (14 آذار الثاني قمري) في يوم الجمعة الموافق 3 نيسان ميلادي، وفيه صُلب السيد المسيح قبل الساعة السادسة، ثم رجع اليهود وآكلو الفصح بعد السادسة من مساء الجمعة أي السبت، وكان ذلك في 4/4/33م (عمر القمر15)، ثم قام السيد المسيح من الأموات يوم الأحد16 آذار الثاني قمري الموافق 5/4/33م ميلادي شمسي، وقد ثبت علمياً أن يوم الجمعة كان القمر بدراً سنة 33م (راجع دور القمر آخر المقال).
و ليس صحيحاً ما يُكتب في أن فصح اليهود كان يوم الخميس 14 آذار الثاني قمري، وأن السيد المسيح أكل الفصح مع اليهود في 14 آذار الثاني قمري، وقام من الأموات يوم 17 آذار الثاني قمري، والصحيح أن يوم الجمعة كان الفصح اليهودي القانوني الشرعي وليس الخميس، وأن القمر كان بدراً وعمره 14 يوماً في يوم الجمعة وليس الخميس، أمَّا السيد المسيح فقد أكل الفصح فعلاً يوم الخميس 13آذار الثاني قمري قبل اليهود ب 24 ساعة، وصُلب ومات يوم الجمعة 14 آذار الثاني قمري، وقام من الأموات يوم الأحد 16 آذار الثاني قمري، الموافق 5 نيسان سنة 33 شمسي ميلادي، ولأهمية الموضوع من الناحية الدينية واللاهوتية في مسالة توحيد العيد، سأفصِّل ذلك بما يتفق مع الإنجيل أيضاً.

سبب اختلاف المسيحيين في تحديد يوم عيد القيامة، وكيف احتفل المسيحيون بعيد الفصح في البداية؟
هذا الموضوع واسع جداً، ولا أريد الإطالة فيه لعدم أهميته أولاً، ولكي أركّز على ما هو أهم من ذلك وبما يخدم مسألة توحيد العيد ثانياً، ولكن باختصار أقول: اختلف المسيحيون منذ البداية في تحديد عيد القيامة، مع خلافات أخرى أيضاً فالشرقيون كانوا يعتبرون جمعة الآلام يوم فرح لأنهم تحرروا من العبودية ويُحل الحزن والصوم مقتدين بالرسول يوحنا، والشرقيون في آسيا الصغرى وسورية وبين النهرين وقليقيا احتفلوا بالفصح بعد أول بدر عمره 14–17 يوماً يأتي بعد 21 آذار ميلادي شمسي، وفي أي يوم يقع، أي ليس بالضرورة أن يكون يوم أحد (معتمدين العدد)، أمَّا الغربيون الرومان واليونان وشمال أفريقيا ومصر وفلسطين فكانوا يتألمون ولا يحلون الصوم مقتدين بالرسولين بطرس وبولس (معتمدين الأيام)، فكانوا يحتفلون بأول جمعة–الأحد بعد بدر 14 الذي يأتي بعد 21 آذار ميلادي، وبقيت الخلافات إلى سنة 325م، ونظراً لأن الأقباط كانوا يتمتعون في حينها بمكانة علمية فلكية عالية، فقد وجَّه المجمع رسالة إلى كنيسة الإسكندرية قائلين: إننا نعلن لكم البشرى السارة عن الاتفاق المختص بعيد الفصح فان هذه القضية قد سوِّيت بالصواب بحيث إن كل الإخوة الذين كانوا في الشرق يسيرون على مثال اليهود أصبحوا الآن يعيدون الفصح المقدس في الوقت نفسه كما تعيده روما وانتم وجميع من كانوا يعيدونه هكذا منذ البداية. (رسالة مجمع نيقية إلى كنيسة الإسكندرية)، وعدَّت كنيسة الإسكندرية نفسها مسئولة بتحديد بدر الربيع والعيد، فكان بطريرك الإسكندرية يحدد ذلك ويرسل رسالة إلى بابا روما وبطاركة الكنائس الأخرى وتُسمّى الرسائل الفصحية، إلاَّ أن ذلك لم يُلتزم به دائماً وخاصة بعد مجمع خلقيدونية سنة 451م، حيث بقيت الخلافات قائمة في تحديد عيد الفصح.

استمر اختلاف حساب العيد إلى سنة 1582م، حيث لاحظ بابا روما غريغوريوس أن بدر الربيع قد أتى مبكراً في 11 آذار، فشكَّل لجنة فلكية توصلت إلى أن السنة الشمسية الميلادية ليست 365 يوماً وربع بالضبط، بل أقل من ذلك ب 11 دقيقة و14 ثانية، وهذا النقص الذي تراكم على مر السنين هو السبب في فرق العشرة أيام، لذلك قرر تعديل التقويم بما يُسمَّى التقويم الغريغوري أو الغربي والذي يعتمده العالم اليوم، وضبطوا هذا الفرق بأن جعلوا السنة الشمسية الكبيسة هي ليست التي تقبل القسمة على 4 فقط، بل هي التي تقبل القسمة على 4، ولكن في حالة قبولها القسمة على 100 في نفس الوقت، يجب أن تقبل القسمة على 400 أيضاً، وإلاَّ لن تكون سنة كبيسة، وهذه السنين تُسمى السنين القرنية (بداية ونهاية قرن)، فالتي لا تقبل القسمة على 400 مثل سنة 1900،2100،2200، 2300 ليست سنين كبيسة رغم أنها تقبل القسمة على 4، أمَّا سنة 2000، 2400 فإنها كبيسة لأنها تقبل القسمة على 4 و100 و400، وهكذا.
استمر الشرقيون الأرثوذكس، السريان، الأقباط، الأرمن، الأحباش، والروم كاليونان وروسيا وصربيا..الخ، باعتماد التقويم الشرقي اليولياني الخاطئ في حساب عيدي الميلاد والقيامة، و فيما بعد هناك من اعتمد التقويم الغربي في عيد الميلاد فقط مثل السريان الأرثوذكس ورومانيا، بينما بقي التقويم الشرقي معتمداً لعيد القيامة لجميع الشرقيين الأرثوذكس في العالم إلى اليوم، علماً أن الفرق بين التقويمين سنة 1582م كان 10 أيام، أمّا اليوم فهو 13 يوماً، وفي القرن القادم سيصبح 14 يوماً، وهكذا كل 128 سنة يزداد يوماً، وإذا استمر بعض الأرثوذكس كالأقباط باعتماد التقويم الشرقي في عيد الميلاد، سيأتي يوما ما بعد آلاف السنين يعيدون عيد الميلاد في آذار أو نيسان مثلاً.

كيف يتم حساب البدر لعيد القيامة المسيحي؟
1: الكنائس الغربية (الكاثوليك، الأنكليكان، البروتستانت..الخ): طريقة علمية فلكية مضبوطة مئة بالمئة، فعيد الكاثوليك دائماً يكون بعد أول أحد من اكتمال البدر ، أي أن البدر موجود (راجع دور القمر في نهاية المقال).
2: الكنائس الشرقية الأرثوذكسية: إن حساب البدر في الكنائس الأرثوذكسية (الروم، السريان، الأقباط، الأرمن، الأحباش) يتبع الأسلوب القديم الخاطئ، وهي عملية رياضية معقدة جداً وغير واقعية وموجودة على الورق فقط، وببساطة هي عملية تشبه بالضبط كمن يحرر شيكاً وليس لديه رصيد، فلا وجود البدر إلاَّ على الورق، ومن يريد التأكد من كلامي من القراء الكرام عليه أن يراقب القمر ليرى أن يوم 31/ آذار الجاري سيكون بدراً، (اليوم هو أقل من بدر)، وأن الكاثوليك سيعيَّدون يوم 1/ 4 لأنه أول أحد بعد البدر الذي يقع بعد21/ 3، بينما الأرثوذكس سيعيدون في 8/ 4.

أهم نقاط الخلاف (المعلنة فقط وليس المخفية!) بين الشرق والغرب في تحديد عيد القيامة
قبل الخوض في هذا الموضوع أقول: إن الاثنين على خطأ، ولكن إذا اعتمدنا على القمر فإن خطأ الغرب أقل من الشرق، وإن الكاثوليك تواقين أكثر من الأرثوذكس لتوحيد العيد (ولكن ليس لإغراض إيمانية بحتة)، كما سأوضِّح ذلك.
(حجج الأرثوذكس)
1: يتحجج الشرقيون بأن الغربيين يصادف فصحهم مع اليهود كما حصل سنة 2015م، حيث وقع عيد الكاثوليك مع الفصح اليهودي، ويعدُّون ذلك أمراً غير مقبولاً، بدون أي حجة مقنعة، بل على العكس الشرقيون كانوا في العصور الأولى يعيدون مع الفصح اليهودي بالضبط حتى إن لم يقع يوم أحد.
2: يقول الأرثوذكس إن نور السيد المسيح لن يظهر من القبر إلاَّ في عيد الأرثوذكس فقط، وكأنه إذا توَّحد العيد بين الاثنين فإن نور السيد المسيح لن يظهر وهو القائل إذا اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي أكون وسطهم، وهم لا يضعون في الاحتمال أن شعلة نور السيد المسيح أكيد ستتوهج أكثر، وأعاجيبها ستكون أبهر في حالة توحيد العيدين.
3: الحجة الثالثة خاصة بالأقباط، وهي: كيف كنا نحن من يحدد عيد القيامة في التاريخ، ثم اليوم نحن نتبع الكاثوليك، والأقباط في طرحهم هذا يشبهون الانكليز تماماً بعدم تبديلهم سير اليمين في السيارة ووحدات القياس والوزن المعقدة بحجة أنهم أول من اخترع السيارة ووحدات القياس.
(حجج الكاثوليك)
1: إن البدر موجود دائماً في عيدهم، وهذا صحيح كما ذكرتُ.
2: يركزون على أن فصحهم قريب من الفصح اليهودي الذي شارك المسيح في أحداثه وصُلبه وموته وقيامته.
وقبل أن اذكر السبب الحقيقي المخفي لعدم توحيد العيدين سأشرح موضوع فصح السيد المسيح من الناحية اللاهوتية لأهميتهِ، ولقطع حجة الطرفين على حدٍ سواء، وأنه لا يجب ربط الفصح المسيحي بالفصح اليهودي والقمر، أقول:
1: إن الحقيقة الثابتة والتي لا تقبل الجدل هي أن السيد المسيح صُلب يوم الجمعة، والإنجيل بأربع بشائره متفقة على ذلك، متى 62:27، مر 42:15، لو 54:19، يو 19: 31 و 42.
2: إن السيد المسيح لم يأكل فصح اليهود القانوني مساء الجمعة على السبت (أي أول ساعات السبت) لأنه يوم الجمعة كان معلقاً على الصليب، وإنما أكل فصحاً خاصاً به وبتلاميذه فقط قبل اليهود ب 24 ساعة، فأمر بطرس ويوحنا يوم الخميس 13 آذار الثاني قمري، قائلاً لهم: شهوت اشتهيت أن أكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم (لو 22: 7–15)، وتناول الفصح مساء الخميس على الجمعة، وقُبض عليه بداية (مساء) يوم الجمعة 14 قمري، وهو يوم الاستعداد للفصح، وليس يوم أكل الفصح، وجرت محاكمته وتعذيبه ليل ونهار الجمعة: ثم جاءوا بيسوع من عند قيافا إلى دار الولاية، وكان صبح (يوحنا 18: 28)، وصُلب نهار الجمعة الساعة 12–3 ظهراً (بتوقيتنا)، حيث كان اليهود مستعدين لأكل الفصح يوم السبت، ولكنهم لم يكونوا قد أكلوه بعد: وكان استعداد الفصح، ونحو الساعة السادسة (12ظهراً) ، فقال لليهود، هوذا ملككم، فصرخوا، خذه خذه، اصلبه (يو 19: 14–15) كذلك: ولما كان المساء إذ كان الاستعداد إي ما قبل السبت (مر 15: 42)، أيضاً: كان يوم الاستعداد والسبت يلوح (لو23: 54)، ثم أُنزل من الصليب كي لا يبقى مُعلَّقاً يوم أكل الفصح (السبت): ثم إذ كان استعداد فلكي لا تبقى الأجساد على الصليب في السبت لأن يوم ذلك السبت كان عظيماً (يو 19: 31).
3: إن اليهود كانوا متعجلين للانتهاء من محاكمته وصلبه سريعاً قبل أن تتوقف الحركة العامة والرسمية القضائية، لكي يأكلوا الفصح مرتاحين، حتى أنهم لم يدخلوا دار الولاية لكي لا يتنجسوا، فيأكلون الفصح (يوحنا 18: 28).
4: إن السيد المسيح بتناوله فصحاً خاصاً به وبتلاميذه فقط، قد أبطل الفصح اليهودي وخروفهُ، وأبدَّله بجسده ودمه، كما أبدل الختان بالمعمودية، فبعد أن اشتهى فصحاً خاصاً به، ربط فصحهُ بالملكوت السماوي قائلاً: أقول لكم: لأني لا آكل منه بعد حتى يكمل في ملكوت الله، ثم تناول كأساً وشكر وقال: خذوا هذه واقتسموها بينكم، لأني أقول لكم: إني لا اشرب من نتاج الكرمة حتى يأتي ملكوت الله (لو 16:22–18)، فالسيد المسيح أسس سرَّاً وفصحاً جديداً يُعمل لذكره في كل قداس قائلاً: اصنعوا هذا لذكري (لو 19:22)، ولا يزال إلى اليوم ترتيله في الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في خميس الفصح تقول:
ܡܫܝܚܐ ܕܒܦܨܚܗ ܫܪܝܗܝ ܠܠܡܪ ܦܨܚܐ ܒܦܨܚܚܟ ܐܦܨܚ ܠܢ ܘܐܬܪܚܡܥܠܝܢ
مشيحو دابفِصحيه شروي ليمَر فِصحو بْفصحُخ أفصَح لان واثراحمعلين
أيها المسيح الذي بفصحه أبطل خروف الفصح بفصحك أبهجنا وترحم علينا

لذلك ليس عذراً للكاثوليك والأرثوذكس التقيَّد بالفصح اليهودي والقمر من الناحية الدينية واللاهوتية، وأغلب المفسرين يتفقون على أن السيد المسيح لم يأكل الفصح اليهودي القانوني عشية الجمعة على السبت، بل أكل فصحاً خاصاً به ومع تلاميذه فقط، وهناك من قال إن السيد المسيح أكل الفصح يوم الأربعاء بحجة أن وقت أحداث المحاكمة والصلب كان قصيراً، وحاول قسم قليل آخر من المفسرين اعتبار السيد المسيح أكل الفصح القانوني اليهودي بالقول: هناك فئة من الفريسيين كانوا يخالفون الصدقيون بيوم الفصح فأكلوه الخميس، أو أن طائفة أخرى كان لها تقويم خاص يحتوي على 52 أسبوعاً منظم بحيث يقع الفصح يوم أربعاء دائماً، أو أن اليهود في العصور الأولى اعتمدوا على رئوية البدر بالعين المجردة ولم تكن الحسابات دقيقة، أو أن الإنجيليين عندما كتبوا للأمم الأخرى، كتبوا لهم حسب تقويمهم الذي يفهمونه والذي يبدأ اليوم في الصباح وليس حسب التقويم اليهودي الذي يبدأ فيه اليوم بعد غروب الشمس، مستندين على ما جاء في الإنجيل: وفي اليوم الأول من الفطير حين كانوا يذبحون الفصح قال له تلاميذه: أين تريد أن نمضي ونعد لتأكل الفصح؟، فأرسل اثنين من تلاميذه وقال لهما: اذهبا إلى المدينة فيلاقيكما إنسان حامل جرة ماء، اتبعاه ،وحيثما يدخل فقولا لرب البيت: إن المعلم يقول: أين المنزل حيث أكل الفصح مع تلاميذي (مرقس14: 12–14)،وأيضاً: وجاء يوم الفطير الذي كان ينبغي أن يذبح فيه الفصح (لوقا 22: 7)، كذلك: وفي أول أيام الفطير تقدم التلاميذ إلى يسوع قائلين: أين تريد أن نعد لك لتأكل الفصح؟ (متى 26 : 17)، وغيرها، وهذه مجرد آراء، وبالعكس فهذه الآيات كلها تؤكد أن خروف الفصح ذُبحَ نهار الجمعة، لكنه لم يؤكل إلاَّ بعد غروب شمس الجمعة، أمَّا بالنسبة للأربعاء فمن يرى مكان الأحداث من بستان جسماني إلى دار قيافا والجلجلة فهي قريبة من بعضها جداً ولا تتجاوز محيط ا كلم، (والمهم في مقالنا أن العيد لا يجب أن يُربط بفصح اليهود لأن السيد المسيح لم يأكل فصحهم).

أمّا من الناحية التقويمية، إذا كان العالم كله على الإطلاق يتبع التقويم الميلادي في حياته العامة، فما معنى أن يتبع المسيحيون التقويم القمري اليهودي؟، ومن جهة أخر إن الكاثوليك سابقاً لم يكونوا يعيَّدوا الأحد إذا وقع السبت بدراً كما هو الحال في السنة 2015م، بل يؤجلونه أسبوعاً، كما أن الأرثوذكس والكاثوليك معاً يخالفون مبدأ مهماً وهو أنهم يعيَّدون أحياناً مرتين في السنة القمرية الواحدة، فمثلا عيَّدَ الأرثوذكس الفصح في 6 أيار سنة 1956م وفي 21 نيسان 1957م، وفي نفس الوقت عيد الغربيون في 21 نيسان سنة 1957م وفي 6 نيسان 1958م.

السبب الحقيقي لعدم توحيد العيد بين الغربيين والشرقيين
ملاحظة: انقل تاريخ وما يحصل بالضبط بعيداً عن العواطف والآراء الشخصية، أي ليس بالضرورة إني أوافق عليه.
إلى سنة 1852م يمكن القول أن الخلاف كان تقويمياً، ولكن بعد ضبط التقويم بصورة علمية محكمة لم يعد حجة لمن يدَّعي أن الخلاف تقويمي، إذن ما هو سبب الخلاف الآن؟، والجواب: السبب هو سلطوي لكنهُ يفسَّر للبسطاء أنه تقويمي.
إن الثقل الأساسي والرئيسي في كنيسة القيامة هو للأرثوذكس وليس للكاثوليك، وقبر السيد المسيح مكوَّن من غرفة فيها مدخل أول فيها نافذتان يمين ويسار، ثم مدخل ثاني فيه قبر السيد المسيح لا يوجد فيه نافذة، وفي سبت نور الشرقيين الأرثوذكس يدخل أربعة أشخاص فقط إلى غرفة القبر، بطريك الروم الأرثوذكس وخلفه ثلاث كهنة من الأرمن والسريان والأقباط فقط (وغالباً معهم شرطي!)، ولا يُسمح لرجال الدين الكاثوليك أو غيرهم بالدخول إلى غرفة القبر حتى لو كان بابا روما، وبطريك الروم الأرثوذكس هو المخوَّل فقط بدخول قبر السيد المسيح، والثلاثة كهنة الأرمن والأقباط والسريان يقفون في المدخل الأول فقط، ولا يحق لهم الدخول إلى القبر، ثم يدخل بطريرك الروم إلى القبر ويجلب الشعلة المقدسة ويخرج إلى المدخل الأول ويعطيها من النافذة اليمنى للروم الأرثوذكس العرب، ومن النافذة اليسرى للروم الأرثوذكس اليونان، ثم يعطي الشعلة لكهنة الأرمن والسريان والأقباط الواقفين في المدخل الأول، ويخرج الأربعة خارجاً فيعطي الأرمن والسريان والأقباط الشعلة كلٌ طائفته، وكنيسة القيامة في سبت نور الأرثوذكس مقسمة بحواجز حديدية (محجلات)، ليس من حق طائفة الوقوف مكان طائفة أخرى، فالروم الأرثوذكس يدخلون من يمين الحاجز، وبقية الأرثوذكس من الأرمن والسريان والأقباط على اليسار، ويجب على بقية الزوار الذين لا ينتمون لهذه الطوائف التنسيق سلفاً مع الروم أو السريان أو الأرمن أو الأقباط للدخول تحت لوائها، أو الدخول تهريب (قجغ) وهو ليس بالأمر السهل لوجود الشرطة التي تُدخِل كل طائفة بالترتيب وفق تنسيق مُعد سابقاً، وداخل الكنيسة هناك اتفاقات، فهناك مكان مخصص للأقباط بشرط أن يكون معهم 10 سريان فقط (لا يجوز 11)، وهناك مكان للسريان بشرط أن يكون وسطهم درج صغير يتسع لعدة أشخاص روم ليس من حقهم الوقوف على الأرض مع السريان بل على الدرج فقط.

سؤال1: إذن متى يحتفل الكاثوليك بسبت النور حسب التقويم الغربي؟ وهل لهم شعلة؟
الجواب: الكاثوليك يحتفلون بعيدهم حسب التقويم الغربي، ولكن ليس من حقهم الدخول إلى القبر واخذ الشعلة المقدسة، وإنما يعملون شبه تذكار للنور بشعل شموع في باحة كنيسة القيامة فقط. علماً أن اللاتين والفرنسيسكان فقط مخولين بترؤس المراسيم وليس أي رجل دين كاثوليكي، اللهم إلاَّ إذا كان البابا حاضراً بكونه رئيساً لهم.
سؤال2: ماذا لو صادف العيدين الشرقي والغربي معاً كما في بعض السنين.
الجواب: يحتفل الكاثوليك صباحاً لوحدهم بدون الدخول إلى القبر طبعاً، وينهون مراسيمهم الساعة الحادية عشر صباحاً تقريباً، لتبدأ المراسيم الأرثوذكسية كما أوضحنا.

والآن بعد هذا الشرح الموجز أقول: إن السبب الحقيقي في عدم توحيد العيد ليس التقويم الشرقي والغربي ولا البدر، وإنما هو فقد السلطة الأرثوذكسية على الكنيسة ومراسيم القيامة، فلن يقبل الأرثوذكس وخاصة الروم أن يتنازلوا عن هذه الخصوصية المهمة جدا بسهولةً خوفاً من الكاثوليك الذين هم أكبر وأقوى كنيسة في العالم، والذين بدورهم لا يكلُّون جهداً لفرض سلطتهم، وهذه السلطة مرتبطة بمسألة أخرى ربما هي أهم من السلطة وهي (المال)، وهي صناديق النذور والصدقات الموجودة في القبر والتي تقدر بآلاف الدولارات في اليوم الواحد، والتي تذهب عائديتها لكنيسة الروم، ولا أريد التطرق إلى مسائل أخرى بهذا الشأن مثيرة جداً وطريفة، ولكن باختصار أقول: حتى لو وافق الكاثوليك على أن يعيدوا حسب التقويم الشرقي، فلن يُسمح لهم بدخول القبر المقدس، (وحسب ظني) ربما سيسعى بطريرك الروم إلى طريقة ما لكي لا يُعيِّد مع الكاثوليك، وحتماً إن الأرثوذكس سيتفقون معه، والسبب هو هاجس الخوف من سيطرة الكنيسة الكاثوليكية بمرور الزمن على هذه الخصوصية المهمة، ولذلك فعملية توحيد العيد إن لم تكن مستحيلة فصعبة جداً، ورائي الشخصي بتوحيد العيد أنه حتى لو وافقت جميع كنائس العالم، لا يوجد فائدة إذا لم يوافق بطريرك الروم، فالمفتاح بيده، ولعل أحد الحلول برائي الشخصي هو: يجب اختيار أحد ثابت من نيسان (أول أو ثاني أحد)، وتقديم ضمانات قوية جداً وواضحة من جميع الكنائس وخاصة الكاثوليك، بأن تبقى صلاحيات بطريرك الروم ومعه الأرثوذكس نفسها، (أي توحيد العيد، لكن يبقى الوضع في المراسيم كما هو عليه الآن عندما يصادف العيد معاً، علماً أن هناك امتيازات أخرى للأرثوذكس في خميس الفصح وجمعة اللام لا يريد بطريرك الروم أن يفقدها).
ملاحظة مهمة: إن هذه التقاليد مرتبطة بمئات السنيين، وقد كان فترات معينة يأخذ الأرمن أو السريان أو الأقباط أو الأحباش الشعلة المقدسة من القبر، ولكن عموماً كانت للروم، وبعيداً عن العاطفة والقضايا الإيمانية والمثاليات وغيرها نقول: ما ذكرناه لا يعبِّر عن عدم إيمان الأرثوذكس والكاثوليك، ولكن هذا هو الواقع، وأي شخص يعرف تفاصيل الأمور قد يصل إلى هذه القناعة مُكرهاً، فالكل يعترف أن ذلك خطأ، ولكن كل طرف يريد أن يثبت وجوده التاريخي وتقاليد كنيسته بشكل أقوى ويخشى أن يفقد مكانته للآخر كما فقد قسماً منها الأحباش، وكأمثلة، إذا فرش القبطي سجادته في باب مذبح كنيستهُ داخل كنيسة القيامة وذهبت بالخطأ 5 سم فقط إلى بلاط (كاشية) حدود مذبح كنيسة الأرمن أو الروم أو السريان، فذاك أمرٌ لا يحمد عقباه، وغالباً ما يُحل بتدخل الشرطة وسيارات الإسعاف!، وقد حدثني أحد الكهنة في كنيسة القيامة عندما التقيتُ به في أوربا، أن العلاقات التي تجمعهم كرجال دين طيبة جداً، ولكن خارج الكنيسة فقط، أما داخل الكنيسة فشيء آخر، مع العلم أن الثلاثة الأرمن والسريان والأقباط في إيمان واحد مشترك لاخلقيدوني وتجمعهم شركة كنسية تامة، ومن بعض الشعارات التي تُطلقها كل طائفة أثناء حصول المشاكل بينها، فمثلاً يهتف الروم قائلين: يوم القيامة يوم الروم نحن هون سادة القوم
فيرد السريان هاتفين: ديروا الميه على الصفصاف أحنا السريان ما بنخاف
واللي بدوا يعادينا ينزل على القيامة ويشوف
وإذا تأخر السريان في قداسهم مثلاً على حساب وقت اللاتين الكاثوليك في بعض الأيام العادية، ترى اللاتين يهتفون
يوم الحد حد اللاتين برا السريان المجانيين
فيرد السريان وهو خارجون: بالطول بالعرض سرياني يهز الأرض بالعرض بالطول سرياني على طول
ومثلهم الأقباط والأرمن طبعاً، وليس معنى كلامي أنه دائماً تحصل مشاكل، ولكن حدوثها ليس بالقليل.

ومع أن مقالي تاريخي ولاهوتي وليس روحاني، لكنني أدرج مقتبسات من رسالة الإمبراطور قسطنطين في مجمع نيقية 325م، بعدم الالتزام بالفصح اليهودي، لعل هناك من يستجيب من رجال الدين!، أو على الأقل إطلاع المثقف المسيحي وغيره على هذه الأمور:
إنه لا يناسب على الإطلاق في هذا العيد المقدس أن نتبع حساب اليهود الذين عُميت قلوبهم وعيونهم وغمسوا أيديهم بأعظم الجرائم، ولذلك يجب أن نترك طريقتهم للاحتفال بالفصح، وان لا يكون لنا ما نشارك به اليهود، فإن عبادتنا قائمة على أسلوب أقوم واشد انطباقاً على الشريعة، وبهذا نتفق أيها الإخوة على أن ننفصل عن أي اشتراك ممقوت مع اليهود، لأنه عار علينا حقاً أن نسمعهم يفتخرون إننا بدون إرشادهم لا نستطيع أن نحفظ هذا العيد، فمن واجبكم أن لا تلوثوا أنفسكم بالصلة مع شعب شريد، وان مخلصنا ترك لنا يوماً واحداً نحتفل به تذكراً لفدائنا، وأراد تأسيس كنيسة جامعة واحدة (the live of blessed empror Constantine حياة قسطنطين العظيم (انكليزي، ك3، ف18 ص128–131).
موفق نيسكو

https://e.top4top.net/p_814eko7g1.png

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here