المعسكر الشرقي الجديد

كانت الحرب السورية الشرسة و تدخل الكثير من الدول فيها بشكل مباشر من خلال الزج بالجيوش العسكرية او بشكل غير مباشر من خلال دعم المنظمات و الفصائل المسلحة المؤيدة للدولة السورية او المناوئة لها و هكذا وجدت الدول الأقليمية نفسها و هي تنغمس اكثر في المشهد السوري حيث كانت ( ايران ) من اوائل الدول الأقليمية و التي تدخلت بشكل قوي و معلن و مباشر في اشتراك الحرس الثوري في تلك الحرب و غير مباشر في الزج بحزب الله اللبناني و الفصائل الشيعية الأخرى و التي تقاتل الى جانب الحكومة السورية القائمة و تدافع عنها فكان للدور الأيراني و القوى المتحالفة معه دورآ كبيرآ و مؤثرآ في تغيير موازين القوى العسكرية لصالح النظام السوري .

كان الأمر كذلك بالنسبة الى دول الخليج و بالأخص ( السعودية و قطر ) و اللتان تمتلكان فصائل مسلحة تعادي النظام السوري و تقاتل بأستماتة و اندفاع للأطاحة به و قد استقدمت تلك الفصائل و تحت يافطة عريضة عنوانها البارز ( نصرة اهل السنة ) الالاف من المقاتلين الأجانب الذين تدفقوا افواجآ عديدة بأتجاه بلاد الشام تمولهم دول الخليج و بسخاء و كرم غير معهودين بالأموال و السلاح و الأعلام حتى صارت تلك الفصائل اشبه بالجيوش النظامية للدول من حيث التدريب و مراتب الضباط و الجنود و كانت تلك الفصائل تأتمر و بشكل مباشر من مموليها و هي تعلن ذلك صراحة و دون مواربة .

كان التدخل ( التركي ) المباشر متأخرآ بعض الشيئ و ان كانت كل الأتهامات توجه الى تركيا كونها المعبر الوحيد للألاف من المقاتلين الذين عبروا الحدود و رفدوا المجاميع المسلحة المعادية للحكومة السورية بالأفراد و المقاتلين المتحمسين لمقاتلة النظام و اسقاطه و أقامة دولة الخلافة الأسلامية الحلم الذي يصبو اليه اولئك المحاربين و هم يجتازون الحدود تحت اعين و مراقبة الجندرمة التركية و بغض النظر عنهم و تقديم تسهيلات كثيرة و غير معلنة خشية من الأتهامات و الأنتقادات التي قد تواجه بها الحكومة التركية سيما و ان اغلب الفصائل التي تم امدادها بالمقاتلين و الأموال هي تلك الأرهابية مثل ( القاعدة و داعش ) .

اما التدخل الذي قلب المعادلة لصالح الحكومة السورية و جيشها و احدث نقلة نوعية في صالحها كان هو التدخل الروسي القوي و المباشر في الحرب الى جانب الحكم السوري و كان هو السبب الرئيسي في بقاء و صمود القوات الحكومية التي اخذت زمام المبادرة و انتقلت من وضعية الدفاع المتقهقر الى حالة الهجوم المنتصر مستندة على الدعم العسكري الروسي و بالأخص ذلك الجوي الذي دك معاقل الفصائل المعارضة و كاد ان يقضي على اغلبها و يلحق الهزيمة النكراء بها و يجبرها على الجلوس الى طاولة المفاوضات المباشرة مع وفد الحكومة السورية و التي لطالما رفضت تلك الفصائل المسلحة و من موقع القوة الذي كانت تتمتع به من المفاوضات المباشرة مع الوفد الحكومي .

صمود النظام السوري وعدم انهياره و سقوطه و الذي كان ثمرة لذلك الدعم العسكري و المادي الروسي و الأيراني و الفصائل العسكرية الموالية لأيران و في المقدمة منها ( حزب الله ) اللبناني و كان بقاء الحكم السوري هذه السنوات السبع من الحرب متماسكآ و لم يهزم ما جعل جميع الدول الأقليمية و العالمية تعيد الحسابات و تدققها و ان ظلت الأمور على ما هي فأن الحرب السورية سوف تبقى مشتعلة الى اجل غير معلوم و هذا الأمر ليس في صالح كل الدول الأقليمية و كذلك هو من الخطورة الكبيرة في امكانية نشوب حرب عالمية سيما و ان الوجود العسكري الأمريكي المتواضع و القليل العدد في سوريا و الذي لا مبرر له سوى امكانية الأحتكاك مع القوات الروسية هناك و الأصطدام بها و من ثم نشوب حرب بينهما لا يستطيع احد التكهن بما يمكن ان تصل اليه و عن نوعية الأسلحة التي قد يتم استخدامها في تلك الحرب لا سيما و ان الطرفين الروسي و الأمريكي يمتلكان من ترسانة الأسلحة النووية الشيئ الهائل .

بدأ ملامح الحلف الشرقي الجديد بالتشكل بعد ان اتفقت روسيا و تركيا و ايران و هي الدول الأكثر تأثيرآ في الساحة السورية على ضرورة ايقاف الحرب الأهلية الدائرة هناك كان ذلك بعد ان اصطدم الحليف الأطلسي ( تركيا ) مع دول الحلف الأوربية الأخرى و كذلك مع قيادة الحلف الأمريكية و بالأخص الموقف من ( حزب العمال الكردستاني ) و الفرع السوري المتمثل في ( قوات حماية الشعب ) و التي تصفها تركيا على انها منظمة ارهابية في حين ترى اوربا و امريكا عكس ذلك على انها حركة تحرر وطنية و التي وقفت بالمرصاد و كان لها الدور الكبير و المؤثر في الحرب على ارهاب ( داعش ) و تحرير العديد من المدن من الأحتلال الداعشي و كان لها الدور البارز في حماية الشعوب في تلك المناطق الخاضعة لسيطرتها .

اذا كان هذا المعسكر الجديد و الذي يضم تركيا و ايران و بقيادة روسيا و الذي قد تنظم اليه لاحقآ الصين قد اخذ صورته النهائية و استقرت اركانه و حددت اهدافه فأن ذلك سوف يعني وقف التمدد الغربي و الأمريكي في المنطقة من خلال البوابة السورية و التي سوف تكون هذه الكتلة من الدول متصلة جغرافيآ بعضها ببعض و هنا سوف يكون دور العراق مهمآ و محوريآ و سوف يكون الصراع على هذا البلد الذي هو حلقة الوصل الذهبية و التي تربط اجزاء هذا الحلف الجديد و في الوقت نفسه تكون دول الخليج الموالية للغرب قد عزلت تمامآ و اصبحت اسرائيل تحت مرمى النيران المعادية طالما و ان الحدود اللبنانية قريبة و طالما و ان حزب الله يتغنى دومآ بضرب الدولة العبرية .

على انقاض المعسكر الأشتراكي و الكتلة الشرقية و الأتحاد السوفييتي قد بدأت ملامح معسكر شرقي جديد تتبلور و تتشكل و اذا ما قدر لهذا الحلف الجديد ان يستمر و يتعمق حتى بعد الأنتهاء من الأزمة السورية و خاصة و ان الصين سوف لن تكون بعيدة عنه ما يكسبه دعمآ و زخمآ اضافيآ ما يجعله قوة اقتصادية و عسكرية ضخمة في مقابل حلف الأطلسي و كذلك سيكون الباب مفتوحآ امام الدول التي ليست على و فاق و اتفاق مع السياسة الغربية و الأمريكية للأنضمام الى هذا التكتل الجديد الذي و على الأغلب لن يتم الأعلان عنه بشكل رسمي فهل سنرى حلفآ شرقيآ جديدآ ينهض و ينفض عنه غبار حلف ( وارسو ) المنحل و يكون البديل القوي و المؤثر في الساحة الأقليمية و الدولية هذا ما سوف تكشف عنه الشهور و السنين القادمة .

حيدر الصراف

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here