تأملات في”دم قراطية” أميركا بذكرى إحتلالك يااااعراق !!

احمد الحاج

اليوم وأنا أطالع بمرارة إعترافات الرقيب اﻷميركي السابق ضمن الفرقة 101 التي شاركت في غزو العراق ، تود بايتون، وقوله حرفيا كما تناقلته وسائل الإعلام المحلية واﻷجنبية ” ‘لقد قتل الكثير من العراقيين. الكثير منهم ودمرت البلاد، ولم نعثر على أسلحة دمار شامل، وما زال الناس هناك يموتون ، وكلما رأيت عراقياً ها هنا في أميركا أشعر بأنه يريد أن يقول لي ( اللعنة عليكم) “، تأملت جليا بعبارات تساق على عواهنها تصف ذلكم الإحتلال البغيض على أنه تحرير ، أو سقوط صنم ، أو قبر نظام ، أو نشر ديمقراطية ، أو تغيير ديكتاتورية ، أو فوضى خلاقة وماشاكل ..مصطلحات يدل تباينها الصارخ على حيرة المتفوهين بها ، تحاول بمجملها أن تزور التأريخ عبثا وتزيف الصورة وتجمل وجهها الكالح الذي لاتنفع معه مساحيق التجميل تحت وطأة اﻵف الإعترافات على شاكلة ما صرح به – الرقيب بايتون – فيما أرواح المغدورين تحلق في عليين وهي تشكوا الى بارئها ظلما تجاوز فيه الظالمون المدى وتلعنهم كابرا عن كابر !
وسرعان ما إستعدت شريط الذكريات المتشح باﻷلم ، كانت الساعة يومها تشير الى تمام الرابعة فجرا ، أصوات الرصاص ودوي الإنفجارات في كل مكان من حولنا في منطقة لما تزل ملتهبة بعد ، بخلاف أخرى إحتفلت سريعا – بغزو بلادها – وسط العاصمة بغداد على عادة اﻷراذل من السوقة والرعاع والشطار والعيارين في كل زمان ومكان يصدق فيهم قول البغادة – البزون تفرح بعمى أهلها – ، وثالثة إستسلمت كليا لإدراكها – خطأ ، صواب ؟ ليس هذا محل تحليله – بأن لاجدوى من المكابرة وقتئذ بعد إنهيار الجيش العراقي بفعل خيانات أو تشويش أو إختراق أو ضبابية في عموم المشهد أو لإنقطاع الاتصالات وإنتشار الشائعات هنا وهناك ، ورابعة بإنتظار أن تثب كقطط مزابل لتغير أسماء الفنادق والجسور والشوارع والمدارس والجامعات بعد أن تشرع بنهب المؤسسات من دون أن تبني أو تفكر ببناء أي شيْ مثلها للعراق ولشعبه تماما كما صنع أحدهم إبان الغزو البريطاني عام 1917 حين أبدل اسم فندقه وبعيد دقائق من دخول المستعمرين عبر الباب المعظم ” من داود باشا العثماني الى الجنرال مود البريطاني ” فيما كان النزلاء وبقية المخلوقات غير آبهة بشيْ وهي تلعب الدومينو بلا مشاعر ولا أحاسيس في المقهى المجاور وشعارهم ” الرايح مودعينه ..والجاي متلكينه ” ليهلل بالغزاة آنذاك إثنان يتكرران على الدوام هاهنا في بلاد مابين النهرين ” بعد عاصفة ترابية حجبت الرؤيا تماما ..وتكرر المشهد كسيناريو فيلم هوليوودي قاتم بنسخة جديدة ، ومن التأريخ ما يعيد نفسه كالنعجة دولي حرفيا !
سارت قطعان اميركا بدباباتها وهمراتها ومدرعاتها بعد ان هدأ كل ما حولنا وساد الصمت المطبق في شوارعنا وطرقاتنا ، فرأيت أناسا لطالما تغنوا بحب وطنهم بل وصنمهم ايضا وهم يباركون جنود الإحتلال ويلوحون لهم بأيديهم فرحا ، فيما وقع بصري على أناس لطالما شتموا اﻷصنام طيلة سني الحصار الغاشم الذي استمر 13 عاما اهلكت الحرث والنسل وهم يبكون بدلا من الدمع دما حزنا على عراق ضاع بين أنياب الضباع بلمح البصر … وقتها أدركت تماما وبالصوت والصورة ما إمتثله عنترة بن شداد العبسي وهو يبارز عمرو بن ود العامري يوما :
فما كل من يشري القنا يطعن العدا … ولا كل من يلقى الرجال بفارس!
وبالبغدادي الفصيح ” موكل مدعبل جوز ..وليس كل مايلمع ذهبا ..ومو كلمن صخم وجهه قال أنا حداد!!” .
كنت أعد كم الجثث الهائل التي دفنت على عجل عند أسيجة المنازل والسكك الحديد وبعض المؤسسات الحكومية المهجورة ( هنا يرقد فلا بن فلان ..يرجى دفنه بعد العثور عليه في المقبرة) كان الخيرون وبعد دفن الضحايا ومواراة جثامينهم الثرى يكتبون أسماءهم المستلة من هوياتهم الشخصية باﻷحمر القاني على الجدار القريب مشيرين الى أجداثهم الطاهرة ..بسهم !
ها قد بكت الأقلام وتبددت اﻷحلام وتوقدت الذاكرة مجددا كما في كل عام في الذكرى الـ 15 لإحتلال العراق عام 2003 وها نحن نقف وقفة حداد ونذرف دموعا غزيرة ننعى بها عراقا ذهب ضحية مؤامرة كبرى أوهمت الرأيين العربي والعالمي، بإمتلاك العراق أسلحة دمار شامل بإمكانها أن تطال ربيبتهم (إسرائيل) وتهدد أمنها وكيانها وتلقي باليهود في عرض البحر،ليتضح بعد هنيهة زيف الإدعاءات، ووهن الإفتراءات ،ما دفع القضاء البريطاني الى التلويح بمحاكمة – ولن يحاكمونهم – دهاقنة الحرب الذين دفعوا البريطانيين الى أتونها استنادا الى معلومات استخبارية استقوها من مصادر غير موثوقة!!.

ومن حصاد الغزو ان العراق يحقق اليوم بفضائح المخدرات ، الإنتحار ، اللحوم الهندية التي تحتوي على أعلى نسبة تلوث بالكلور السام،وبالبنزين الملوث برابع كلوريد الرصاص المحرم دوليا ، ويحقق في 9 آلاف وثيقة فساد،بمئات الشهادات والانساب المزورة، بأجهزة السونارالوهمية المخصصة للكشف عن المتفجرات ، بصفقة الطائرات الكندية التي لاتصلح للأجواء العراقية ، بصفقات إعادة الاعمار الفضائية ، بصفقة السلاح الروسي والصربي الفالصو ، بالنزاعات والثارات العشائرية ، بتهريب الاثار ، ، بجفاف اﻷنهار وتغيير مجاريها بفعل الدول المتشاطئة معنا من المصب والى المصب ثانية من دون المرور في المنبع – بلاد الرافدين – لمقايضته اقتصاديا وسياسيا وأمنيا وجغرافيا وديمغرافيا مقابل المياه – وعطشان ياصبايا دلوني على السبيل – ،بتجريف اﻷراضي الزراعية وحرق البساتين ، بالتلوث الاشعاعي، بإرتفاع معدلات السرطان بشكل مخيف ، بتضخم أموال مئات الحفاة العراة العالة بالحرام مقابل افلاس الاف الميسوريين الباحثين عن اللقمة الحلال ، بإختفاء الطبقة الوسطى وإنقراضها وتفرقها بين طبقتين علوية وسفلية ، بإختفاء مليارات الدولارات من عائدات النفط بل وببيعه ضمن جولة التراخيص على حين غرة ،بتلاشي 1000مليار دولار من ميزانية العراق ، بحرائق الطوابق المخصصة للعقود واﻷسواق ، بإعفاء الكثير من الفاسدين وإخلاء سبيلهم ليتولوا الترشيح مجددا للانتخابات النيابية المقبلة بكل أريحية وشفافية – وعلى عينك وعنادك ياتاجر – ، بإرتفاع نسبة اﻷمية اﻷبجدية الى سبعة ملايين ووووووووو !!
في كتابه(امريكا البشعة) يقول الكاتب الامريكي اندريه ماركو ان 30% من النخب الاوربية المثقفة تكره امريكا لدرجة ان تغيير الادارة الجمهورية باخرى ديمقراطية،واستبدال الصقور بالحمائم لن يخفف من حدة المشاعر الكارهة لها، فما بالنا نحن العرب والعراقيين اذا؟!.
سيمور هيرش ، الصحفي الامريكي الحاصل على جائزة جورج بولك العالمية خمس مرات لفضحه اخطاء الادارة الامريكية وخطاياها في فيتنام والسودان ولبنان وكوبا وكوريا وابو غريب، يشاطر – ماركو – الرأي لينتقد وبشدة الادارة الامريكية السابقة على خلفية فبركة الذرائع الواهية لغزو العراق وتدمير بنيته التحتية وحل الجيش والشرطة،وتفكيك الدولة العراقية في حينها وإثارة النعرات القومية والطائفية، وتهجمه على نائب الرئيس الأسبق (ديك تشيني) ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد، بالتزامن مع اعترافات وزيرة الخارجية في ادارة بوش ،الشمطاء كونداليزا رايس ، بشأن وقوع ادارتها في عدد كبير من الاخطاء في العراق لتأتي مكملة لاعترافات محمد البرادعي (مسؤول الوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق) بعدم امتلاك العراق لأسلحة تهدد أمن إسرائيل والمنطقة في اعتراف متأخر جدا جاء – بعد خراب البصرة – !
وبدورنا نتساءل: لماذا قتل مليون ونصف المليون عراقي، اذا؟ ولماذا جرح ثلاثة ملايين آخرين؟
لماذا دمرت مصانع العراق او عطلت بمعدل 45الف مصنع اهلي وحكومي ؟، تصحرت أراضيه (بنسبة 40%)؟، ولماذا تيتم اطفاله (5 ملايين يتيم)، ترملت نساؤه (3 ملايين ارملة)، سحقت البطالة ابناءه (مليون ونصف المليون عاطل) ، افتقر شعبه (عشرة ملايين تحت خط الفقر)، تعوق شبابه (3 ملايين معاق)، ، تشردت أسَرُهُ (6 ملايين نازح ومهجر داخل العراق وخارجه )؟!!
المضحك المبكي أن العراق لما يزل بعد ينوء بعقوبات وديون سابقة متراكمة بفوائدها الربوية التي لا تنتهي وان كان قد خرج من طائلتها شكليا ، العقوبات التي اشترطت امريكا موافقة العراق على الاتفاقية اﻷمنية الدائمة معها مقابل رفعها ، فصادق على اتفاقاتهم كلها الا انه مازال يرزح تحت طائلة عقوباتهم وديونهم وشروط صندوق حقدهم وقيود بنكهم الدولي واقعا لحين البت في أمره – إيباكيا ، وبيلدبيرغيا – أو تقسيمه كليا ونهائيا ﻻ ليعيش مستقرا كما يحاول البعض تسويق اﻷكذوبة في جميع المحافل ، وانما ليتحارب الجزء مع الجزء والى مالانهاية هذه المرة ، بعد حروب الجزء ضد الكل ، واحيانا الكل ضد الجزء …و” اللي يشوف اولها قد لا يعرف تاليها ” ﻷنه ومهما ظن ذلكم العارف المعتد برأيه انه قد وصل الى الحقيقة كما أسمع كثيرا من بعض المتذاكين على مواقع التواصل ..يظهر لي بأنهم أبعد مايكون عنها حتى حين .المطلوب اليوم إصلاح واعمار وبناء مادمره التتار الجدد بكل صنوفهم وعلى كافة الصعد …ولنبدأ بالعودة الى تعاليم ديننا الحنيف السمحا أولا ، ببناء منظومتنا الفكرية ، وترميم نظيرتها الاجتماعية ، وتأهيل الوطنية ، وتضميد اﻷخلاقية ، وتجديد النهضة الصناعية والزراعية والعلمية والثقافية في زمن التيه اﻷصم الذي نعيشه حاليا قبل أن يطول علينا في عصر التصحر الوجداني والمعرفي والإنساني كبني إسرائبل أمده ..وﻻت حين مندم .اودعناكم اغاتي

Inline image

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here