الحرب بين أيران والسعودية !

(١) نقرأ هنا وهناك ، بأن السعودية ، تعد لحرب مع أيران لا تبق ولا تذر ، فهل هذا التنبأ معقول ؟ فما يجعل من أي كلام أن يكون معقول ، هو أنطباق ما في الاذهان على ما في الأعيان ، حسب ما يعرف الفلاسفة الحقيقة . فالمسافة التي تفصل بين أيران والسعودية جداً شاسعة تجعل الحديث عن حرب بينها وبين أيران شيء غير معقول . فتركيبت الدولة بأيران يختلف تماماً عما هي عليه الحال بالسعودية ، فإيران على طول تاريخها دولة محاربه ومقاتلة ، غالبة ومغلوبه ، فروح القتال دائماً تسري فيها ، فهي ، في صراع دائماً مع جيرانها الأقوياء ، وهي مؤلفة من عدة اقوام تقوم وحدتهم على القوة . لذلك ، حتى تهزم ، يجب أن تهزم من قبل دولة محاربة أقوى شوكة منها ، أو من غزو جيوش جرارة ، لا راد لها ، كما حدث في عهد المغول . ولو نظرنا ، لسعودية من بنفس المنظار ، لما وجدنا فيها لا قديماً ، ولا حديثاً نفس السمة والروح ، بشكل دائم ومستمر ، على الأقل ، فهي ، منذ العهد الاسلامي ، الذي انبثق وخرج منه تيار جارف ، وهبه من المقاتلين اكتسحوا العالم ، لم يكن لهذا التيار لها فيه ، من عرب الجزيرة سوى القادة ، في بداية الإسلام ، وكانت جيوشه وأفراده وقادته فيما بعد ، من القيائل التي تقع الآن خارج عرب الجزيرة . وهي بعد انحسر موجة الاندفاعة الأولى ، تحول سكان الجزيرة لرجال دين وفقهاء . فالروح الحربية والعسكرية ، لم تدم بها طويلاً ، وتحول أهلها لطبقة دينية ، وعادو للممارسة البداوة من جديد . فالروح العسكرية والمقاتلة تحتاج إلى أدامة وعناية مستمرة ، لكي تبقى متوهج دائماً . وصحيح ، أنها ، أي الجزيرة ، خرجت منها بين حين وحين ، أندفاعات وهبات وغزوات لجيرانهم ، ولكن هذه لم تكن سوى أندفاعات مؤقتة وطارئة ، ولم تكن تعبير عن نزعة حربية مترسخت في تكوين الجزيرة ، فهم ، أي سكان تلك الجزيرة ، تحولوا ، في القسم الأكبر منهم لرجال دين ، فيما ، رجع البقية لحياة الرعي والترحال . في حين ، نرى ، أيران ، بقت منشغلة بالحروب والاحتلال . لهذا يبدو الحديث عن الحرب ، بين أيران والسعودية أشبه بالكلام عن نزال بين ملاكم محترف وإنسان مترهل ، لم يتعود على اللكمات والصدمات .

(٢) ومن ثم ، بعد أكتشاف النفط في للسعوديه ، والثراء الذي صاحبه ، غدت السعودية ، دولة تنابل ومترفين ومستهلكين لسلع الغرب . فهي في النهاية تفتقر لكل مقومات الدولة المؤهلة للحرب . وعليه ، فأن القول أنها تعد العدة للحرب مع أيران هو مجرد نفخ لذات وغرور ، ونوع من المكابرة ، والتظاهر ، فلا حرب أبداً سوف تحدث بينهما ، فالزعم بأن السعودية توشك أن تشن حرب على أيران ، هو من قبيل ، زعم الفرزدق بقتل مربع ؛

زعم الفرزدق أنه سيقتل مربع ،،، فبشر بطول السلامة يامربع

(٣) ولكن ، بما أن صورة الحروب تغيرت عما كانت عليه فيما قبل . فهي لا تحتاج الأن لجيوش الجرارة ، وأنما تحتاج فقط لعدة حربية ، وضغط على زر الصواريخ ، والسعودية ، تعد حسب التقارير الدولية ، أكبر مستورد للسلاح ، وإذا كان هذا صحيح في جانب منه ، فأن هذا العدة والسلاح لم تنهي دور الجيوش والروح الحربية ، وليس تعويض عنها ، وإنما ، هي ، جعلت منها فقط عامل مساعد ، وتقصير الفترة الزمنية لتقدم الجيوش ، بعد أن تنجز الصواريخ مهمتها . فالسعودية ، وكل السلاح الذي تراكم لديها منذ عقود من الزمن ، سوف ، يغدو وبال عليها ، إذا لم تملكه ، أمة حربية ، تريد أن تمتهن الحرب والقتال . ولعل خير شاهد على ، صدق هذا التحليل ، هو حرب اليمن ، فالسعودية ، لم تجرؤ على محارب اليمن بنفسها ، رغم الفارق الكبير بينها وبين اليمن ، وكمية السلاح المكدس لديها ، فهي حتاجت لأكثر من عشرين دولة ، تلتف حولها ، حتى تجد في نفسها الشجاعة لتشن حرب على ، دولة فقيرة ، ليس لديها موارد مالية ضخمة لكي تصد العدوان .

(٣) ولذلك ، والسعودية ، بوضعها هذا ، وجسمها المترهل ، غدت تعتمد في كل حروبها على تأجير الآخرين ، في الحرب نيابة عنها ، وإلا لا تحرك ساكن ، تبقىئ ، بنتظار مغفل يقع في حبائلها ، وهي ، منذ أن نجحت في تأجير صدام وكل العالم معه في شن حرب على أيران ، أصبح العالم ، منذ ذلك الحين ، واعي في أساليبها ، ويعمل على ابتزازها ، في هذه الناحية ، بأيهامها ، بأنه سيكون أداتها في حروبها القادمة ، بدء من أمريكا ومصر وباكستان ، ولكن عليها أن تدفع مقدماً ، ليس ثمن الحرب وحدها ، وإنما كل ما يساعد في نجاحها . وبما أن السعودية ، لم تعد في جعبتها الكثير من المال ، مع حلب ترامب الجشع المستمر لها ، فأن حربها المزعومة ، والتي تنوي أن تشنها ، فأنها ، إذا وقعت ، فأن ترامب سوف يخلع عنهم حتى عگلهم عن رؤوسهم الخاوية . فالحرب ، من هذا المنظور ، هو حديث خرافة يأم عمر . رغم جولات أميرها الآن في العالم لتظهر أميرها الجديد ، على أنه رجل حرب ، يبحث عن من يأجرهم في حربه القادمة ، بيد أن الأسعار الخيالية لطلباتهم ، تجعل منه يلف ويدور ، حول العالم ، دون جدوى ، فمصر ، التي كانت مثلاً ، تخضع لسياسة السعودية ، وتستخدمها ، في كثير من المواقف ، بات هي التي تستخدم السعودية أكثر مما تقدر السعودية على استخدامها ، فهي تبتزها بلا رحمة ، هي ودول الخليج ، وتريهم ذهب كما يقال وتبيعهم تنك ، رغم أنها ما برحت ، أعني مصر ، تكرر هذه العبارة المملة ” أمن الخليج من أمن مصر ” .

(٤) ولهذا بعد كل المشاوير الفاشلة في تأجير دولة مرتزقة تقاتل بدل عنها ، أتجهت صوب أسرائيل بحث عن صيد سهل ، كما تظن ، وهنا ، فيما نرى سيكون مقتلها ، وستكون وقعتها الكبرى ! فهي مثل المستجير من النار بالرمضاء ، فشارلوكً اليهودي ، سوف لا يكتفي باللحم والدم ، إذا لم يسدد دينه في الوقت المحدد ، وأنما ، سيعمد على قطع رأس السعودية ، بعيداً عن المديونية ، فرأس السعودية ، يبدو لأسرائيل نضج وحان وقت قطفه ! فأسرائيل أذكى من أن تستخدم مطية لتنفيذ مآرب السعودية ، وتأجيرها مرتزقة إلى آلِ سعود . لذلك لتجأها لأسرائيل ليس هو أهون كل الشرور ، وإنما سيكون أفدحها على الإطلاق . ومع ذلك ، فالرهان على أسرائيل لخوض حرب مع أيران بديل عن السعودية لا يغير شيء في المعادلة ، لأن في كل الأحوال سيكون رأس السعودية هو المطلوب .

(٥) الموقف ، هذه المرة ، مختلف تماماً ، عن خوض العراق للحرب مع أيران بديل عن السعودية ، فأيران لأن دولة على هبت الاستعد للحرب ، وسوف لن تؤخذ غدر كما في المرة الاولئ . فإذا السعودية حتاجت لعشرين دولة لشن حرب على اليمن المنزوع السلاح تقربياً ، فكم من الدول تحتاج اليوم لشن الحرب على أيران المدجج بالسلاح ؟

فلا شك ، أن قضية الإيهام ، بالحرب الوشيكة مع أيران من قبل السعودية ، هي لعبة ابتزازية من قبل أمريكا ودول الغرب ، ونفخ بالضفدع ليصبح بحجم الثور ، فأقصى ، ما تقدر عليه السعودية ، في كل الأحوال ، هو تجنيد الارهابين ، وزيادة عدد الوهابين ، وبناء الجوامع في أوربا ، وأرسال ممفخين ، أما أن تخوض حرب فعلية ويخوضها السعودين أنفسهم ، فهذا حديث خرافة ، وما لا يمكن تعقله ، ولا تصوره ، بعد أن ترهلت الأجسام وفقد حمية القتال منذ قرون .

(٦) وكذلك ، تغير العالم كثيراً منذ الحرب العراقية الإيرانية ، ولم تعد أمريكا هي أمريكا ، فنحن نعيش الآن زمن ترامب ، الذي لا محسوبية لديه ولا أصدقاء قدامى ، فهذا الرجل ، يؤجر بثمن باهض ، والدفع عداً ونقد ، والسعودية مطلوب للأمريكا أكثر من النفط الذي في أبارها ، ومن كل ما تملك ، فديون ١١ سبتمبر ، ما تزال في الأدراج وسوف تسحب في الوقت المناسب ، بعد أن يستفذ كل ما يمكن ، أن يؤخذ بالتهديد ، فعندئذ ، يسحب ملف تعويضات برج التجار الأمركي وضحاياها . فالامريكان لهم نفس طويل وصبر كبير على ضحاياها ومتصاص دمائهم قطرة قطرة .

(٧) عندما يقلد التلميذ أستاذه لا عن علم ودراية ، ولا عن ضرورة ، فأنه بأتاكيد يقع في مطبات كثيرة ، وغالباً ما يقاد يسعي لحتفه بضلفه . فأستاذ السعودية ، أمريكا حينما تخلق لها أعداء ، فهي تعرف ما تريد ، وعن ضرورة، وتجني من وراءه أرباح ، وتجد فيه دافع لتقدم إلى الامام . أما السعودي ، فخلقها لعدو لها يكلفها الكثير ، وربما يؤدي بها الهاوية ، فهي لا تخلق عدوها عن ضرورة وحاجة لتقدمها ، وإنما حباً بتقليد أستاذها ، الذي لا يوجد بينه وبينها أي شبه ، لا في القوة البدنية ، ولا في الملكات الفكرية ، أنها مجرد صداقة طريق ، وحظ عاثر .فلو حسبنا ، ما كلفها هذه التقليد الغبي ، لصبنا في الأعياء من هول الأرقام ، والمبالغ المهدورة على هذا العدو الوهمي . والذي أملته الحاجة لتقليد الاستاذ . فعدو الاستاذ غالبا ما يكون للاسباب سياسية ومواقف آنية ، وعدو التلميذ للاسباب دينية، وعن قضايا ماضوية . لذلك فهي نادر ما تقبل الحل ، بل تبقى معلقة ، بتنظر أن تبعث مع كل جيل وفترة . فالمشاكل السياسية يمكن حلها ، مع تغير الظروف ، بينما الدينية ، تدوم أجيال ، ولا تنطفئ إلا بعد أن تحرق الأخضر واليابس . وبما أن عدو السعودية ، هو في الأساس مختلق ، فأن أكثر ضرر بصاحبه من عدوه ، لكونه يحتاج أن يغذاء ويديم وجوده . وهكذا نجد السعودية هي من يتحمل النفقات على العدو الماثل أمام الأنظار بشكل مخيف . ولكونها لا تقدر على مهاجمته وسحقه ، ولذلك تجدها ، دائماً في طور الإعداد لهذا الهجوم المزعوم ، حتى تستهلك كل قواها وتسقط من الإعياء . فهي ، في النهاية ، لن تستطيع شن الحرب على أيران ، وغاية ما تستطيع أن تفعله هو تمويل الحرب على أيران !

هاني الحطاب

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here