حول تأثر حزب الدعوة الإسلامية بفكر جماعة الأخوان المسلمين

د. علي المؤمن

تزامن ظهور شبهة تأثر حزب الدعوة الإسلامية بفكر جماعة الأخوان المسلمين مع الهجمة الشرسة التي قام بها حزب البعث ضد حزب الدعوة خلال الأعوام 1971 و1982 و 1984؛ فكانت أجهزة المخابرات والأمن البعثية تروج في أوساط المتدينين بأن المعتقلين والمعدومين هم من جماعة الإخوان المسلمين؛ بهدف خلق ردود فعل سلبية من الحوزة العلمية والشارع المتدين ضد خط السيد محمد باقر الصدر، وتسوغ لحملات الإعتقالات والإعدامات والقمع. بل أن هذه التهمة هي أساساً من مختلقات حزب البعث قبل أن يصل الى السلطة ويصطدم بالإسلاميين الشيعة؛ أي منذ أن اكتشف في أوائل الستينات وجود حراك اسلامي تنظيمي جديد وكبير في النجف يتصدره السيد محمد باقر الصدر؛ الأمر الذي دفع أحد أقطاب حزب البعث (وهو معمم من النجف) للذهاب الى المرجع الأعلى السيد محسن الحكيم؛ ليحذره من هذا الحراك الذي يتشبه بالإخوان المسلمين والفكر السني وإنه خطر على النجف والحوزة. وحينها أجابه السيد الحكيم بلغة الحكمة والفهم العميق: ((وهل أنت احرص من السيد محمد باقر على الحوزة والنجف؟)). وهو نفس ماقاله المرجع الخوئي لمحرضين آخرين حينها: ((إذا كان السيد محمد باقر الصدر قد أسس حزباً فأنا أول من ينتمي إليه)).
إلّا أن تهمة تأثر الدعوة بالإخوان، والصدر بالسنة؛ لم تتوقف عند هذا الزمن والموقف المرجعي الحازم؛ بل اشتد مع اشتداد حملات القمع والإعتقال والإعدام التي ظل حكم البعث يشنها ضد الإسلاميين الشيعة، و بالأخص حزب الدعوة في سبعينات القرن الماضي. والمفارقة أن الشيوعيين في النجف حينها، وتحديداً في فترة تحالفهم مع حزب البعث؛ كانوا يشيعون التهمة ذاتها، ويبدون حرصهم على التشيع والحوزة النجفية من الفكر الإخواني الذي يحمله السيد الصدر وحزب الدعوة!!.
وخلال عقد الثمانينات من القرن الماضي؛ بدء بعض الكتّاب والخطباء والسياسيين المحسوبين على الحالة الدينية؛ من خصوم السيد محمد باقر الصدر أو حزب الدعوة، ولاسيما في المهجر؛ الترويج لهذه المقولة؛ في إطار عملية الصراع التنافس والتسقيط السياسي. ولايزال يرددها بعض المنتمين لتيارات إسلامية منافسة، أو بعض العلمانيين الذين يهدفون الى إسقاط الحركة الإسلامية سياسياً.
وغالباً ما يستشهد هؤلاء بالآراء التي يطرحها السيد طالب الرفاعي والشيخ علي الكوراني في هذا المجال. والحقيقة أن حديث الشيخ علي الكوراني بشأن تأثر السيد محمد باقر الصدر وحزب الدعوة بجماعة الإخوان المسلمين والفكر السني؛ سببه ثأر قديم من السيد محمد باقر الصدر؛ بسبب عدم رضا السيد الصدر على تصرفات الشيخ علي الكوراني وأدائه، وطلبه خلال سبعينات القرن الماضي إبعاد الشيخ علي الكوراني من قيادة حزب الدعوة. كما أن للكوراني ثأر من حزب الدعوة أيضاً؛ يعود الى خلاف الشيخ علي الكوراني الشديد مع حزب الدعوة بعد تنحيته من القيادة وإبعاد عن الحزب نهائيا في العام 1981.
أما ما يذكره السيد طالب الرفاعي (أحد مؤسسي حزب الدعوة الإسلامية) في هذا المجال؛ فإنه يشير الى صداقاته وعلاقاته الشخصية مع جماعة الإخوان المسلمين قبل وبعد تأسيس حزب الدعوة، ولم يقل أنه انتمى يوماً الى جماعة الإخوان المسلمين. و يقصد أن حزب الدعوة والسيد محمد باقر الصدر كانا خلال مراحل التأسيس والبناء يطلعان على أفكار جميع الأحزاب وأنظمتهم الداخلية؛ بمن فيهم جماعة الإخوان وحزب التحرير والحزب الشيوعي وحزب الإستقلال، ويريد القول أيضاً بأننا لسنا طائفيين، وأن حزب الدعوة لايؤمن بالطائفية، وأن المرجعية الدينية ممثلة بالإمام السيد محسن الحكيم؛ كانت تتعاطف مع قضايا المسلمين المظلومين من أتباع المذاهب الآخرى، وهو مادفعها لاستنكار إصدار حكومة جمال عبد الناصر في مصر حكم الإعدام على سيد قطب أحد مفكري جماعة الإخوان.
و بغية مقاربة الموضوع بشيء من التفصيل؛ أطرح الملاحظات التالية:
1- هناك مشتركات فكرية وحركية بين كل الفاعليات والجماعات الإسلامية؛ الشيعية والسنية، وهو أمر طبيعي؛ لأن معظم مصادر الفكر الإسلامي لدى المسلمين هي مصادر مشتركة. ولذلك؛ من الطبيعي ان تكون هناك مشتركات فكرية وحركية بين جماعة الاخوان المسلمين وحزب التحرير من جهة، وحزب الدعوة الاسلامية والجماعات الشيعية الاخرى من جهة أخرى، وهي تدخل في اطار المشتركات الاسلامية الفكرية والحركية العامة، وليس على مستوى الفكر المذهبي الخاص. وهذا لايعني أن الحركة الشيعية الفلانية متأثرة بالحركة السنية الكذائية أو العكس.
2- إذا قرأنا تفاصيل الفقه السياسي لحزب الدعوة سنجد أنه حزباً شيعيا إمامياً بامتياز؛ إذ أنه يؤمن بأصل الإمامة وبكل مايتفرع عنه من تفاصيل ترتبط بالنصب الإلهي للأئمة بالإسم؛ ثم بقيادة المرجعية أو ولاية الفقيه للأمة في عصر الغيبة. أما حزب التحرير وجماعة الإخوان فإنهما يدعوان الى دولة الخلافة والشورى.
3- هناك مشتركات في قضايا التنظيم والإدارة التنظيمية والهيكيليات الحزبية بين الجماعات العلمانية والإسلامية. وتجد هذا أيضا بين الأديان والمذاهب والايديولوجيات البشرية والدول دون استثناء. وهو ما يسمى المشترك العام بين البشر.
4- حزب الدعوة كغيره من الجماعات الشيعية الحركية وكخط المرجعية الدينية الشيعية؛ يتعاطف مع قضايا المسلمين من المذاهب الأخرى؛ ولاسيما التي فيها مظلومية إنسانية، وهو مايمليه الواجب الديني والإنساني، كالقضية الفلسطينية مثلاً. ولذلك فإن تعاطف المرجعية الدينية النجفية والسيد محمد باقر الصدر وحزب الدعوة مع قضية اعدام سيد قطب لايعني تبرأته من شطحاته الفكرية؛ بل هو تعاطف مع مفكر مسلم صدر بحقه حكم الإعدام من حاكم عسكري قومي.
5- على المستوى الواقعي؛ ليس بين الشخصيات العشرين التي تحملت مسؤولية بناء حزب الدعوة وقيادته وكتابة فكره؛ من كان عضواً في جماعة الإخوان المسلمين. وهم: السيد محمد مهدي الحكيم، آية الله السيد محمد باقر الصدر، آية الله السيد طالب الرفاعي، عبد الصاحب دخيل، محمد صادق القاموسي، الدكتور جابر العطا، آية الله السيد مرتضى العسكري، المحامي السيد حسن شبر، آية الله السيد محمد باقر الحكيم، المهندس محمد صالح الأديب، آية الله السيد محمد حسين فضل الله، آية الله الشيخ محمد مهدي شمس الدين، آية الله السيد محمد بحر العلوم، آية الله الشيخ كاظم الحلفي، المهندس محمد هادي السبيتي، آية الله الشيخ مفيد الفقيه، آية الله الشيخ عبد الهادي الفضلي، الشيخ عارف البصري، آية الله السيد عدنان البكاء، الشيخ مهدي السماوي. فلا وجود لأي مؤشر أو دليل على أنهم كانوا متأثرين أو مرتبطين يوماُ بجماعة الإخوان المسلمين. وهو الحال نفسه بالنسبة للقياديين والمفكرين الذين توالوا على الإمساك بمسيرة حزب الدعوة؛ فلم يكن بينهم منتمياً أو متأثراُ بفكر جماعة الإخوان المسلمين.
6- لم يحصل أي لقاء بين مؤسسي حزب الدعوة ورواده مع قادة جماعة الإخوان المسلمين في مصر أو العراق؛ سواء كان لقاءً تنظيمياً او تنسيقياً او استشارياً أو فكرياً؛ قبل تأسيس الدعوة أو خلاله أو بعده.
أخيراً؛ يمكن للباحثين المقارنة بين فكر حزب الدعوة وفكر جماعة الاخوان المسلمين؛ للوقوف على حقيقة هذا الموضوع. وكلا أدبيات الحزبين موجودة. وقد صدرت في العام الماضي أربع مجلدات تحتوي جميع الفكر الخاص والعام لحزب الدعوة الإسلامية؛ من يوم التأسيس وحتى العام 1980، وهي متوافرة في الأسواق. وحينها سنكتشف بسهولة الفروقات بين الفكرين والمنهجين.؛ فلا فكر حسن البنا يشبه فكر الشهيد محمد باقر الصدر، ولا عبد الصاحب دخيل يشبه الهضيبي، ولا محمد هادي السبيتي مقارب لسيد قطب، ولا منهج السيد مرتضى العسكري له شبه بالتلمساني، ولا منهج عبد الهادي الفضلي يشبه منهج تقي الدين النبهاني، ولا فكر الحائري يشبه فكر عبد القديم زلوم، ولا مذهبية الآصفي لها ارتباط بمذهبية القرضاوي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here