تحديات المرحلة القادمة ( 3 )

استكمال البناء التشريعي للدولة

بقلم : إياد السامرائي

الأمين العام للحزب الإسلامي العراقي

وجدت طيفاً واسعاً من البرلمانيين ، وربما عموم المواطنين ، لا يدرك اهمية هذا الامر الذي عنونت به المقال .

واقدم بذلك بكلمة سمعتها من المستشار القانوني لصدام حسين والذي اصبح بعد ذلك المستشار القانوني لرئيس الوزراء نوري المالكي إذ قال : (صدام حسين لم يخالف القانون ابدا ، بل اشد قراراته استبقها بقانون يشرع ثم يبني موقف على ذلك القانون ) !

ماذا يعني هذا لبلد عاش نظام حكم حزب البعث على مدى خمسة وثلاثين عاماً ؟

هذا يعني ان لدينا كم كبير من القوانين هي من مخلفات تلك المرحلة ، وكان ينبغي ان نجتث التشريعات لا ان نجتث الافراد .

بحسب علمي لم تنبري هيئة مختصة لعملية مراجعة كاملة للقوانين العراقية الصادرة منذ عام ١٩٥٨ تاريخ مرحلة الدكتاتورية والى يومنا الحاضر ، فقد تولت اللجنة القانونية في مجلس النواب جانباً من هذا الامر ولكن على نطاق محدود جدا ، وغالباً ما تعاملت مع قرارات محدودة الاثر لمجلس قيادة الثورة .

وكانت المعضلة ان غالب الاجراءات التي اعتبرها العراقيون ظالمة وغير متناسبة مع المرحلة الديمقراطية الجديدة استندت الى قوانين المرحلة الدكتاتورية ، واعلم ان الجهد شاق ، وتواجه المتصدي لتنفيذ القانون معضلة التطبيق ، وفي كثير من الاحيان يجري الاستناد الى قانون جرى تعديل عليه ولا ينتبه للتعديل او يتم التغافل عنه .

نحن نعتبر ان اهم جهتين قانونيتين في الدولة العراقية هما مجلس القضاء الاعلى ومجلس شورى الدولة ، ولكن كليهما لا يعتبران مهمتهما تشريعية بل تفسيرية وعند الطلب ، واذكر انني ناقشت الدكتور مدحت المحمود في الحاجة لإجراء تعديلات على قانون العقوبات الجنائية وقانون اصول المحاكمات العراقية ومدى امكانية ان يضطلع مجلس القضاء بذلك بمقتضى خبرته فأجاب ان هذا خارج مهمات مجلس القضاء لان المجلس لا يشرع بل ينفذ القوانين وفعلا كان الحق معه ، ولكن بقيت المهمة غائبة عمّن يتولى امرها .

من المنطقي ان يتولى مجلس الوزراء استحداث لجنة او هيئة للمراجعة القانونية الكاملة وان يحسن اختيار تلك اللجنة ، او ان تتولى رئاسة الجمهورية هذا الامر بحكم ان الطرفين مسؤولان عن اعداد مشاريع القوانين ، ولكن هذا لم يحصل وان حصل فبشكل محدود تتم مواجهته بضخامة الاعتراضات والتعديلات المطروحة لان اعداد القانون لم يحض بدراسة شاملة قبل ارساله الى مجلس النواب .

من اغرب ما مر بي ان مجلس الوزراء كان يصادق بالإجماع على قانون ويرسله الى مجلس النواب فتعترض الكتل السياسية التي شكلت الحكومة على القانون ، وعندما بينت استغرابي لاحد الوزراء قال : كل منشغل بوزارته ولا وقت لدينا ولا من اختصاصنا لذلك نحيله الى مجلس النواب فهذه مهمتهم وهناك يجري التعامل معه حسب رؤى القوى السياسية !! وهو أمر غريب فعلاً .

هذا هو الجانب الاول من البناء التشريعي اما الجانب الاخر فهو ما سبق ان تطرقت له مراراً ، وهو ان الدستور بمقتضى الظروف التي تم اعداده فيها ، وعامل الوقت المحدود ، واختلاف توجهات اعضاء لجنة كتابة الدستور ، تمت احالة ما يقارب من ٤٠% من بنود الدستور الى قوانين تفصيلية يجري اعدادها لاحقا ، وهذا امر لم يتحقق ، وغالب القضايا المهمة التي نص عليها الدستور بقيت مبهمة وغير مفعلة او يجري تطبيقها بشكل مشوه ، على الرغم من كونها جيدة في المبادئ التي ثبتتها ، ولا يتسع المجال للدخول في تفاصيل ذلك .

امام هذا التحدي ، ماذا اعدت القوى التي ترشح نفسها اليوم للمشاركة في الحكم ، وما هي رؤيتها وكيف ستساهم في معالجة ذلك ؟

مضى على الدستور اثنا عشر عاماً ولم ينجز من ذلك الا اقل القليل ، والغريب ان يتبارى البعض للحديث عن تعديل الدستور ، واتساءل هل ان الدستور طبق واستكمل بتشريعات دستورية لكي يجري الحديث عن التعديل ، دون انكار الحق في التعديل ، ولكني انبه على الاولويات لان استكمال القوانين هو مقدمة للتعديل اذا اردنا ذلك ليأتي النص الدستوري نابع من الحاجة لا ان يكون هو ايضاً ارباكاً جديد للبناء التشريعي للدولة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here