نُلْدَغ من جحرٍ واحدٍ ألف مرةٍ ومرة!!

القول بأن “المُجَربُ لا يُجرّب” , كلام سديد حكيم جامع مانع لمن يعقل ويتفكر ويتدبر ويمتلك اللب الرشيد والنهى الحميد.

فالحاذق لا يُجرِّب مرتين , والمؤمن لا يُلدغ من جحرٍ واحدٍ مرتين , والتجربة برهان قاطع ودليل دامغ , ولا يمكن أن يتحقق التكرار ولا تتطور الأفكار , فالتكرار يعلم الحمار , وربَّ حمارٍ صار خبيرا ودليلا للبشر , لأنه يعرف خبايا الطريق بالتكرار والتجريب والإستذكار.

فلماذا لا يتعلم البشر من التجارب , ويعيد أحواله ويأسن في أوجاعه , ويتخبط في دوائر مفرغة من الويلات والتداعيات , ويتناسى أن عليه أن يشق طريقا ويمد جسورا ما بين حاضره ومستقبله , وأن لا يعود إلى ذات النقطة ويتمسك بذات البُغية التي تهلكه وتنهيه.

فالتجارب تصنعنا وتطوّرنا وتقوينا وتمنعنا من إرتكاب الحماقات والأخطاء , فالعقل حفظ التجارب , لكن المشكلة التي تواجه الوعي الجمعي البشري , أن البشر ينقاد لعواطفه ومخاوفه وإنفعالاته , ولديه الإستعداد لتقبل ما يغذيها ويعززها ويستثمر فيها , ولهذا تجده تابعا قابعا مرهونا بما فيه من مستعرات إنفعالية وتأججات عاطفية.

وبناءً على ذلك يتحرك الساعون لإستعباده وإمتهانه ورهنه بما تمليه أهواؤهم وتطلعاتهم الأنانية ورغباتهم الدونية , فتجد البشر بعد أن تغرر وسقط في المصيدة وتورط باللعبة , قد أفاق متظلما متأففا متأوها من الذين فوضهم مصيره وأمر حاضره ومستقبله , كما يحصل في الإنتخابات التي يتحقق خلالها أفظع لعب بعواطف الناس ومشاعرهم لإصطياد أصواتهم , وأخذهم إلى أتون الحرمان والخراب والدمار والحكم بالحاجات والإرتهان بالوعيد والتهديد وفقدان الأمان.

ويبقى الشعراء يرددون:
“لقد جربت هذا الدهر حتى … أفادتني التجارب والعناء”
و”لقد زدت بالأيام والناس خبرة….وجربت حتى أحكمتني التجارب”

والكتاب يكتبون والخطباء يصرخون والواعون ينادون , والجاهلون يعيدون التجربة ذاتها , ولا يفقهون أو يتعلمون , لأن عواطفهم تقودهم ومخاوفهم تستعبدهم , وإحساسهم بالإنتماء يجبرهم , والخيار يكون لسيدهم الذي يقبض على مصيرهم.

ولا بد من إدراك أن التجربة مستشار حكيم , فمصدر المعرفة هو التجربة والخبرة , والذي يجّرب ولا يتعلم أو يتعظ , فهو من المغفلين المنومين المخدرين المخمورين بأفكار البلاء المبين.

و”إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما في أنفسهم” الرعد 11

ولنذكر أن الحياة عِبر وتجارب , ولهذا قالت العرب : ” إسأل مجرّب ولا تسأل حكيم”!!
ترى ألا يكفينا تجريبا وتخريبا , ولماذا نعيد ولا نستفيد؟!!

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here