استحكام الفخ الريعي في العراق ملاحظات ومقترحات*

د. علي مرزا**

خلاصة1
ابتدأ الفخ الريعي في العراق بمناصفة أرباح النفط في خمسينيات القرن الماضي، واخذ بالاستحكام تدريجيا، خاصة بعد التأميم وتزايد أسعار النفط في السبعينيات ووصل شأواً بعيداً، عقب زيادات الأسعار/الإنتاج خلال 2004-2013/2014. لقد أثبتت تجربة الدول النفطية غير المتقدمة أن من الصعوبة الإفلات من هذا الفخ. وفي العراق، نتيجة للزيادة السكانية العالية، ستتزايد أعداد الباحثين عن العمل، بشكل ملموس، مستقبلاً، هذا في الوقت الذي وصل الاستخدام الحكومي، منذ نهاية 2015، حدوده في الاستيعاب. وفي ضوء صعوبة إدامة الاستخدام (ومستوى المعيشة) الحالي، في ظل آفاق أسعار غير مرتفعة للنفط، فإن استيعاب الأعداد الاضافية، يمثل واحدة من أهم المعضلات التي تواجه الإدارة الاقتصادية وكذلك النخبة/المجموعات السياسية والمجتمع ككل. إن الفشل في إيجاد تسوية لهذه المعضلة الصعبة سيكون أساساً لاستمرار النزاعات الاجتماعية والسياسية والتي يمكن أن تعصف بوحدة البلد واستقراره. وبالإضافة لضرورة التوصل لتوافق أو عقد اجتماعي/سياسي لتقاسم السلطة والموارد، كخلفية مناسبة لمحاولة التخلص من الفخ الريعي، تبرز من الناحية الاقتصادية ضرورة تحقيق التنويع الاقتصادي. ويعني التنويع تغيير الهيكل الاقتصادي باتجاه زيادة دور القطاعات السلعية/الخدمية غير النفطية التي تستطيع إدامة الاستخدام القائم واستيعاب الباحثين عن العمل مستقبلاً، وفي ذات الوقت توفر مصدراً اضافياً ملموساً للعملة الأجنبية. تتناول الورقة هذه القضايا، بما في ذلك اقتراح توصيات قد تساهم في التعرض لهذا الفخ المُستَحْكِم.

أولاً: مراحل استحكام الفخ الريعي في العراق
بعد اتفاقية مناصفة الأرباح مع شركات النفط في شباط 1952 تزايد دور عوائد تصدير النفط في تمويل الميزانية العامة للحكومة وميزان المدفوعات (الواردات وغيرها من المدفوعات). هذا بالإضافة للتبعات المباشرة وغير المباشرة لتزايد حصة قطاع النفط في الناتج المحلي الإجمالي. وبعد 1968/1972 أزداد دوره أيضاً، من خلال الميزانية العامة، في تمويل توسع الاستخدام في الجهاز الحكومي، الذي ساهم بشكل فعال في استيعاب أعداد متزايدة تدخل سوق العمل سنوياً، بحثاً عن فرص العمل. وبعد الكوارث التي تعرض لها العراق منذ 1980، من حروب وعقوبات دولية، ونزاع أهلي مسلح، الخ، أزداد تدهور الجهاز الإنتاجي غير النفطي خاصة في الصناعة التحويلية والزراعة. واستمر ذلك بعد 2003. ولعل هذه هي أهم التبعات الاقتصادية لحالة الدولة الريعية، التي يصفها أحد المصادر (من أوائل من تناولها بشكل منهجي) بأنها “”تلك التي تستلم، على نحو منتظم، دفعات كبيرة من الريع الخارجي، من افراد أو شركات أو حكومات أجنبية إلى أفراد أو شركات أو حكومات في بلد معين، …، وهذه الدفعات هي أشبه بمنحة من الطبيعة … أو منحة من مصدر أجنبي”؛ Mahdavy (1970: p. 428–9). وهناك جوانب وتبعات سياسية واجتماعية تشكل مع الجانب الاقتصادي عوامل مترابطة ومتفاعلة لاستمرار هذه الحالة/الدولة أو، في الحقيقة، استمرار الفخ الريعي واستحكامه. وأقصد بالفخ الريعي (أو الحلقة المفرغة الريعية)، هنا، ما ورد في كتاب سابق لي، وكما يلي: “[إن] ظهور أعراض المرض الهولندي في الجانب الاقتصادي وتضخم الاستخدام الحكومي وغياب العمل الجاد والمبادرة في الجانب الاجتماعي واستقلالية الحاكم المالية والهيمنة على الطبقة المتوسطة (الموظفين) وضعف القطاع الخاص في الجانب السياسي كلها تساهم في ضعف المسائلة وإعاقة بروز مجتمع مدني ومن ثم استمرار استبدادية الحكم وأحادية الاقتصاد (أي اقتصاد غير متنوع). إن استمرار النظام الاستبدادي وأحادية الاقتصاد تقوي بدورها المظاهر الريعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وهكذا. وتبين تجربة الدول النفطية أن من الصعوبة التخلص من هذا الفخ أو الحلقة المفرغة. … ففي العراق الذي تغير نظام الاستبداد فيه بالقوة وتم انتخاب حكومة ومجلس نواب من قبل المواطنين، لا زالت الريعية مؤثرة من خلال التوسع في الاستخدام الحكومي والتحالفات القبلية وانتشار الفساد. لا بل أن الطبقة المتوسطة (فئة الموظفين والمتقاعدين ومستلمي الإعانات الحكومية) أزداد اعتمادها على الدولة. إن تبعية هذه الشريحة للدولة ومن ثم غياب قيام مجتمع مدني كان أحد الأسباب التي ساندت النظام الاستبدادي قبل 2003″؛ أنظر: مرزا (2012، ص 398). أنظر أيضاً الفقرة (2-2) في ثانياً، أدناه، لمعنى وظروف ظهور تعبير “المرض الهولندي”، Dutch Disease. كما يقدم Sachs & Andrew (1995) تحليلاً اقتصاديا ممتازاً لاحتمال مساهمة المرض الهولندي في انخفاض الصادرات غير النفطية وكذلك ما يسمى “لعنة المورد، Resource Curse” في انخفاض النمو الاقتصادي في الدول الريعية.
ولقد تركز دور العوائد النفطية بعد 2003 بشكل كبير، ولعل سنة 2012، والتي تحقق خلالها أعلى مستوىً من العوائد السنوية من تصدير النفط، لحد الآن، تقدم مثالاً شاخصاً على هذا التركز والحالة الريعية. فلقد بلغت عوائد العراق من تصدير النفط الخام (حسب بيانات وزارة النفط وميزان المدفوعات 2012 المعدل) حوالي 94 مليار دولار، وكانت تمثل 91.5% من الإيرادات الفعلية للميزانية الاتحادية و99.5% من الصادرات السلعية. وبالرغم من أن العمل في الجهاز الحكومي (أي في الإدارة العامة، القوات المسلحة، التعليم والصحة العامين، الخ) والمنشآـت العامة (الصناعية والتجارية، الخ) كان يُكَوِّن 43% فقط من الاستخدام الكلي في الاقتصاد، خلال السنوات 2007-2014، فإن الجهاز الحكومي أستخدم 62% من الزيادة في قوة (أي عرض) العمل في الاقتصاد ككل، خلال هذه السنوات (76% خلال السنوات 2007-2012).
ولكن بعد انهيار أسعار النفط في 2014/2015، واستمرار آفاق عدم توقع عودة الأسعار كالسابق، بالإضافة للبطالة المقنعة فيه، أصبح الجهاز الحكومي غير قادر على القيام بذات الدور في استيعاب الزيادة في عرض العمل في المستقبل. ولقد بدأت بوادر ذلك في تطبيق البرنامج المشترك مع صندوق النقد الدولي، 2016-2019، الذي أنطلق في أواخر 2015، للمساعدة في إدارة عجز الميزانية الاتحادية وكذلك إدارة سوق الصرف الخارجي في العراق. ولقد أنطوى هذا البرنامج، من بين اشتراطات عديدة، ليس فقط تثبيت عدد العاملين في الجهاز الحكومي، وإنما العمل على تخفيضهم من خلال التقاعد المبكر وغيره من الإجراءات. وبالفعل كان عدد العاملين الذي ورد في الميزانية الاتحادية 2016 (3.01 مليون) أقل منه في ميزانية 2015 (3.03 مليون)؛ الجدول (1)، أدناه. أما في ميزانيتي 2017 و2018 فلقد حُدد عند متوسط مقداره 2.89 مليون.2
وتساهم الظواهر التالية في تعميق صعوبة إيجاد مصادر بديلة عن الاستخدام في الجهاز الحكومي:
(1) تواضع دور فاعل للنشاطات الصناعية والزراعية العامة أو الخاصة. هذا مع ركود نشاط القطاع الخاص في مجال الاستخدام، عموماً.
(2) غياب سياسة سكانية تعمل على الحد من الزيادة التاريخية العالية للسكان. لا بل يبدو أن الرأي الرسمي منقسم بين مساند لزيادة السكان وآخر مساند للحد من هذه الزيادة، كما يظهر من وثيقة خطة التنمية الوطنية 2013-2017، الصادرة عن وزارة التخطيط، وهي آخر وثيقة متاحة، “للتوجه” العام للدولة للمدى المتوسط.
(3) في ظل عدم وجود سياسة سكانية واضحة ستستمر الزيادات السكانية في التصاعد ومن ثم ستستمر، نتيجة ذلك، الزيادات في قوة (عرض، أي الباحثين عن) العمل بالتصاعد، والتي ستفاقمها زيادة معدل مساهمة النساء في سوق العمل مستقبلاً (participation rate)، وكذلك ما يسمى بالزخم (momentum) السكاني. ففي الوقت الذي بلغ متوسط الزيادة في عرض العمل 303 ألف سنوياً بين 2011 و2015، يُتوقع أن يبلغ متوسط الزيادة حوالي 441 ألف سنوياً بين 2015 و2020 ليتصاعد إلى 493 ألف سنوياً بين 2020 و2040، ويزداد بمستوى أكبر بعد ذلك.
(4) غياب برنامج وطني، متفق عليه، لتحقيق مصالحة وطنية عامة وشاملة والاتفاق على عقد اجتماعي/سياسي يتيح تحقيق المواطنة المتساوية للجميع. ويتظافر مع ذلك غياب استراتيجية جدية وخطة رصينة للتنويع الاقتصادي للتخلص من الحالة الريعية.
في ظل استمرار هذه الظروف ستتصاعد أعداد العاطلين ومن ثم يرتفع معدل البطالة بمستويات كبيرة. وسيساهم ذلك مباشرة في استمرار وتركيز النزاع الاجتماعي والسياسي، وما يتبع ذلك من تدهور المستوى المعيشي، من ناحية، والتأثير سلباً، في وحدة البلد وإثارة دعاوى التقسيم والتدخل الخارجي، من ناحية أخرى.
ثانياً: مختصر تجربة محاولات علاج في دول نفطية
إن التخلص من الفخ الريعي مسألة غاية في الصعوبة. وحسب علم الكاتب لم تستطع دولة نفطية (من غير الدول المتقدمة)، عدا إندونيسيا، التخلص منه. لقد حققت إندونيسيا ذلك بحزمة من الإجراءات الاقتصادية والسياسية والمؤسسية. ولكن، في بعض جوانب تجربتها، أتبعت أساليب عنيفة استبدادية، بكلفة إنسانية باهظة، لا يمكن تبريرها. لنستعرض فيما يلي، سريعاً وبشكل انتقائي، بعض التجارب في مجال معالجة الفخ الريعي، ومن ضمنها التجربة الإندونيسية:
(2-1) إندونيسيا. تُرْجِع الكتابات المتوفرة، الملخصة في Rosser (2004)، نجاح إندونيسيا ليس فقط إلى الإجراءات الاقتصادية التي طُبقت وإنما أيضاً للحكم العسكري، والإدارة التي نتجت عنه، والظروف الجيوسياسية الدولية الملائمة. فعندما سيطر الجيش بقيادة سوهارتو، فعلياً، على الحكم منذ منتصف ستينيات القرن الماضي، ورسمياً منذ 1968، اتسم النظام السياسي، بحكم عسكري صارم تم القضاء فيه على المعارضة الواسعة بأشد الأساليب عنفاً. ومن ضمن هذه الظروف تم تطبيق سياسة اقتصادية (سياسات “النظام الجديد، New Order”) استهدفت تحقيق نمواً صناعياً عالياً موجهاً نحو التصدير من خلال تطور رأسمالي، يعتمد النشاط الخاص (عدا قطاع النفط)، بالتكامل مع الاقتصاد الدولي (معاكساً بذلك السياسات اللا-رأسمالية/الحمائية لنظام سوكارنو، الذي سبقه). وقد أصبحت إندونيسيا نتيجته دولة صاعدة بحلول العقد الأخير من القرن العشرين؛ World Bank (1993). هذا قبل انهيار قطاعها المالي في الأزمة الاقتصادية الآسيوية في 1997. ولقد استهدفت السياسة الاقتصادية خلال السبعينيات تحييد أثر ارتفاع عوائد النفط، على تنافسية الصادرات الصناعية، من خلال الحفاظ على سعر صرف منخفض للعملة، والذي سانده تدفق المنح والقروض والتمويل من العالم الغربي. ولقد كان هذا التدفق بسبب الوضع الجيوسياسي الملائم، الذي نتج عن انحياز إندونيسيا، فعلياً، للمعسكر الغربي في الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي في حينه. كما أُعتمد في تطبيق سياسات التصنيع والتصدير للسوق الخارجية، إضافة لحزمة الإجراءات الاقتصادية واعانة الصناعات، على مطاردة نقابات العمال والذي نتج عنه الحفاظ على معدلات أجور متدنية ساهمت، بالإضافة لانخفاض سعر الصرف، في رفع تنافسية السلع الإندونيسية في السوق الدولية. وفي بدايات التوجه نحو التصنيع كانت الأهمية النسبية للصادرات النفطية من الصادرات الكلية قد بلغت خلال السنوات 1970-1980، حوالي 64% انخفضت إلى 47% خلال السنوات 1980-1990، لتنخفض سريعاً بعد ذلك حتى وصلت 8% خلال السنوات 2011-2015؛ OPEC (2005, 2016). وفيما يلي نُدْرِج بعض من أهم السياسات والإجراءات التي اُتُبِعت في إندونيسيا؛ Rosser (2004):
سياسة صناعية فعالة لتقوية الأساس السلعي، خاصة الصناعي غير النفطي، من خلال الإعانات الصناعية وغيرها من السياسات المشجعة. مع استخدام الميزانية في الانفاق على تطوير البنى الاساسية الانتاجية وتمويل هذه الإعانات.
سياسة مالية محافظة، وتحقيق فائض في الميزانية، أثناء فترات زيادة العوائد النفطية، واستخدام الفائض، مع المنح والقروض الخارجية، للمساهمة في الحفاظ على سعر صرف منخفض (مكافحة عوارض “المرض الهولندي”). وتحرير ميزان المدفوعات والقطاع المالي بعد انخفاض عوائد النفط.
وضع قيوداً عليا على الاقتراض الخارجي.
الحفاظ على الملكية العامة للقطاع النفطي. وحتى عقود المشاركة، production-sharing، مع الشركات الأجنبية في هذا القطاع، كانت أقرب لكونها عقود خدمة-فنية.
تبني سياسة الاكتفاء في المجال الزراعي وخاصة الرز.
توسيع وتطوير التعليم.
توفرت نظرة بعيدة المدى، في الإدارة الاقتصادية، ساندها وجود مستشارين وتكنوقراط محليين وأجانب بخبرة اقتصادية وإدارية مستقرة.
الخ.
(2-2) دول متقدمة. أما الدول المتقدمة التي أنتجت النفط مثل الولايات المتحدة والنرويج، الخ، فلقد بدأ الإنتاج فيها وهي دول متقدمة لها مؤسسات اقتصادية واجتماعية وسياسية متطورة ساعدت على استيعاب وتحييد معظم التوجهات الريعية. وبالرغم من ذلك، ظهرت فيها بعض التوجهات الريعية نتيجة توفر الريع النفطي، سواء في تمويل عجز الميزانيات العامة أو التوسع في الإعانات الاجتماعية، أو تخفيض الضرائب، الخ. وقد امتد الأمر إلى تبعات اقتصادية في دولة متقدمة (ولكن صغيرة نسبياً) مثل هولندا، بما أصبح يعرف “المرض الهولندي”، والذي لوحظت عوارضه بعد اكتشاف الغاز (في بحر الشمال) وزيادة عوائد تصديره من هولندا، في ستينيات القرن الماضي. وظهرت هذه العوارض كما يلي: أدى تزايد تدفق العملات الأجنبية إلى هولندا إلى تصاعد سعر صرف عملتها، حينئذٍ الكَلدر، تجاه العملات الأخرى مما أدى إلى التأثير سلباً في صادراتها غير النفطية.
(2-3) دول الأوبك. لقد حاولت وتحاول دول عديدة من أعضاء الأوبك التخلص من التقلبات في العوائد النفطية من خلال مشاريع وسياسات وإجراءات وسبل تتراوح من أنشاء صناديق سيادية، التي أصبحت منتشرة في معظم الدولة المنتجة للنفط، إلى تكوين مراكز تجارية ومالية كما في دول الخليج، وأخيراً محاولة المملكة العربية السعودية رسم طريق للتنويع الاقتصادي الذي يشمل، من بين مجموعة من العناصر، توسيع نشاط الصناعات التحولية (ومن ضمنها العسكرية) بدرجة ملموسة (وثيقة “رؤية المملكة العربية السعودية 2030″، الصادرة في أيار 2016). ولا شك أن دول الخليج قد نجحت في إيجاد بديل مساعد ملموس للعملة الاجنبية، من خلال عوائد استثمارات الصناديق السيادية، بالإضافة لتوفير فرص عمل (محدودة “للمواطنين”) في مجالات التجارة والتمويل. غير ان التنويع الاقتصادي بمفهوم توفير بديل مستدام للاستخدام وهيكل إنتاجي وتصديري بعيداً عن التقلبات في العوائد النفطية، لا زال بعيد المنال.
ثالثاً: خطوط عامة لمقترحات أولية للمساهمة في معالجة الفخ الريعي في العراق
(3-1) معضلات معالجة الفخ الريعي
تنبع صعوبة التخلص من الفخ الريعي، في اعتقادي، من معضلة أساسية، تكونت من حقيقة مفادها أن الهيكل الاقتصادي الذي نشأ أثناء صعود دور العوائد/الريع النفطي، منذ خمسينيات القرن الماضي، في دول الأوبك والعراق خاصة، أصبح معتمداً بشكل كبير جداً على هذا الريع بالإضافة لتكيف شكل الحكم ومؤسساته وكذلك المجتمع، سياسياً واجتماعياً، لتزايده وهيمنته على باقي مصادر الدخل. فكيف يمكن التوقع أو الطلب من هذه المؤسسية، وفي مقدمتها النخبة السياسية، نفسها التخلص من الفخ الريعي وما يؤدي من التأثير سلباً عليها؟ ولكن الأمر لا يشمل النخبة السياسية فقط ولكنه يمتد إلى مجمل العاملين في الجهاز الحكومي وعوائلهم وحتى المتقاعدين منهم والمستفيدين الآخرين من نفقات الميزانية العامة. ذلك إن ارتفاع عددهم، وبالنتيجة تأثيرهم يحسب له حساب، خاصة وإنهم في مقدمة من يدلي بصوته ويؤثر في نتيجة الانتخابات العامة. هذا إضافة لتأثيرهم في الاستقرار السياسي والاجتماعي من عدمه، الذي يمتد لمختلف الجماعات والطوائف والمناطق.
فلقد أزداد عدد العاملين في الجهاز الحكومي، والمتقاعدين منه، بشكل كبير منذ 2003. إضافة لذلك، زاد معدل دخل الموظف (والمتقاعد) إلى مستوى سيدفعه لرفض أي تخفيض مستقبلي ممكن. ولإعطاء فكرة عن تزايد متوسط دخل الموظف (والمتقاعد)، بالرغم من التفاوت بين عموم الموظفين، وبينهم وبين كبار الموظفين، لنعتبر البيانات الواردة في الجدول (1) أدناه، خلال الفترة التي زادت فيها معدلات الرواتب بشكل ملموس وهي الفترة 2006-2014/2015. يلاحظ، من الجدول، أنه في الوقت الذي زاد فيه مجموع عدد الموظفين والمتقاعدين بنسبة 4% سنوياً خلال الفترة 2006-2015 فإن مجموع رواتبهم زاد بنسبة 13.2% سنوياً. أي كان هناك زيادة في متوسط راتب/دخل العاملين في الدولة ومتقاعديها بلغ معدلها 8.9% سنوياً.3

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here