تحقيق: الحشد السني “مقاتلون فضائيون” ورؤساء فاسدون

تملأ الصور الدعائية لمرشحي الانتخابات البرلمانية شوارع وساحات وارصفة وجزرات وواجهات المؤسسات ومداخل الجسور وأعمدة الإنارة في الموصل، واكثرها لقادةٌ “الحشود العشائرية” في نينوى، وتؤكد مصادر ان الكثير من اسماء المقاتلين في قوائم تلك الحشود، لفضائيين.

ويذكر تحقيق صحفي، لموقع “درج”، نشر امس (10 ايار 2018)، نقلا عن ضابط برتبة مقدّم من قيادة عمليات نينوى، بشأن “الحشود” التي تنتشر في مختلف مناطق نينوى، “لا نعلم شيئاً عن أعدادهم الحقيقية ولا عن كميّة السلاح التي بحوزتهم”، موضحا “هم مجرّد فلولٌ متناثرة والسلطة الحقيقية هنا كما يعلم الجميع هي بيد الحشد الشعبي”، مضيفا “هناك كذب ومبالغة في تقدير أعدادهم، ومن الواضح أن نسبة الجنود الفضائيين بينهم كبيرة جداً”.

وتؤكد التصريحات الواردة على لسان مسؤولين محلّيين أن هذه المجموعات المسلّحة، تتألف من نحو 15 ألف مقاتلٍ معظمهم من أبناء العشائر السنيّة، وتتوزع على نقاط تفتيش ومعسكرات تنتشر غالباً على الطرق الرئيسة وفي مداخل بلدات محافظة نينوى، لكن الأعداد في الواقع أقل بكثير.

وفي حين يبدو المشهد الانتخابي في نينوى مكتملاً بصور قادة الحشود، ترفرف أعلام “الحشد الشعبي” الشيعي، ذي النفوذ الأقوى فوق المباني الحكومية الرئيسية والثكنات العسكرية، ويمتد أثره إلى جامعة الموصل التي تشهد مراسم عزاء حسينية بين الحين والآخر وتعلّق على بوابتها الرئيسة شعارات مذهبية، معلنة عصراً جديداً تعيشه المحافظة المرشّحة لانهيار أمني قريب، بحسب تحذيرات عدة أطلقها أمنيون وباحثون قابلناهم في هذا التحقيق.

ويقول “منذر عبدالله فتحي” وهو شاب طويل القامة ممتلئ الجسم، في منتصف العشرينات من عمره، ضاحكاً انه لم يسبق له أن حمل السلاح طوال فترة حكم تنظيم “داعش” لمحافظة نينوى، مؤكدا “لم يسبق لي أن أطلقت رصاصة واحدة في الهواء”، في حين اتقاضى مرتّب من “هيئة الحشد الشعبي” باعتباري عنصراً مقاتلاً في تشكيل عسكري قوامه (500) فرد، أما وظيفتي الحقيقية مع مجموعة شبان آخرين جميعنا منحدرون من مدينة القيارة، فهي مرافقة شيخ عشيرة وهو مرشّح لمجلس نواب يقدم نفسه على أنه قائد عسكري لهذا الفصيل، وإلقاء قصائد شعبيّة في مديح المرشح في حضرة الضيوف.

ومنذ تعيينه في هذه الوظيفة قبل نحو سنة من الآن لم يلتحق منذر بمعسكر تدريب واحد ولم يكلف بأي مهمة أمنية، ويقول “لا بأس، العمل مريح… معظمه يقتصر على مرافقة الشيخ في المناسبات واللقاءات العشائرية والجولات والزيارات، وأحصل على إجازات في الفترات التي يسافر فيها إلى بغداد أو إلى خارج البلاد”.

وفقاً لحديث منذر وأكثر من عنصر من حماية هذا المرشّح، فإن عدد مقاتلي الحشد الذين هم أقرباء له من مدينة القيارة أو القرى المجاورة لا يتجاوز المئة عنصر في أحسن الأحوال، ثلثهم تقريباً هم مرافقوه الشخصيون، علماً أن الشيخ صرّح أكثر من مرة لوسائل إعلام مختلفة بأن العدد الرسمي للحشد الذي يقوده هو 500 مقاتل، وهذا ما وجدناه فعلياً مثبتاً في قوائم الحشود العشائرية.

ويشير التحقيق، ان400 مرتب شهري تذهب بحسب مصادر إلى مصاريف حملة الشيخ الانتخابية التي بدأت باكراً مع تشكيله الحشد قبل نحو سنة، والتي أثمرت أخيراً صوراً دعائية تُبثّ على شاشات إلكترونية في شوارع الموصل، وصوراً تظهر مراراً وتكراراً على شاشة قناة “الموصلية” الفضائية، وكذلك مقاطع فيديو مموّلة تظهره في القناة ذاتها برفقة عناصر حشده أو خلال تجواله الدعائي لتفقد أحوال المواطنين.

و”الحشد الفضائي” (كما يحلو للعراقيين تسميته)، هو واحد فقط من عشرات تعمل بالطريقة ذاتها، تزعم عدداً مفترضاً لعناصرها وتتقاضى أموالاً من الحكومة العراقية على هذا الأساس، لكن لا دليل يشير إلى قوتها الضاربة، ومع أن كفة السلطة في المحافظة المستعادة من “داعش” تميل تمويلاً وتجهيزاً وحضوراً إلى فصائل الحشد الشعبي الشيعية، التي جلّ عناصرها من محافظات جنوب العراق وبغداد، وهناك آخرون تركمان من قضاء تلعفر وشبك من سهل نينوى، يمكن العثور في داخل الموصل على نقاط تفتيش قليلة العدد تتبع الحشود العشائرية السنية، لا سيما في الجانب الأيسر للمدينة، أبرزها حشد “حرس نينوى” الذي يقوده محافظ نينوى السابق المقال أثيل النجيفي والذي تثار حوله وحول حشده أسئلة كثيرة.

وينوه التحقيق، الى انه وبموجب قرار أخير صدر عن قيادة العمليات، ستتولى هذه الحشود العشائرية تشكيل طوق أمني يلفّ مدينة الموصل، هو واحد من بين ثلاثة، الأول يطوّق الموصل بعناصر من الشرطة المحلية، والآخر يحيط بمحافظة نينوى وقوامه عناصر الجيش العراقي، مضيفا انه وبالرغم من محاولات البحث الميداني في الموصل وأقضية ونواحي نينوى والاتصالات بعشرات القادة الأمنيين والعسكريين، لم يتم التوصل إلى مواقع المعسكرات النظامية، التي تزعم الحشود الانتشار فيها، فهناك في مناطق قادتها العشائرية وأحياناً الإثنية لا يوجد سوى أعلام ترفرف مؤشرةً إلى مناطق بدء سلطتها وامتداد نفوذها، أما الفصائل التي لعناصرها وجود فعليّ، سواء داخل الموصل أو خارجها، فلم تكن أعدادها الواردة في قوائم “هيئة الحشد الشعبي” (مرجع الحشود قاطبة) تتطابق مع واقع الحال على الأرض.

وحتى معسكرات التدريب الرئيسة في مخمور شرق الموصل، وعوينات غرباً، وقاعدة القيارة جنوباً، التي تحدث عنها اللواء الركن كريم الشويلي نائب قائد عمليات نينوى وقائد الحشد الشعبي في المحافظة مراراً وظهر في لقاءات عبر قنوات تلفزيون محلية وهو يشرف على توزيع رواتب فيها على مقاتلي الحشود، وجدناها خاوية باستثناء معسكر قاعدة القيارة الذي تشغله قوات عراقية نظامية.

وأكثر ما يثير الأسئلة، حول الحشد، هي قوات “حرس نينوى” ويُعرف قبل دخوله هيكلية الحشد الشعبي بـ”الحشد الوطني”، أسسه المحافظ السابق أثيل النجيفي بإشراف ودعم تركيين، وكان سبباً في إقالته من منصبه بقرار برلماني بتهمة التخابر مع جهة أجنبية فصدرت أوامر قبض قضائي بحقه، وصدر في مطلع العام الجاري حكمان غيابيان في قضيتين أخريين، بحبسه ثلاث سنوات عن كل منهما.

ويشرح الملازم أول “سفيان خدر” من شرطة نينوى المحلية، والذي كان ضمن هذا الحشد قبل أن يعاد إلى الخدمة، التي أقصي منها بسبب سيطرة “داعش” على الموصل في العام 2014، كيف تحوّل أثيل النجيفي من خصم لدود للفصائل الشيعية ممنوع عليه دخول الموصل، إلى عضو فاعل تحت لواء “الحشد الشعبي” قبيل انطلاق عمليات تحرير نينوى في تشرين الأول 2016 وصار يعرف حشده بـ “حرس نينوى”، فتقاضى مبالغ مالية من بغداد حيث مقر “هيئة الحشد الشعبي” وكوفئ بمنحه مساحة سيطرة داخل الموصل.

ويؤكد خدر، انك لاتستطيع ان تحصى اكثر من الف مقاتل في الجانب الأيسر، في احياء السكر والمجموعة والعربي والفرقان، فيما يقول المتحدث السابق باسم الحشد “محمود السورجي”، أن عدد مقاتليهم أربعة آلاف.

وقال عدد من عناصر الحشد ذاته، ان عدد المقاتلين الحقيقي لا يعلن عنه مطلقاً، ودائماً هناك حديث عن متطوعين جدد، وأن العدد التخميني لا يزيد في أي حال عن ألف مقاتل.

وتقول النائبة عن محافظ نينوى “نهلة الهبابي” (إئتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي)، بالاستعانة بمصادر من هيئة الحشد والحكومة العراقية، ان النجيفي يحصل شهرياً على نحو ملياري دينار عراقي (1.75 مليون دولار أميركي)، عن مقاتلين فضائيين ترد أسماؤهم في جداول التعداد التي يقدمها، لافتةً إلى أن هذا المبلغ هو عن (3740) متطوعاً “فضائياً” بمعدل (525) ألف دينار كراتب شهري لكل مقاتل من أصل (650) ألف دينار، مقطوع منها (125) ألف دينار للإطعام الشهري. ثم قالت إن أثيل النجيفي كان قد أبلغ وزارة الداخلية بوجود (4000) متطوع في حشده وتابعت: “خذوها مني، ليس لديه أكثر من 260 متطوعاً”.

ويشير التحقيق الصحفي، الى انه “بين شدّ النجيفي وجذب خصومه فإن حقيقة العدد الفعلي لحشد “حرس نينوى” يبقى حبيس الغموض، والمعطيات على الأرض تؤكد أن جزءاً ليس بالقليل من المقاتلين هو بحسب التوصيف العراقي “فضائي”، والهبابي ليست أول من تستخدم هذا التوصيف في معرض حديثها عن حشد “حرس نينوى”، إذ سبق للناطق الرسمي باسم الحشد الشعبي ذاته “أحمد الأسدي” أن قال إن “لا أثر لهذه القوات (قوات النجيفي) في عمليات التحرير.. هي قوات فضائية”.

ويقول “زهير الجبوري” الناطق باسم حرس نينوى (خلفاً لمحمود السورجي الذي أبعد قبيل بدء معركة تحرير نينوى)، وهو في الوقت ذاته مرشّح في الانتخابات البرلمانية الحالية ضمن قائمة “القرار العراقي” التي يتزعمها أسامة النجيفي شقيق المحافظ، “نعم… لدينا ألف مقاتل يتقاضون رواتب من الحكومة العراقية، وهذا أكبر دليل على أنهم ليسوا فقط 260 مقاتلاً”، مضيفا “لجنة عليا من هيئة الحشد الشعبي ترأسها نائب رئيس الحشد عبد الحميد الشطري زارت المعسكر وسلمت الرواتب للمقاتلين الألف”.

ويتابع التحقيق، انه ولغرض معرفة بقية الحشود السنيّة في نينوى، كان الحصول على قوائم تضم تفاصيل عن أعدادها ضروريا، وهو ما امنه مسؤول في “حزب الدعوة” – المقر المركزي، لنا، وكان فيه أسماء الأفواج وقادتها وأعداد مقاتليها، واكد المسؤول سرية القوائم، نظراً إلى حالة الحرب المعلنة على “داعش” وقتها والاستعدادات لخوض معركة تحرير الموصل.

وضمت الجداول أسماء اثنين وأربعين حشداً في نينوى قوامها (11370) مقاتلاً، وكانت من بين القوائم اسم محافظ نينوى الحالي نوفل العاكوب، والذي يرتبط به واحد من هذه الحشود يعرف شعبياً بـ “حشد العاكوب” ورسمياً باسم الفوج (17) بحسب القوائم، تعداده الرسمي (79) مقاتلاً، أما الموجودون فعلاً من الحشد فهم (13) شخصاً فقط، يقودهم “مزاحم غازي” جلّهم أقرباء للمحافظ، ينحدرون من قضاء الحضر حيث نفوذه العشائري، وهو ما أكدته جميع المصادر العشائرية، ومقاتلان اثنان من الحشد نفسه.

وقال الشيخ يوسف الرماح الذي يتزعم هو الآخر حشداً (الفوج 24) عدد مقاتليه (500)، أقام في محافظة أربيل خلال فترة سيطرة “داعش” على نينوى، وكان حشده متحالفاً مع حشد العاكوب، “والله ليس لدى العاكوب سوى حفنة من المقاتلين، عددهم ثلاثة عشر” ثم شرح أن ذلك كان سبباً آخر لإنهاء التحالف في ما بينهما.

وقال خديدا والذي يعد عضو المجلس الوحيد، الذي سكن مخيمات النزوح مع المواطنين الآخرين خلال فترة حكم “داعش” في الموصل، إن “المحافظ نوفل العاكوب متورط بقضايا عدة بينها وجود فضائيين في حشده العشائري، وارتباطه من خلال شقيقه فيصل العاكوب بتنظيم داعش”.

واوضح الممثل عن الحزب الإسلامي في مجلس نينوى حسام الدين العبار ان “هنالك (85) دعوى قضائية لدى هيئة النزاهة تتعلق بالفساد ضد المحافظ… وحشده الفضائي واحد منها، لن يفلت منها جميعاً”، فيما يقول ضابط متقاعد من الموصل، ان “السؤال المقلق ليس كم عددهم الحقيقي فقط، بل أيضاً كم منهم يوجد على الأرض ويؤدي مهماته الأمنية فعلياً، فهذه مسـألة خطيرة”، مذكراً بأن الموصل احتلها بضع مئات من مقاتلي (داعش) خلال ساعات بوجود عشرات آلاف المقاتلين وعناصر الشرطة الاتحادية والمحلية “الحقيقة أن عدداً كبيراً منهم كان فضائياً، وهو ما اعترفت به الحكومة أخيراً”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here