الابتزاز في العراق… عصابات القرصنة الإلكترونية تصطاد الفتيات

 

تفاقم ظاهرة الابتزاز الإلكتروني في العراق (فرانس برس) الابتزاز في العراق... عصابات القرصنة الإلكترونية تصطاد الفتيات
بغداد – أمل صقر

13 مايو 2018

تخشى المحامية العراقية المهتمة بمناصرة قضايا المرأة مروة عبد الرضا، من تزايد ضحايا ظاهرة الابتزاز الإلكتروني الذي تتعرض له العراقيات عبر وسائل التواصل الاجتماعي ما يعرضهن للقتل، من قبل عائلاتهن، في الوقت الذي تتزايد فيه الظاهرة بسبب إحجام الفتيات عن رفع دعاوى قضائية ضد المبتزين، كما تقول المحامية التي تعمل بشكل تطوعي ضمن فريق مكون من 20 محامياً ومحامية بمنظمة “لأجلها” المنضوية تحت تحالف شبكة النساء العراقيات المعنية بالدفاع عن حقوق المرأة.

سعت المحامية عبدالرضا وزملاؤها طيلة فترة عملهم في قضايا الابتزاز الإلكتروني الممتدة منذ مطلع العام 2016 حتى الآن إلى إقناع الفتيات اللواتي تعرضن للابتزاز باللجوء إلى القضاء، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم تعريض حياة الفتاة للقتل، إذا ما اكتشف أهلها الأمر، ومن حالات اللواتي تم إقناعهن برفع دعوة قضائية كما تقول المحامية مروة لـ”العربي الجديد”: “هناك طالبة جامعية تعرضت صفحتها في فيسبوك للقرصنة وجرى نشر صور خاصة بها، وحضرت أول جلسات المحكمة التي نظرت في قضيتها نهاية العام 2016، لكنها أغلقت هاتفها، وألغت كل وسائل الاتصال الخاصة بها بعد انتهاء الجلسة، خشية من معرفة أهلها، وإجبارها على ترك الدراسة، كما أخبرتنا قبل جلسة المحكمة”، مضيفة أنها تعمل مع قانونيين في فريق صفحة محاربي الابتزاز الإلكتروني على فيسبوك التي تتلقى يومياً العديد من رسائل لفتيات يعانين من الابتزاز الإلكتروني حتى صول الأمر إلى تلقي 300 رسالة في يوم واحد، 90% منها لفتيات، بحسب تأكيد مدير الصفحة محمد حسن (اسم مستعار حفاظاً على سلامته الشخصية).

وقُتلت 6 فتيات من قبل ذويهن خلال الفترة من سبتمبر/أيلول 2016 وحتى أغسطس/آب 2017 كما يؤكد حسن، مشيراً إلى أن فكرة فتح هذه الصفحة نبعت من تزايد شكاوى الابتزاز التي كان يسمعها من الأقارب والأصدقاء.


مطاردة من فيسبوك إلى التليغرام

نسق فريق محاربي الابتزاز الإلكتروني حملة على عدد من القنوات الإباحية على التليغرام التي تستهدف التشهير بالفتيات في خلال عام 2016 بعدما تلقوا 1100 رسالة من فتيات تعرضن للابتزاز وتم نشر صورهن في قنوات التليغرام بعد قرصنة حساباتهن، وفق تأكيد حسن، الذي قال إن فريق الصفحة رصد خلال هذه الحملة عدداً من القراصنة الإلكترونيين المتخصصين في الابتزاز، يعيش عدد من المتورطين في العراق وألمانيا وتركيا وسورية، مضيفاً أن حساب الهكر (القرصان الإلكتروني) سند المشهداني وهو (اسم وهمي) يستخدمه شخص سوري الجنسية كان يعيش في منطقة البوكمال السورية، وحالياً لاجئ في مدينة هامبورغ الألمانية، كان يقوم بعمليات الاختراق والتفاوض على مبالغ الابتزاز، قائلاً “تم كشفه بعد شكاوى الفتيات وتتبع قنواتهم الإباحية على التليغرام، بعد قيام فريق الصفحة بالقرصنة على هواتف أفرادها، الذين ابتزوا 800 فتاة طلبوا من الواحدة منهن مبلغاً يتراوح بين 2500 و3 آلاف دولار، وبالفعل تم تحويل 200 ألف دولار للمشهداني وعصابته، والذين أنشأوا 130 قناة على التليغرام بجمهور يتراوح ما بين 2000 و10 آلاف متابع بحسب حسن، الذي قال إنهم كفريق تعرضوا لإجهاد كبير في محاربة عصابة الابتزاز، لأنهم كلما أغلقوا قناة تعود مرة أخرى للظهور باسم مختلف، مشيراً إلى أنهم قدموا رسائل مرفقة بالمعلومات والأدلة التي حصلوا عليها لوزارة الداخلية، ولم يلقوا استجابة منهم.

ويرد مدير شعبة الدراسات في مديرية الشرطة المجتمعية بوزارة الداخلية حسين عامر حسين أن الوزارة ليس لديها إمكانيات إلكترونية لمتابعة حالات الابتزاز.

الخوف من القتل

يؤكد المتحدث الرسمي باسم مجلس القضاء الأعلى، القاضي عبد الستار البيرقدار، على وجود قضية أمام القضاء العراقي، رفعت في 9 يناير/كانون الثاني 2018 خاصة بعصابة ابتزاز الكتروني، مكونة من خمسة أفراد تقوم باستدراج الفتيات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بهدف الاتجار بهن جنسياً، قائلاً لـ”العربي الجديد”: “استدرجت العصابة 4 فتيات من محافظات في جنوب العراق بحسب اعتراف أفرادها، الذين أقنعوا الفتيات بالهرب من منازلهن، والحضور إلى بغداد بهدف الزواج، وعند وصولهن تم احتجازهن لبيعهن في ما بعد إلى ملاهٍ ليلية، أو بيوت دعارة، أو يتم استغلالهن جنسياً من قبل أفراد العصابة”.

ووثقت معدة التحقيق على مدى 4 أيام ابتداء من 19 حتى 23 مارس/آذار الماضي 200 رسالة وصلت إلى فريق محاربي الابتزاز الإلكتروني لفتيات يطلبن المساعدة منهم خوفاً من القتل، أو يهددن بالانتحار بسبب ابتزازهن إلكترونياً. ورغم علم القضاة في مجلس القضاء الأعلى العراقي بوجود حالات جرائم شرف وانتحار سببها الابتزاز الإلكتروني بحسب المتحدث الرسمي باسم القضاء الأعلى القاضي البيرقدار، إلا أنه يقول: “عندما تعرض قضية كهذه أمام القضاء يدلي أفراد عائلة الضحية بروايات أخرى تماماً، وغير صحيحة، وبالنهاية القاضي يتعامل وفق الحقائق المتوفرة لديه من شهادات وإفادات، ويحكم على أساسها، وتوجد حالات لا تصل إلى القضاء وبالتالي لا يمكن التعامل معها”.

لكنه يؤكد بأن القضاء العراقي لا يملك أية إحصائيات لحالات الابتزاز الإلكتروني المطروحة في المحاكم، ويعود سبب ذلك بنظره، إلى صعوبة حصر وتصنيف القضايا، خاصة أن المجلس تتبعه 16 محكمة استئناف كل محكمة كلية تتفرع إلى 40 محكمة جزئية تنظر في آلاف القضايا يومياً.


اللجوء إلى العشائر

تتلقى وزارة الداخلية عبر بريدها الإلكتروني وصفحات التواصل الاجتماعي التابعة لها شهرياً من 20 رسالة إلى 25 رسالة عن حالة ابتزاز إلكتروني لفتيات تتراوح أعمارهن بين 15 و26 عاماً بحسب تأكيد مدير شعبة الدراسات في مديرية الشرطة المجتمعية بوزارة الداخلية العراقية حسين عامر حسين، والذي قال لـ”العربي الجديد” إن الكثير من الفتيات اللواتي تعرضن للابتزاز غير متعلمات، والبعض يعانين من كبت شديد من قبل أسرهن، مضيفاً أن هذه الظاهرة زادت بشكل ملحوظ في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، مضيفاً أن وزارة الداخلية العراقية لا تستطيع اتخاذ أي إجراء قانوني، لأنها لا تتعامل مع الرسائل التي تتلقاها على أنها شكاوى رسمية، ما يدعوهم إلى معالجة قضايا الابتزاز بصورة ودية من خلال اللجوء إلى مشايخ العشائر، ورجال الدين الذين يرافقونهم “لزيارة بيت المبتز” إذا كان معروفاً والتفاوض معه لإنهاء الموضوع، وعدم التعرض للفتاة التي يبتزها.

ويذكر حسين أن طالبة ماجستير أبلغتهم أنها تعرضت للابتزاز، ودفعت المال لمن ابتزها، وخضعت لابتزازه الجنسي أكثر من مرة، ولم يكن هناك من طريق للحل غير الذهاب الى منزل المبتز برفقة شيوخ العشائر ورجال الدين في منطقة سكنه ببغداد، لأخذ تعهد خطي منه بعدم التعرض لها، أو ابتزازها، وهو ما يفضله القاضي عبد الستار البيرقدار، حفاظاً على حياة الفتاة، وعدم تعريض سمعة عائلتها لخطر الفضيحة، خاصة أن المجتمع العراقي لديه أعراف وعادات لا يمكن تجاوزها، أو غض النظر عنها كما يقول، مضيفاً أنهم “مع الإجراءات التي تتبعها الشرطة المجتمعية في حل مثل هذه القضايا”.

وتعد قضايا الابتزاز والتهديد والتشهير جنحة وفقاً لقانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969، وتتدرج العقوبة وفق هذا التوصيف بحسب المادة 26 من القانون فقرة 1 بعقوبة “الحبس الشديد، أو البسيط أكثر من ثلاثة أشهر إلى خمس سنوات أو الغرامة” بحسب القاضي البيرقدار، مشيراً إلى أن الغرامة تحدد من قبل الخبير القضائي وفقاً للضرر.


عقوبات عرفية

بعد تفاقم ظاهرة القرصنة الإلكترونية، أصدرت عشائر محافظة الناصرية جنوبي العراق في 22 فبراير/شباط 2017 بياناً، تضمن اتخاذ إجراءات عقابية بحق من تثبت بحقة جريمة الابتزاز الإلكتروني، ومن هذه العقوبات كما جاء بالبيان إلزام كل شخص يقوم بنشر أمور غير لائقة بحق امرأة، بدفع غرامة مالية تبلغ 10 ملايين دينار عراقي (ما يعادل 8445.88 دولاراً) ونفيه عن منطقة سكنه لمدة عامين، وكذلك فإن عقوبة من نشر أمور غير لائقة بحق أي شخص بهدف تشويه سمعته والتشهير به تبلغ بحسب البيان 4 ملايين دينار عراقي (ما يعادل 3378.35 دولاراً) تدفع كتعويض للضحية، وينفى عن منطقة سكنه لمدة عامين أيضاً، ومن تعمد سرقة صفحة الفيسبوك لشخص آخر، ونشر مواد غير لائقة بحق عدد من الأشخاص بهدف التشهير بهم، يتم تغريمه بعد التأكد بحسب البيان 8 ملايين دينار عراقي (ما يعادل 6756.70 دولاراً)، يدفع نصف المبلغ لصاحب الصفحة المسروقة، والنصف الآخر يوزع كتعويض للأشخاص المتضررين من النشر.

ويؤكد شيخ عام عشيرة العيدان في البصرة جنوب العراق عدنان العيدان لـ”العربي الجديد”، أنهم يعملون يومياً على حل حالتين، أو ثلاث حالات ابتزاز الكتروني، من خلال دعوة مشايخ عشيرة المبتز، والقيام بتقديم الأدلة، ومن ثم إصدار حكم العشيرة بالغرامة المالية ونفي المبتز من مكان سكنه، واصفاً ظاهرة الابتزاز الإلكتروني بمعضلة العصر بالنسبة لهم، لأنها كما يقول تؤدي إلى حالات طلاق، وحتى اقتتال عشائري، مضيفاً أن العشائر تعقد اجتماعات دورية من أجل التباحث حول هذا الموضوع، ولكن “لا حل لظاهرة تتوسع بشكل مخيف” كما يقول.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here