ضرب المعارضة يسقط الدولة

محمد سيف الدولة

[email protected]

هل يمكن ان نقول لا للأمريكان او لإسرائيل او لكامب ديفيد او لنادى باريس وصندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية وللشركات متعددة الجنسية ووكلائها وتابعيها من الطبقة الرأسمالية المصرية المشهورة باسم رجال الاعمال؟

ام اننا يجب ان نحترم موازين القوى العسكرية والاقتصادية والدولية والطبقية، وفقا للقاعدة الشهيرة “رحم الله امرء عرف قدر نفسه” ثم نبحث لنا عن قوى كبرى نتبعها ونحتمى فيها ونسير فى ركابها كالولايات المتحدة الامريكية وفقا لنظرية السادات الشهيرة التى لا تزال تُحكم بها مصر وهى أن 99% من أوراق اللعبة فى ايدى الأمريكان؟

***

فى بلادنا؛ فى العالم الثالث، التى تعاني من اختلال هائل فى موازين القوى العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية مع القوى الكبرى المعادية والطامعة والشريرة، يكون السلاح الاول للمناعة الوطنية ولمواجهة الضغوط الاجنبية هو سلاح المعارضة السياسية والجماهيرية.

فاذا قامت السلطة الحاكمة بالقضاء عليها، فإنها تفقد مناعتها فورا، وتكون عرضة للسقوط فريسة سهلة تحت الضغوط والشروط الخارجية.

ففى اى مفاوضات مع الولايات المتحدة وربيبتها (اسرائيل) على سبيل المثال، وإذا حسبنا الحكاية بموجب موازين القوى، فاننا سنخسر أى مفاوضات وسنكون نحن حتما الطرف الذى يقدم التنازلات.

والطريقة الوحيدة للصمود أمام الضغط الامريكى او الدولى هو الاحتماء بالمعارضة الوطنية والتذرع بها لرفض ضغوط الخصوم والاعداء.

ولذلك حين يقوم الحكام او السلطات بالعصف بالمعارضة، فإعلم انهم انما يفعلون ذلك لصالح اعداء الوطن، لتجريد البلاد من أى مقدرة على الرفض والمقاومة، وانهم يعتبرون ان مصدر شرعيتهم الحقيقي هم “الخواجات” ورضاهم السامى، وأن سبب استمرارهم فى عروشهم هو قيامهم بهذا الدور.

***

وفيما يلى بعض الحكايات والأمثلة على صحة هذه الفرضية:

· فى عز صعود الثورة المصرية وفى اشهرها الاولى، ابدى قادة (اسرائيل) عدة مرات انزعاجهم من الثورة المصرية، وعبروا عن ذلك بكلمات يجب أن نحولها الى مأثورات نكررها ونعلمها لأبنائنا حيث قالوا بالنص : ((لقد اعتدنا على الدوام التعامل مع قصور الحكم العربية، ولكننا لم نعتد ابدا التعامل مع الشارع العربى، الذى أصبح اليوم يمثل رقما هاما فى صناعة القرار العربى.))

· فى ذات السياق تأتى واقعة العدوان الصهيوني على الفلسطينيين فى غزة فى شهر ابريل 2011، والتى اعقبها حصار المتظاهرين المصريين الغاضبين للسفارة الاسرائيلية لأول مرة منذ افتتاحها عام 1979، وكيف ان المجلس العسكرى ابلغ (اسرائيل) بضرورة ايقاف عدوانها على غزة فورا، لأنه لم يعد له سيطرة على الشارع المصرى. وهو ما تكرر فى سبتمبر 2011 بأغلاق هذا المقر تماما على أيدى المتظاهرين الغاضبين هذه المرة من استشهاد 5 جنود مصريين برصاصات اسرائيلية على الحدود الدولية. ولم تتمكن السلطة المصرية من اعادة فتح السفارة الا فى سبتمبر 2015 بعد أن تمكنت من تأميم الحياة السياسية وتصفية المعارضة.

· وفى اعقاب الثورة ايضا، رفض صندوق النقد الدولى اعطاء قرضا للحكومة المصرية، الا بعد ادارة حوارا مجتمعيا، يتأكد من خلاله ان اطياف القوى السياسية المصرية تقبل هذا القرض. وما ان ذهبت الثورة ادراج الرياح، عادت ريما الى عادتها القديمة، وقدم الصندوق قائمة طويلة من الشروط والتعليمات على الحكومة المصرية ان تنفذها حرفيا حتى يقبل اعطائها القرض مصحوبا بشهادة صلاحية للاقتصاد المصرى، ففعلت الدولة المصرية ونفذت تعليماته، وعلى رأسها تخفيض قيمة العملة المصرية، التى رفض كل من السادات ومبارك من قبل تخفيضها.

· وهل ننسى دور انتفاضة 18 و 19 يناير 1977 فى اجهاض روشتة صندوق النقد الدولى للاقتصاد المصرى، والتى نجحت فى تقييد وتعويق سياسات رفع الدعم وتعويم الجنيه لعقود طويلة، قبل ان نعطيهم اليوم ما يريدونه على طبق من ذهب.

· ولا يزال اصرار الشعب المصرى على رفض الهزيمة ومواصلة القتال بعد 1967، محفورا ومسجلا فى التاريخ كالعامل الرئيسى للنصر الذى تحقق بعد ذلك بست سنوات.

· وفى ذات السياق والمرتبة، تأتى مظاهرات الطلبة فى 1968 و1971 كدليل على الدور الرائد التى تضطلع به المعارضة الوطنية والشعبية فى تصحيح البوصلة والمسار.

· وهل يمكن ان نتجاهل دور المعارضة فى افشال كل مشروعات وسياسات التطبيع الشعبى مع (اسرائيل) على امتداد 40 عاما.

· ودور كبار الكتاب والمفكرين، فى اجهاض مشروع السادات لتوصيل مياه النيل الى (اسرائيل)، وكذلك مشروع هضبة الأهرام.

· وكذلك دور أهالي دمنهور فى التصدى للاختراقات الصهيونية السنوية تحت غطاء مولد ابو حصيرة.

· وموقف اللجان الشعبية لدعم الانتفاضة الفلسطينية واخواتها من لجان مقاومة التطبيع ولجان المقاطعة ولجان مناهضة الصهيونية ولجان وقوافل الاغاثة وغيرها فى دعم الشعب الفلسطيني فى انتفاضاته اعوام 1987 و2000 ومع كل عدوان على فلسطين ولبنان حتى عام 2014، حين اغلقت الحياة السياسية بالضبة والمفتاح.

· ان الامثلة كثيرة فى مصر وفى عديد من بلدان العالم.

***

اما وجهة النظر المضادة التى تتبناها السلطة الحاكمة فى مصر منذ 40 عاما، ويتبناها غالبية الحكام فى الدول “المعتدلة” والتابعة، فهى ان الغرب الاستعمارى القوى المتحكم، يشترط دائما على أتباعه ان يثبتوا أنهم قادرون على فرض “الاستقرار” والسيطرة على شعوبهم وتمرير الاستراتيجيات والسياسات الامريكية فى بلادهم، والا فانه يبحث لهم عن بدائل.

ومن هذا المنظور فان المعارضة بالنسبة الى هؤلاء الحكام هى بمثابة الكابوس الذي يهدد عروشهم وشرعيتهم لدى ما يسمى بالمجتمع الدولى، ليس لأن المعارضة تؤلب الشعوب عليهم، وانما وهو الاخطر لأنها تهز وتضعف ثقة “الخواجة” فى قدراتهم وسيطرتهم.

· وأوضح مثال حى على ذلك هو ما يحدث اليوم من تواطؤ رسمى عربى لتمرير القرار الامريكى بنقل السفارة القدس، واحتواء الغضب الشعبى العربى، واجهاض اى مقاومة له.

· وفى ذات السياق يأتى نجاح السلطة المصرية فى تمرير اتفاقية تيران وصنافير التى تهدد الأمن القومى لمصر، بعد سلسلة من السياسات المستبدة ضد كل أطياف المعارضة الوطنية؛ بدءا بتشكيل برلمان موالى، وحظر وتجريم المظاهرات، وتأميم الحياة السياسية، واحتكار كل المنابر الاعلامية، واعتقال وادانة مئات من المتظاهرين الرافضين للمعاهدة، والعصف بحكم المحكمة الادارية العليا.

· ومثال آخر من اشادة صندوق النقد الدولى مؤخرا، بالإصلاحات الاقتصادية والمالية التى قامت بها “مصر السيسى”، مع احتواء واجهاض أى ردود فعل غاضبة أو اضطرابات او معارضات شعبية، بسبب القبضة البوليسية الحديدية.

· وفى ذات ملف صندوق النقد وروشتاته الكارثية والمفقرة، يأتي قيام السادات باعتقال المئات من اليسار المصرى بعد انتفاضة يناير 1977.

· وهو ما كرره مرة اخرى على نطاق واسع حماية لاتفاقيات كامب ديفيد، حين قام باعتقال نخبة مصر السياسية كلها فى سبتمبر 1981 بذريعة عدم اعطاء اسرائيل اى ذرائع لإلغاء انسحابها من سيناء.

· وتأتى أزمة 4 فبراير 1942 فى ذات السياق، حين فرض الاحتلال البريطاني حكومة الوفد على الملك فاروق لضمان استقرار الاوضاع فى مصر اثناء الحرب العالمية الثانية، تحت قيادة أكثر الأحزاب شعبية.

· أما فى الارض المحتلة، فتقوم (اسرائيل) طول الوقت بتقييم السلطة الفلسطينية بمدى قدرتها على احتواء واجهاض اى انتفاضة شعبية أو مقاومة مسلحة.

· والامثلة كثيرة على المواصفات والشروط والمعايير الاستعمارية للأنظمة الصديقة والحليفة وللحكام التابعين و”المعتدلين”.

***

ان مصير مصر ومستقبلها سيتحدد فى السنوات والعقود القادمة، خلال الصراع بين فلسفتى الحكم السابقتين؛ فلسفة تنطلق من أن وجود معارضة قوية فى ظل حياة ديمقراطية حقيقية، تحمى الدولة وتدعمها فى مواجهة الضغوط الخارجية، فى مواجهة فلسفة أخرى تنطلق من أن السيطرة وتكميم الافواه والغاء الحقوق والحريات والقضاء على المعارضة وعلى الحياة السياسية والبرلمانية، وتثبيت النظام (وليس الدولة كما يدَّعون) هى الطريق الوحيد لقلب الأمريكان ورضاهم وحمايتهم، وهى الضمان الوحيد لاستقرار واستمرار التبعية وتوغلها وتعمقها الى ما شاء الله.

*****

القاهرة فى 23 مايو 2018


للنشر في هذه المجموعة، أرسل رسالة إلكترونية إلى [email protected]
لإلغاء الاشتراك في هذه المجموعة، أرسل رسالة إلكترونية إلى [email protected]
الانتقال إلى هذه المجموعة في https://groups.google.com/d/forum/ommarabia
عرض هذه الرسالة في https://groups.google.com/d/msg/ommarabia/topic-id/message-id
للمزيد من الخيارات، انتقل إلى https://groups.google.com/d/optout

‏تلقيت هذه الرسالة لأنك مشترك في مجموعة “الأمة العربية” في مجموعات Google.
لإلغاء الاشتراك في هذه المجموعة وإيقاف تلقي رسائل الإلكترونية منها، أرسل رسالة إلكترونية إلى [email protected].
للنشر في هذه المجموعة، أرسل رسالة إلكترونية إلى [email protected].
انتقل إلى هذه المجموعة في https://groups.google.com/group/ommarabia.
لعرض هذه المناقشة على الويب، انتقل إلى https://groups.google.com/d/msgid/ommarabia/CY4PR01MB32082BB4261A02F87158B921FF6B0%40CY4PR01MB3208.prod.exchangelabs.com.
للمزيد من الخيارات، انتقل إلى https://groups.google.com/d/optout.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here