أمسية استذكارية في ستوكهولم للفنان الراحل طه سالم

محمد الكحط –ستوكهولم-
تصوير: باسم ناجي
أقامت الجمعية المندائية في ستوكهولم وبالتعاون مع الاتحاد الصابئي المندائي في السويد مساء السبت 19 / 5 / 2018، أمسية إستذكارية لقامة عراقية عالية حملت هموم الشعب والوطن الفنان طـــــه سالم، لما لهذا الفنان من بصمات واضحة في العمل الفني العراقي، فهو من الشخصيات الرائدة في المسرح العراقي، مؤلفا ومخرجا وممثلا، شخصية معطاءة أثرت الساحة الفنية والثقافية العراقية لعقود طويلة، وربى أجيالا في المجال الفني، بل وكانت عائلته منبع فن ومن نجوم الفن العراقي، وهو من الذين أسسوا ورسّخوا حركة المسرح العراقي بتميز وتفرد، وكان من أوائل كتاب المسرح العراقي الذين كتبوا في دراما العبث واللا معقول، إضافة الى كونه واحدا من المناضلين المتنورين وتحمل جراء ذلك العديد من الصعاب والملاحقات.

حضر الأمسية نخبة من أبناء الجالية العراقية وبحضور السفير العراقي في السويد الأستاذ أحمد الكمالي، حيث رحب الاستاذ منذر بالحضور جميعا وشكر تلبيتهم الدعوة، بعدها القى رئيس الجمعية المندائية الاستاذ فاضل ناهي كلمة وجه فيها التهاني بقدوم شهر رمضان المبارك وعيد التعميد الذهبي للطائفة المندائية، ومن ثم أشاد فيها بالمنجز الثقافي والفني للفقيد الفنان طه سالم، بعدها جرى عرض فلم بعنوان “فوانيس” من انتاج الجمعية المندائية واعداد ومونتاج المهندس عدي حزام عيال نال أعجاب الجميع، حيث نجح الاستاذ عدي بعكس العديد من الجوانب المهمة من حياة الفقيد، وكان لعائلة الفقيد كلمة حيت فيها القائمين على الفعالية والحضور القاها بالنيابة الدكتور محمد كحط عبيد الربيعي، ومما جاء فيها، ((السلام على العراق وأهله الطيبين الاصلاء الكرام.. السلام عليكم عراقنا المصغر المتمثل بتلكم الارادات الوطنية الطيبة الصادقة ملؤها المحبة وحب العراق إسمحو لنا أسرة الفقيد فنان الشعب والاجيال الرائد طه سالم.. ان نحييكم من جُمارة قلوبنا.. بالوقت التي هي معتصره دماً لفراق من أحبَ الناس والحياة والشجر والنهر والقمر.. فهواء العراق ما بات يسري في رمقه ليحدث حفيف الأشجار وصوت ارتدادات أمواج دجلة وقصب هورها والجبال البنفسجية وسحر سيابها والحبوبي ونؤاسها والذكريات كشريط سريع يعصف بالذاكره والتي طالما علمنا إياها، والدرس يتكرر بحب العراق وناسه بالفقير والمضطهد والعامل والفلاح وأول الدرس بالقراءة الخلدونية والكتاتيب..كثيرا ما الهمتني عبارة معلمي عندما يكتب على السبورة ((اخشوشنو فأن الترف يزيل النعم)).
لازال الألم الأبوي يوجع القلب من عصا المعلم والحياة .. ولكن بهذا الوجع صنعتم ارادتكم أنتم ممن يخلدكم العراق والنخل… تعلموا منها الأجيال النبيلة واتقنوا الدرس ونحن نستقبل الألم والوجع دون الدرس..ولا تمضي معنا والعراق نسغ حكم شكسبير.. ((ليس الحكمة في ان تكون ملكاً ولكن الحكمة في ان تكون آمناً)).. بل كانت المواجهة منذ الصغر لهذا الطفل الكبير الصغير للحياة بصعابها والتحدي والنظام العام الخ.. ولطالما كانت في ذاكرته ووجوده هذا التساؤل (ليش اجيت للدنيه.. وليش انعيش وليش انغادرها).. هذا التساؤل الكوني الكبير البديهي تقف عنده كل العقول والارادات…لتختزل كما يرددها عن اغنية لعبد الوهاب.. (جأت لا أعرف من أين ولكني اتيت .. ولقد ابصرت طريقي فمشيت).. فليس في ذلك أحبتنا القول نوع من الهرطقة او اللاواقعية وانما هي جوهر الاحساس والتعبير عن سيرة حياة مناضل وانسان وفنان في قمة التواضع والبساطة والذوق والاحساس بالجمال والموقف الذي انعكس من خلال عطائه الانساني والعمل كمعلم وأب وصديق للاجيال وفنان شامل، الحب كقيمة كان جوهر حياته للتواصل مع الآخر.. بقيم الحب والسلام وحلولها الانسانية المتشربة بالفكر التقدمي النير كان حلمه للأشياء في نتاجه الفني.. المواجهة بسلاح الفكر والوعي كان الوسيلة.. لانتصار الانسان .. الارادة والايمان بما رهن نفسه وأهله عليه من فكر وقيم عاشت وتبقى بين الأجيال بطروحات فنية متنوعة غير تقليدية ورائدة في ابتكاراته بالمقاربة بما كان يطرح في الخمسينات والستينان من القرن المنصرم ليحاكي مشاكل العصر بمنهج أدبي متجدد كان اللامعقول أول من نهجه والريادة في عالمنا العربي بعد صامؤيل بيكت والبير كامو..هو من قارب النص بين الحكاية الشعبية الغنية الواصلة بناسها والبطل الفقير ذو الارادة الثورية، هو كان من وجد في أبطاله نفسه وأبناء العراق .. ليفكوا عقد السنتهم وعقولهم ليفكروا بصوت عال ليرتفع أعلى من قرباج الجلادين وأعلى من أعواد المشانق.. الدرس يمضي فينا اليوم رغم كثرة ما يغادرون ممن أسكتت اراداتهم وأصواتهم ونضالهم فصول الدكتاتورية المقيتة..
للحظة الأخيرة ولقاؤه كان مشحوناً بالحب للعراق والناس أن تازروا وتكاتفوا وتحابوا.. لينتصر الانسان فينا على الجهل ومن يسوقه.. ورغم كل الانكسارات التي كانت تحدث والمحبطة كان ملماً بانتصار ارادة الخير والانسان…السياسة عظيمة في عقول وصدور بسطائنا العظام، حيث نحس ببؤس ذاتنا والاراده بالقياس لهم.. ولكي ننتصر لهم والحياة وما نهجوا به واليه ورهنوا حياتهم لتحقيقه من مجتمع سعيد ووطن حر وشعب بأراده.. ومن رمزية منجل ومطرقة .. اخذت بهذا الصبي الكهل الجميل دوماً وعيونه الذكيه ملؤها الحياة صورة عراق المستقبل المبتسم.. قدم أهله ونفسه وحياته واولاده.. للاممية للانسانية.. فعاشوا وغادروا، لبت قلوبنا عادل الجميل وهو يستشرف ويستشعر نهاية حياته بقصيدته التي كتبها قبل وفاته والتي حفرت على مرمرة قبره كجيفارا خالد.. أنثروا على قبري الزهور.. فلننثر الزهور وعطرها بهذا اليوم الجميل الموجع…
شاكرين لكم حسن الوطنية الاصيلة لهذا الوجود العراقي الاصيل.. من العقل والقلب والضمير نشكر صدق انسانيتكم .. والاصالة فبكم تعمر الأوطان وتبنى)).

ومن ثم تم تقديم فلم عن آخر لقاء معه، وهو يشير على الفنانين بالتعاون من أجل إعلاء شأن الفن وتعزيز دوره في المجتمع، كما تم عرض العديد من الصور عن فعاليات مختلفة للفنان الفقيد.
بعدها قدم الفنان المسرحي نضال فارس ذكرياته مع الفنان طه سالم مستذكرا محطات جميلة من العمل المسرحي، وكان لمشاركة الفنان صلاح الصكر عبر الهاتف، طعم خاص حيث كان صديق الفنان وأستمرت علاقته معه دون انقطاع تحدث عن أعماله وسلوكه الفني وخبرته وتفانيه من أجل تقديم الأجمل، وتحدث الفنان المسرحي محمد صالح لاجي، عن ذكرياته مع عائلة الفقيد وعمله معهم خلال فترات متفرقة.
تخلل الأمسية اتصال هاتفي مع الدكتورة سهى طه سالم، تحدثت بشكل مؤثر عن والدها كفنان وكأب، ومدى التضحيات التي تحملها، وشكرت الجمعية المندائية والحضور على هذه المبادرة لإحياء ذكرى الفقيد وتحدثت عن طباعة مؤلفاته وستهدي الجمعية نسخ من المؤلفات الكاملة، كان لوقع كلماتها تأثير كبير على الحضور.
ووجهت منظمة الحزب الشيوعي العراقي في السويد برقية للجمعية المندائية ثمنت وحيت فيها الجمعية لهذا النهج الوطني الأصيل في استذكار الرموز الوطنية والثقافية العراقية، وخصوصا هذه الفعالية التي الخاصة بقامة شامخة ورائد من رواد المسرح العراقي، ونقف اليوم لنقول أيضا ان صرح المسرح والفن المسرحي العراقي قد تأسس على أيدي نخبة رائدة رائعة من أبناء شعبنا، وكان فقيدنا الفنان طه سالم أحد من وضع مع زملائه تلك الأساسات الأولى..
وتحدثت في الختام عن ذكرياتي مع العائلة التي تربطني معهم علاقة تمتد لنصف قرن، تحدثت فيها عن طه سالم الإنسان والأب، وليس الفنان، حيث كان بيتهم الصغير مفتوحا للأصدقاء تغذينا من تلك المكتبة العامرة من مختلف الكتب الثقافية والفنية، أستذكرت محطات مهمة مرت بها العائلة وفقدان الرفيق عادل بشكل مبكر حيث كان ذلك مفجعا ومؤلما لنا جميعا نحن رفاقه، ولوالده ولوالده ولأخواته ولأخوانه.
كما وجهت الجمعية المندائية رسالة شكر الى عائلة الفنان الفقيد وخصوصا للفنانة سهى سالم والدكتور فائز طه سالم والى سالم طه سالم لتعاونهم مع الجمعية بأرسالهم العديد من المعلومات والصور والوثائق.
لقد نال الفنان طه سالم وعائلته الفنية العديد من الجوائز وشهادات التقدير والتكريم في المهرجانات الفنية من العراق والدول العربية، وكان من نصيبه وبأستحقاق نيل لقب فنان الشعب بجدارة، له المجد والذكرى العطرة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here