ست البيت في الحكم

خالد القشطيني

صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ

. . . . .بعد جهد جهيد استطاعت مؤخراً السيدة أنجيلا ميركل الاستمرار بقيادة الحكم في ألمانيا. وهي المرة الرابعة التي تحرز فيها هذا الفوز وتترأس الحكومة الألمانية وتصبح من أهم الشخصيات في قيادة الاتحاد الأوروبي. بيد أنها لم تكن أول امرأة تحظى فيها الإناث بالتربع على عرش الحكم. هناك الآن كثير من الدول كسويسرا والنرويج وكرواتيا وإستونيا وليتوانيا ومالطا والنيبال وشيلي تخضع لحكم امرأة. وحتى في عالم الشرق الإسلامي نجد الشيخة حسينة تترأس حكومة بنغلاديش لعدة سنوات. هذه ظاهرة تلفت النظر. لم يكن العالم يحفل بهذا الوجود النسائي على دست الحكم.
كسرت الحجاب أول مرة تقريباً وأثبتت للعالم كفاءة المرأة السيدة مارغريت ثاتشر قبل بضع سنوات عندما دحرت المنافس الذكوري لها مستر تيد هيث، وأمسكت بزمام الحكم لعدة سنوات. نجاح مارغريت ثاتشر كسر الطوق الذي أقامه الرجال لاحتكار الحكم لأنفسهم. وكانت ظاهرة خاصة لفتت الأنظار. لم تنل امرأة من الألقاب في ميادين السياسة ما نالته السيدة مارغريت ثاتشر في أثناء تربعها على كرسي الحكم في بريطانيا. سمّتها زميلاتها في المدرسة «البنت المتكبرة»، ولقّبها الروس بـ«السيدة الحديدية»، وسمّاها الفرنسيون «بنت البقال»، وأطلق عليها حزب العمال لقب «حامية الامتيازات»، وعرفها حزبها بلقب «السيدة المطاعة».
ولكن اللقب الذي رأيته مطابقاً لها هو «ربة البيت». وهذا انطبق عليها لأسباب موضوعية مهمة. مارغريت ثاتشر كانت امرأة، ومن غرائز المرأة الحرص على كيان الأسرة والبيت. الرجل يفلح ويزرع ويحارب ويغامر، يقتل ويُقتل، يلعب القمار، ويجوب الآفاق. الأولاد يلعبون الكرة ويتسكعون في السينمات، يعشقون ويغامرون. هذا عالم الرجال. تجلس المرأة في البيت تدير شؤون العائلة. تعد الطعام حتى إذا عاد الرجل وجد عشاءه أمامه على الخوان.
كانت مارغريت ثاتشر امرأة إنجليزية. وفي عالم الإنجليز حتى السنوات الأخيرة كانوا يعدون «ربة البيت» مهنة وحرفة. وبعد سنوات من التخبط السياسي الذي قام به الرجال في شتى التجارب السياسية والعمالية والاجتماعية والاقتصادية التي خربت البيت الإنجليزي، سلموا قيادة البيت لربة البيت لتنقذ الموقف بما تتميز به من حرص غريزي وفطري على المطبخ والخزين. وأقول غريزي لأن ثاتشر لم تكن جنرالاً عسكرياً كتشرشل، ولا مثالياً كأتلي، ولا منظّراً فلسفياً كماكدونالد. إنها لم تكن مفكرة ولا فيلسوفة ولا عالمة في الاقتصاد والفكر السياسي. لقد اتبعت اقتصاديات السوق لا كنظرية وفلسفة بل كدرس من دروس التدبير المنزلي وإمساك الدفاتر. لا عجب أن يلقبوها في فرنسا بـ«بنت البقال». ولكن بفضل حرص بنت البقال تمكنت بريطانيا من تخفيض عجزها النقدي (الذي تسبب به الرجال) من 550 مليون جنيه إلى 15 مليون جنيه فقط. وكان هذا هو الاقتصاد السياسي الذي اتبعته هذه المرأة. وفتحت بذلك الميدان لتولي النساء إدارة الحكم. وها هي خليفة من خليفاتها، تيريزا ماي، تسلك ذلك الدرب في بريطانيا.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here