رسالة الصدر.. في لقاء السفراء الخمس وزيارة الكويت

يوسف رشيد الزهيري

بعد إنهيار النظام السياسي في العراق ٢٠٠٣ برزت ظاهرة معقدة التركيب في الاتجاهات السياسية والعقائدية والقومية والإثنية تمحورت هذه الظاهرة الغريبة نتيجة التطورات السياسية السريعة التي حدثت في قلب نظام الحكم في العراق في التدخلات الإقليمية لبلدان الجوار مع العراق والتي تعتبر الصناعة المحلية هي المؤشرات الأولى للنشوء وبرعاية الاحتلال الاميركي -البريطاني للعراق .

وبما إن العراق ونظامه السياسي السابق كان محورا للعداء والصراع السياسي مع اغلب دول الجوار في المنطقة فقد استثمرت تلك الدول بل ساعدت في سقوط العراق بيد قوات الاحتلال الاميركي وبدأت صفحة تسوية الحسابات على كل المستويات.

وبما ان العراق الغني بموارده وموقعه الاستراتيجي الذي يتمتع بالثروات والإمكانيات الاقتصادية الكبيرة، فإن بعض الدول الإقليمية المحيطة بالعراق تحاول بشتى السبل أن تتدخل في شؤون العراق وتسعى إلى تحجيم دوره السياسي والعسكري والاقتصادي، ومنع تطوره بسبب قلقها من أن يتسبب نهوضه اقتصاديا وهذا ما شهده العراق من اعمال تخريب وقتل وارهاب وتدمير وصراعات داخلية من جراء التدخلات الخارجية العبثية في الشان العراقي.

وقد مارست بعض النخب السياسية في العراق ممارسات خطيرة في هذا الصدد وجلبت المزيد من الويلات التي قدمت وتقدم العراق على طبق من ذهب للتدخل في شؤونه الداخلية من قبل دول الجوار بغية استقواءها بالخارج على خصومها السياسيين في الداخل، إن عجزالسياسيين عن حل مشاكلهم فيما بينهم يدفعهم باتجاه الخارج، فنجد تدخل الخارج لحساب هذا الطرف أو ذاك غالبا ما يكون على حساب مصلحة العراق، وسيكون وبالا على الشعب العراقي؛ وهذا ادى الى التشتت وفقدان وحدة الصف العراقي ما سمح بالتدخلات الإقليمية في شؤون العراق التي باتت تستغل الخلافات بين الكتل السياسية لمصالحهم الخاصة.

ان هذا الصراع الاقليمي المشحون قوميا وسياسيا وطائفيا لا يصب في مصلحة الشعب العراقي وما له من تأثير سلبي على اوضاعه، فإن كل واحدة منها ستتبنى قائمة سياسية او طائفة بذاتها وتبدأ بحجة حمايتها بالتدخل في شؤون العراق، واستغلال علاقات بعض الساسة العراقيين المذهبية او قومية مع تلك الدول وقياداتها على حساب مصالح العراق وشعبه.

ان تفاقم الصراع بين ‘الشركاء’ في الحكومة وبلوغه المديات التي وصلها اخيراً هو في واقع الامر يعكس حجم تعمق ازمة نظام الحكم، كما انه صراع يدور في واقع الامر بشأن الهيمنة والنفوذ وانتزاع المزيد من المكاسب الشخصية والحزبية الضيقة ؛ ويحمل هذا الصراع الكثير من المخاطر وما لإنعكاساتها من التأثير السلبي على جميع الجوانب ولا سيما السياسية والاقتصادية منها، وهذه الخطايا التي تورط فيها بعض الساسة العراقيين افقدتهم هيبتهم وقدرتهم واستقلال العراق وهذا يدل أن الجهد السياسي للعراق في التعاطي مع الدول الأخرى يتسم بالضعف والتشرذم والانقسام نتيجة غياب التعاون وانعدام الثقة بين القوى السياسية .

أن الاختلاف الفكري وغياب المشروع الوطني الحقيقي بين القادة السياسيين في العراق وضعف الأداء الحكومي أدى الى التشتت والتفرق ووصل إلى حد التناحر والتصارع وتبادل الاتهامات بين الساسة العراقيين وهو ما أدى إلى أن يكون موقف العراق موقفاً ضعيفاً ووفر المدخل وأعطى الفرصة لتلك الدول لأن تتدخل في شؤون العراق، ومن جانب اخر وجود بعض الولاءات من المسؤولين والسياسين للخارج منذ ظهور سقوط النظام البائد، تثير شهية دول الجوار للتدخل في الشأن العراقي، فهو السبب الحقيقي من التدخلات الاقليمية في شؤوننا، وفتح الأبواب على مصراعيها لصراع الأجندات الإقليمية على اراضينا.

ومن هذه المؤشرات والتداعيات الخطيرة على المشهد السياسي ،برزت ظاهرة الإصلاح متمثلة في الوسط الاسلامي الصدري بزعامة رجل الدين مقتدى الصدر والتيار المدني والتي ظهرت كحالة رد فعل وسخط شعبي واسع تجاه فشل النظام السياسي والحد من تدخلات دول الجوار السلبية والذي اسفر تحالفهما السياسي على فوز قائمتهم الانتخابية وتصدرها المركز الاول ودخولهم الى طاولة المحادثات مع القوى السياسية الاخرى لتشكيل الحكومة وفق الرؤية الوطنية الصحيحة في بناء دولة المواطنة تعتمد على مفهوم الكفاءات الوطنية وتلغي مفهوم المحاصصة الطائفية والسياسية.والتي اعتمدت محورا أساسا لكل النقاشات واللقاءات التي اجراها مقتدى الصدر مع قادة الكتل السياسية والذي لم يكن غائبا فيه الجانب الإقليمي؛ولا يمكن عزله عن الوضع السياسي العراقي المعقد بل هذه المرة مختلف تماما بدعوة عامة لسفراء دول الجوار من مقتدى الصدر تخلف عنها السفير الايراني اكد فيها الصدرعلى ضرورة احترام دول الجوار للقرار العراقي وعن عدم التدخل في الشأن العراقي الا بضرورة تخدم العراق وشعبه .

رسالة تحمل بين طياتها إيقاف التدخلات ورسالة اطمئنان للجميع ،ودعوة لدعم المشروع الوطني الجديد في العراق الذي يعتمد احترام كل الطوائف والقوميات والأقليات وقد اكد في هذا المجال اثناء خطاباته ومواقفه الوحدوية الوطنية التي تدعوا الى الاعتدال والوسطية والوطنية.

فيما تعد زيارته الاخيرة الى الكويت، ترسيخا لمفهوم الوحدة العربية والإسلامية والسعي الى دعم المشروع الوطني في العراق على اسس ومفاهيم وطنية .ولا اعتقد ان هنالك مؤشرا سلبيا على الصعيد الوطني ،فخطوات وتحركات مقتدى الصدر خطوات على الصعيد الوطني والعربي مكشوفة وعلنية ،وليس مثل البعض الذين يتخذون من زياراتهم ولقاءاتهم الخارجية السرية والعلنية، صفقات لبيع محتويات الوطن والتآمرعلى بلدانهم وشعوبهم من اجل سلطة البقاء، والنفوذ والامتيازات الشخصية والسياسية.

ان الرسالة الوطنية والدعوات الاصلاحية للسيد مقتدى الصدر الرامية الى ايقاف التدخل الايراني ونبذ العنف والطائفية واقامة دولة وفق المعايير التي تلائم طموحات الشعب العراقي وتؤمن العدالة وعدم تغييب او تهميش اي مكون تلقى ترحيبا عربيا واقليميا واسعا ويراها البعض عودة للعراق للعمق العربي مما يؤمن استراتيجية عربية مقبولة على المستوى الشعبي والسياسي مخالف للسياسات الخاطئة السابقة التي اعتمدها النظام السياسي في العراق في التعامل الداخلي والخارجي .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here