الشيوعيون و الشيعة

كان التحالف المثير للجدل و الغير متوقع بين تيار علماني لا ديني و الى حد كبير الحادي مع تيار ديني مؤمن و متيقن من ايمانه بعد ان عبر مرحلة الشك الى اليقين كما يقال و اذا اضفنا التيار الثالث المشترك بين التيار و الحزب و المقصود به هم الفقراء و الطبقات المحرومة و الذين يشكلون نسبة كبيرة من ابناء الشعب العراقي و يتنافس الحزب و التيار على استقطابهم و ضمهم الى صفوفه بأعتبارهم الجماهير الكادحة التي قد تجد في الحزب الشيوعي ما يمثل طموحها في العدالة و العيش الكريم و قد يكون التيار الصدري هو الآخر المعبر الحقيقي عن مصالحها و المدافع عن وجودها و ان كانت العاطفة الجياشة عند الغالبية من ابناء التيار هي السمة الطاغية في استذكار الأب الروحي الراحل .

كان الشيوعيين في بداية تكون الدولة العراقية الحديثة هم اصحاب النصيب الأكبر في الأوساط الشعبية لما يملكون من شعارات و آراء براقة تجذب الفقراء و الكادحين و كذلك كان لهم الباع الطويل في اقناع العمال و الفلاحين و الطلبة بصحة اطروحاتهم من خلال العديد من الخطباء المفوهين ذو الحجة المقنعة حتى وصلت دعوات الشيوعيين الى عقر دار علماء الدين في مدن العتبات المقدسة و انخرط الكثير من ابناءهم في صفوف الحزب الشيوعي حتى صار بعض المعممين اعضاء في الحزب او على الأقل من المؤيدين و المناصرين له و تقهقر دور رجال الدين و انكفأ وجودهم حتى بات يقتصر على المناسبات الدينية المهمة و التي لها صدى كبير في نفوس العراقيين لا يمكن اغفاله او اهماله و بالأخص ايام عاشوراء و سيرة الأمام الحسين و واقعة الطف في كربلاء و لطالما استغل الشيوعيون تلك المناسبة في نشر دعوتهم في الثورة على الحكم القائم .

كان المد اليساري او بالأحرى الشيوعي في اوج قوته و تغلغله في اوساط الشعب العراقي حتى بات مقلقآ و يشكل خطرآ على الحكومات الملكية المتعاقبة حين اكتظت السجون و المعتقلات بالالاف من الشيوعيين و انصارهم ولم تكتف تلك الحكومات بهذا الأضطهاد و التعسف حتى اقدمت على اعدام قادة الحزب الشيوعي و مؤسسيه ما خلق غضبآ عارمآ و احتجاجات واسعة عمت ارجاء البلاد لكن الحزب الشيوعي و بالرغم من تلك الضربات العديدة و القاسية التي تلقاها ظل متماسكآ و محافظآ على كيانه و كانت قاعدته الجماهيرية في توسع و انتشار حتى بلغ ذروته من نهاية الحقبة الملكية و بداية عصر الجمهورية العراقية .

بعد قيام الجمهورية الذي اعتبره الشيوعيون انتصارآ لهم و نيلآ من خصمهم العنيد الحكم الملكي البائد اكتسح الشيوعيون الشارع العراقي بجماهيره و صارت المظاهرات التي ينظمها الحزب الشيوعي او المنظمات التابعة له تعد بمئات الالاف من المناصرين و المؤيدين و هنا كانت و كما يبدو دوائر المخابرات العالمية ترقب الأحداث عن كثب و تمعن و تستطلع المشهد بعناية و حذر شديدين و عندما احست ان الأمور قد تفلت و ان البلد قد يقع تحت سيطرة النفوذ الشيوعي في أي لحظة و العراق ذلك البلد المهم جغرافيآ و المتخم بالثروات اقتصاديآ و المليئ بالخبرات و الشخصيات سياسيآ و بمعنى آخر انه سوف يكون قاعدة متقدمة للأتحاد السوفييتي في المنطقة ما يشكل خطرآ عظيمآ على المصالح الغربية فيها .

جاءت مقولة احد مراجع الدين الشيعة المعتبرين بحق الشيوعية متماهية و متوافقة مع الأنقلاب العسكري الذي اطاح بالحكومة الجمهورية و التي كان الشيوعيين يؤيدونها و كانت تلك المقولة و التي خطت على الجدران و كتبت على الحيطان بشكل و اسع و متعمد بمثابة الذريعة و الغطاء الشرعي في حملات الأبادة الشرسة التي قام بها الأنقلابيين و التي كان ضحيتها الشيوعيين و انصارهم و التي كانت البداية في افول المد اليساري و تراجعه و الأيذان ببداية المد الأسلامي و انتشاره و مرحلة تأسيس الأحزاب الأسلامية الشيعية منها و السنية فكانت الأحزاب ذات التوجه الأسلامي الشيعي قد بدأت بالظهور مثل حزب الدعوة الأسلامية و كذلك الأخوان المسلمين ذو الصبغة السنية و على الرغم من الأختلاف العقائدي الواضح بين الأسلاميين الشيعة و السنة الا انهما كانا متفقين في شيئ واحد هو العداء للشيوعية و الأفكار الأشتراكية .

مع تنامي الشعور الديني عند شعوب المنطقة و العراق من ضمنها حتى جاءت الثورة الأسلامية في ( ايران ) و اعطت للحركة الدينية زخمآ و دعمآ كبيرين حتى اخذت العديد من الأحزاب و المنظمات الأسلامية بالتشكل في الكثير من دول المنطقة مستمدة قوتها تلك من الثورة الأيرانية و في المقابل كانت رصاصة الرحمة تطلق على التيار اليساري في العالم اجمع عند انهيار الأتحاد السوفييتي و سقوط النظرية الشيوعية و تبعثر الدول الأشتراكية و استقلالها حينها كان اليسار العالمي في ادنى مراحل ضعفه و انحطاطه في حين كان الأسلام السياسي في أوج قوته وعنفوانه حينها انقلبت المعادلة لصالح الأسلام السياسي الذي كانت من افرازاته تنظيم ( القاعدة ) و لاحقآ تنظيم ( داعش ) و مستقبلآ يبقى العلم عند الله .

بعد كل هذا التأريخ من العلاقة المتوترة و غير المستقرة بين التيار الأسلامي و بالأخص الشيعي منه و التيار العلماني و بالأخص الشيوعي منه و على مدى عقود مضت كان الأئتلاف الأنتخابي ( سائرون ) و الذي يضم الخصوم التقليديين و الذي يبدو و كأنه تحالف وقتي آني قام اساسآ في خوض الأنتخابات معآ ليس اكثر و بعد ان تتشكل الحكومة و التي سوف يكون للتحالف ( سائرون ) النصيب الأكبر فيها عندها سوف تظهر الخلافات التي كانت خامدة في فترة الأنتخابات و سوف تطفو على السطح مجددآ بين حلفاء الأمس و يحدث الصدام المتوقع بينهم في تباين واضح في وجهات النظر و الفهم المختلف للمسائل و المشاكل التي تواجه الدولة و المجتمع و التي سوف يتعامل كل طرف من ذلك التحالف وفق نظريته و فكره العقائدي الذي يؤمن به و من هذه المعطيات كان هذا التحالف الهش عرضة للأنهيار و التفرق في أول اختبار حقيقي له فالخليط الغير متجانس سرعان ما تنفر مكوناته و تكتلاته و تعود الى امكنتها الطبيعية و هذا ما سيكون عليه مصير هذا التحالف و اطرافه .

حيدر الصراف

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here