الطلاب الوهميون في أفغانستان… جامعيون منقطعون عن الدراسة يتخرجون مقابل المال

كابول ــ صبغة الله صابر

يراقب عضو لجنة الشفافية الأفغانية محمد حنيف هاشمي بقلق بالغ استمرار ظاهرة منح جامعات خاصة شهادات علمية لطلاب منقطعين عن الدراسة ولا يوجد لهم أي علاقة بالجامعة سوى دفع المصروفات الدراسية، بعد أن رصدت إدارة المؤسسات التعليمية الخاصة في وزارة التعليم العالي مئات الحالات، بحسب ما يؤكد مديرها أمير كاموال لـ”العربي الجديد” والذي لفت إلى أن تلك الظاهرة تدمر مستقبل البلاد، إذ يعمل هؤلاء الطلاب في وظائف ومناصب حكومية بموجب شهاداتهم الجديدة والتي لا تعد نتاجا حقيقيا لعملية تعليمية، ما يؤدي إلى تفاقم ظاهرة الفساد في بلد جاء في المرتبة 177 من بين 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد لعام 2017 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية.

وبدأ ملف هؤلاء الطلاب في التكشف بعد تحذير مؤسسة “سيغار” الأميركية، المعنية بمراقبة المشاريع التنموية والتعليمية في أفغانستان، من الفساد في التعليم الأفغاني، بعد اكتشاف تخصيص ميزانيات لمؤسسات تعليمية وهمية في يونيو/حزيران 2015، الأمر الذي أكده المفتش العام الخاص بعمليات إعادة إعمار أفغانستان جون سوبكو، بالقول: “إن الولايات المتحدة الأميركية أنفقت أموالا على معلمين ومدارس وهمية لا يوجد لها أساس في أفغانستان”، مضيفا أن مسؤولين سابقين في وزارة التربية والتعليم الأفغانية قدموا بيانات كاذبة للحكومة والجهات المانحة الدولية تفيد بوجود عدد كبير من المدارس النشطة في جميع أنحاء البلاد من أجل الحصول على المزيد من التمويل.

الرسوم الجامعية

تسجل الموظف الأفغاني عنايت الله محمد سميع في كلية القانون بإحدى الجامعات الخاصة في العاصمة الأفغانية، بينما يستقر في وظيفته في إقليم بكتيا الذي يعمل فيه جنوب البلاد حسبما قال لـ”العربي الجديد”، مضيفا أنه لم يحضر إلى كابول إلا في وقت الامتحانات الجامعية، ويكتفي بإرسال الرسوم الجامعية مع أحد أقاربه ليسلمها إلى الجامعة ويأخذ الفاتورة.

حالة سميع متكررة بحسب ما يؤكده شريف الله سمسور أحد الموظفين السابقين في إحدى الجامعات الخاصة والذي يلقي باللوم على وزارة التعليم العالي، متهما مسؤوليها بغض البصر عن الجامعات الخاصة التي تهتم بكسب المال عبر هؤلاء الطلاب المنقطعين عن الدراسة، ناهيك بإحجام السياسيين عن القضاء على هذا النوع من الفساد، كما يقول لـ”العربي الجديد”.

ويعترف نائب رئيس جامعة روشان بوجود بعض الثغرات في أنظمة التعليم الجامعي الخاص، في ظل عدم اكتراث بعض الجامعات سوى بالمال الذي تجمعه من هؤلاء الطلاب الراغبين في نيل شهادة جامعية، لكنه يقول لـ”العربي الجديد” أن نظام الحضور تطور كثيرا في جامعته ولم يعد كما كان في السابق، وهو ما يؤكده نائب رئيس جامعة التقوى سيد عبد الحكيم والذي قال لـ”العربي الجديد”:” إن الأمور قد تغيرت، واتخذت الجامعات أخيرا إجراءات من شأنها أن تحسن الأمور أكثر”.

جامعات خاصة مدعومة خارجياً

تهدف بعض دول الجوار إلى توسيع نفوذها في أفغانستان عبر دعم جامعات خاصة تمنح شهادات لطلبة منقطعي الصلة بالعملية التعليمية من أبناء مسؤولين وتجار وفئات وشرائح ذات علاقة بها، بحسب تأكيد مسؤول سابق في الاستخبارات الأفغانية (رفض ذكر اسمه).

ويؤكد المصدر ذاته، رصد دعم بعض دول الجوار لجامعات خاصة تخرج عشرات الطلاب وتمنحهم شهادات دون وجه حق، الأمر الذي يؤيده الدكتور نصيب الله خان (اسم مستعار حفاظا على سلامته الشخصية) والذي كان يدرس في ​إحدى تلك الجامعات، إذ وجد 20 طالبا لم يرهم من قبل في قاعة الامتحانات، مضيفا أنه رفض أخذ أوراق الامتحان منهم لأنه لا يعرفهم ولم تسبق له رؤيتهم في القاعات الدراسية للجامعة، قائلا: “إدارة الجامعة أخرجتهم من القاعة، وأخذت منهم أوراق الامتحان في مكان آخر، وحصلوا على علامات أفضل من الطلبة الذين يحضرون للدراسة”.

فشل حكومي في التصدي للظاهرة

قبل عامين، قررت الحكومة الأفغانية الاستعانة بجهاز الاستخبارات الأفغاني في التصدي للفساد التعليمي في المدارس وبالجامعات الخاصة، إذ أكد الرئيس الأفغاني في مايو/أيار من عام 2016 أنه يتابع قضية الفساد في التعليم، قائلا إنه راجع ملف أكثر من 600 مدرسة في مدينة قندهار وحدها، مطالبا الاستخبارات الأفغانية وشيوخ القبائل بالتعاون مع الحكومة في هذا الشأن، من أجل مواجهة الظاهرة. وشدد الرئيس على أنه مستعد لأن يسمع من الجميع، ويتخذ كل خطوة من شأنها القضاء على الفساد في جميع القطاعات، لا سيما قطاع التعليم، إذ إن الفساد عموما وفي التعليم خصوصا يدمر مستقبل ناشئة البلد.

وعملت الاستخبارات الأفغانية على مراقبة الجامعات الخاصة وتوصلت إلى وجود فساد فيها بحسب تأكيد مسؤول الاستخبارات السابق، والذي قال لـ”العربي الجديد”، إنه من بين الحالات التي رصدناها جامعة خاصة سجلت 1000 طالب وطالبة ولم يحضر منهم على مدى سنوات الدراسة الأربع سوى 600 طالب وطالبة فقط، في حين تخرج فيها 1000 طالب وطالبة.

ورفع جهاز الاستخبارات تقريرا إلى الحكومة مطالبا فيه بإغلاق الجامعة، لكن الحكومة تعرضت لضغوطات عبر طرق مختلفة، وتدخلت سفارة أجنبية داعمة لها، ما منع عملية الإغلاق رغم أن الحكومة أبدت استعدادا أوليا لإغلاق الجامعة عقب وصول تقرير جهاز الاستخبارات إليها بحسب المسؤول الاستخباري.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2017 اتهم أعضاء البرلمان وزيرة التعليم العالي المقالة الدكتورة فريدة مهنمد بالفشل في عملها في إجراء الإصلاحات التعليمية المطلوبة، لمواجهة ظاهرة المدارس الوهمية وطلاب الجامعات المنقطعين عن الدراسة ممن يحصلون على شهادات في مقابل المال، وحجبوا الثقة عنها كوزيرة للتعليم العالي، على الرغم من أن الوزيرة كانت جادة في محاربة الفساد بقطاع التعليم عموما وبوزارة التعليم العالي على وجه الخصوص، كما يؤكد مسؤولو الوزارة وخبراء تربويون لـ”العربي الجديد”، إذ كان من أهم أعمالها وضع آليات شاملة لإجراء إصلاحات في هذا القطاع، لا سيما بالجامعات الخاصة، من خلال برنامج امتحاني شامل لنيل القبول في الجامعات الخاصة على غرار ما يحدث في الجامعات الحكومية للقضاء على ظاهرة إمكانية التحاق أي طالب بالجامعة وانقطاعه عن الدراسة إلى أن ينال شهادة دون وجه حق، كما يقول حنيف هاشمي.

وعلى الرغم من أن الوزير الذي جاء بعد زميلته المقالة، خلف مهمند عبد اللطيف روشان جدد عزمه على التصدي للقضية ولكن لا يبدو أنه سينجح لأن الوزير نفسه صاحب جامعة باختر الخاصة كما يحتاج الأمر إلى مواجهة حقيقية مع البرلمان وكبار المسؤولين المستفيدين من تلك الظاهرة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here