الهجرات العربية بأتجاه الشرق قديما !

الهجرات العربية بأتجاه الشرق قديما ! حضرموت ودورها المحوري في نقل الثقافة الاسلامية الى اقطار جنوب شرق آسيا ! – ح 5 (*)
د. رضا العطار
.
قلنا في الحلقة السابقة ان مدينة تريم في حضرموت مبنية مساكنها من الطين، فلا أثر فيها للحجر، واسوارها الطينية عالية، تحيطها من كل جانب، ومما يثير دهشة المسافر الى حضرموت، كثرة الماذن فيها, ففي مدينة تريم الصغيرة وحدها كانت 365 مأذنة ! فالأثرياء منهم كانوا يكتبون في وصيتهم على وجوب بناء ماذنة بعد موتهم ـ لا مدرسة ولا مستوصف ولا حتى جامع ـ وقد اتفق ان كان عدد الماذن في ذلك اليوم مساويا مع عدد ايام السنة.

واذا دُعيت الى دار احدهم من الاغنياء, دهشت لما تشاهد عنده من مظاهر الترف, فالباب الخارجية جلبت له من سنغافورة واثاث الحديقة من جزر الملايو , كل شئ باللون الاخضر وكانك في غابة استوائية, وعلى المائدة الطويلة اصطفت انواع الطعام والشراب وكانك في قصر احد سلاطين ماليزيا،
كما زينت جدران الدار بنقوش فنية زاهية ذات طابع عربي جميل.

اما مكلا, المدينة الساحلية فهي تعج دوما بالبشر, وقد يصادفك جنود حفاة يستقبلون المراكب الشراعية وهي تسحب ورائها زوارق صغيرة غارقة وقد تمزقت بفعل المد قادمة باتجاه الساحل، المزدحم باسماك ملونة تركها المد قبل ان يرحل, تلتهمها السلاحف الكبيرة المنتشرة على الشاطئ.

من مكلا ابحر الحضارمة الى العالم الخارجي ليعملوا في اوطان بعيدة ويجمعوا ثروات ويبنوا امجاد ويندمجوا بثقافات امم اخرى, يثبتوا فيها قدراتهم على العمل المفيد, علما ان عدد الحضارمة خارج بلدهم كان اكثر من عددهم داخل بلدهم. فالمقيم في الخارج يعيل المقيم في الداخل, فالثروة الموجودة لديهم هي ثروة المهجر. و كان الحضرمي اذا هاجر يعود الى بلاده بعد سنوات ومعه الاموال, يبني فيها ناطحات سحاب من الطين, التي كانت تعرف عندهم يومذاك بالقصور العوالي, ثم يقوم بمزاولة التجارة, فيصدر محاصيل بلاده من تمر وتبغ وحناء وبخور واحجار كريمة, ولا يحمل معه الى الخارج الا عقيدة الاسلام, ينشرها اينما حل, وبالمقابل يستورد من بلاد المهجر الحرير والتوابل وقصب السكر وبعضا من ثقافته وكثيرا من تجارب الحياة.
الحلقة التالية في الاسبوع القادم

* مقتبس من دائرة المعارف الاسلامية لحسن الامين بيروت 1990

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here