الاعتدال والوسطية ..في فكر المرجع الصرخي

احمد الركابي
البعد الأول هو موضوع العدل و النزاهة و الثاني هو موضوع الاعتدال و التسامح والوسطية . و كلا البعدين يمسان حياتنا الراهنة بشكل مباشر و صارخ .. فالحلقة المفقودة في حياة المسلمين هي العدل و الاعتدال و النزاهة و التسامح ليس غير !! و أزمة العدل و الاعتدال تبدو الآن على أشدها فتهمة التطرف طالت المسلمين جميعاً سنة و شيعة بل إنها طالت القرآن الكريم و السنة النبوية حتى وصل الأمر بالبعض من الطرف الآخر أن وصف النبي الكريم –صلى الله عليه وآله وسلم- بالإرهابي الأول في التاريخ الإسلامي و يقصدون بالإرهابي من يقتل الناس بلا تمييز بين المدنيين و المحاربين و بلا تمييز بين أهل الذمة و الخصوم . كما يقصدون به أولئك الذين يريدون فرض مبادئهم بالقوة و العنف دون اللجوء إلى الأسلوب التربوي الذي يعتمد التوافق الاجتماعي بين أفراد المجتمع الإنساني .
أما موضوع العدل عند سيدنا وإمامنا علي -عليه السلام- فهو واضح في سلوكه كله فقد كان العدل هاجساً من هواجسه في ليله و نهاره.
جاء في النهج ما يلي: ” قال عبد الله بن العباس : دخلت على أمير المؤمنين -عليه السلام – بذي قار و هو يخصف نعله فقال لي : ما قيمة هذا النعل ؟ فقلت : لا قيمة له. فقال –عليه السلام – : و الله لهي أحب إلي من إمرتكم إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً ثم خرج فخطب الناس …” . فواضح من هذا الكلام أنه مشغول البال بقضية جوهرية هي إقامة الحق و دفع الباطل. و هذا الهاجس هو مقياس الحاكم العادل الذي يستحق أن يصغى إليه و يطاع
إنه منهج العدل و الاعتدال يلازم الإمام في كل لحظات حياته المباركة التي عكر صفوها الناكثون و المارقون و القاسطون مع الأسف الشديد , و لم يسمحوا لهذا النور أن يمتد إلى كل أرجاء الدنيا ليخلق لنا عولمة الإسلام و يبني عالم السماحة و العدل و الوفاق و الاستقرار بل بقي حسرة في قلوب المؤمنين و عشاق الحرية و الحق و الإنصاف في كل زمان و مكان و أين عدلٌ في الدنيا كعدل عليّ ؟! و أين نزاهة في الكون كله كنزاهة أبي الحسن ؟! و أين تماسك و انضباط و اعتدال و صبر و تحمل , بالرغم من العواصف و الأعاصير , كتماسك و صبر و انضباط واعتدال أبي الحسنين -عليه تحيات الله- !
هذا الهاجس هاجس العدل جاءه من التربية القرآنية و التربية النبوية التي لا تحابي و لا تنحاز. كيف و قد ورد في القرآن الكريم )وإذا قلتم فاعدلوا و لو كان ذا قربى ) 7 . و ورد فيه قوله تعالى ( ولا يجرمنكم شنآن قوم ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ..) 8 .
وفي الواقع أن الاعتدال والوسطية منهج تمسك به وجسده في سلوكه ومواقفه،ودعا إليه المرجع العربي الصرخي في بياناته ومحاضراته ولقاءاته، واعتبره أساساً لبناء الشعوب وعمارة الأوطان حيث قال}لا تبنى الأمم بقوة السيف والبطش والقمع والإرهاب والرشا والإعلام الزائف والمكر والخداع….بل بالفكر والمجادلة بالحسنى وبالإنسانية والرحمة والأخلاق{،مؤكدا على ضرورة أنْ لا يكون للاختلاف في العقيدة والفكر انعكاسات سلبية على السلوك والموقف، حيث يقول
]الاعتقاد في القلب بينه وبين الله، نحن نرفض انعكاسات ما يعتقد به الإنسان على الخارج، تكفير الآخر بالرأي، سواء أكان على أساس الدين أو القومية أو العرق أو المذهب أو أي عنوان من العناوين، هذا الشيء مرفوض وهو أن ينعكس إلى الخارج كسلوك عملي إجرامي تكفيري، والمفروض أن نرفضه سواء كان على أنفسنا أو على الآخرين…[.انتهى كلام السيد الأستاذ
و بهذه الطريقة السديدة و الواضحة يمضي الإمام في العملية التربوية و التوجيهية , و يبث في الناس ثقافة الاعتدال و التسامح و عدم الكراهية و البعد عن التكفير و التطرف و المغالاة حتى في حبّ شخصه الكريم الذي يستحق كل حبّ و إجلال حيث يقول } و خير الناس فيَّ حالاً النمط الأوسط فالزموه { و ينهي عن الشذوذ و الانحراف و الخروج عن الجادة الوسطى.
https://l.facebook.com/l.php…

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here