المياه العراقية بين مطرقة تركيا وسندان إيران

الكاتب : المفكر مصطفى عبدالخالق الشاهر

إن المياة هي في قلب التنمية المستدامة، وهي ضرورية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والطاقة وإنتاج الغذاء وسلامة النظم الإيكولوجية وبقاء الإنسان. كما أن المياه كذلك في صلب عملية التكيف مع تغير المناخ حيث تضطلع بدور الرابط بين المجتمع والبيئة وأن نتائج صراعات المياه تحددها القوى السياسبية, والاقتصادية والعسكرية اكثر مما تحددها حقوق المياه العالمية وتزداد المشاكل المائية فيما بينهما وتعكس على شكل خلافات وتوتر في العلاقات وتؤدي احيانا الى الحرب , لاسيما في الدول التي لها معدل صرف مائي كبير ونمو سكاني سريع ويعتمد بالدرجة الاولى على المصادر الخارجية للمياه وتزداد الاضرار عندما تكون العلاقات السياسية والاقتصادية متوترة بين الدول التي تجري فيها النهر, اما اذا كانت العلاقات قوية بينهما , يمكن ان تؤدي الى عقد اتفاقيات حول توزيع المياه بينهم بدون مشاكل ,كما هو الحال بين دول الاتحاد الاوربي التي يوجد حوالي 175 معاهدة دولية مائية فيما بينهم

اليوم دخل سد (اليسو) التركي إلى العمل ليحرم العراق من نصف حصته المائية من نهر (دجلة) وسد آخر أنشاته إيران على نهر الزاب الأسفل وبدأت آثار ذلك تظهر على نهر (دجلة) في العاصمة بغداد ومدينة الموصل بانخفاض مناسيب المياه إلى حد كبير، وهو ما أثار رعب المواطنين من جفاف سيضرب مناطقهم ومحاصيلهم الزراعية وإن القانون الدولي وضع احكام وقواعد لتقاسم مياه الانهار التي تقعد على نهر واحد كالعراق وتركيا وإيران منها عدد سكان كل دولة من دول النهر ومساحة الجزء من النهر الذي يقع داخل اقليم كل دولة وحجم الروافد والظروف المناخية وسوابق استعمال مياه النهر والحاجات الفعلية لكل دولة وتولت الاتفاقية ذكر المبادئ الاساسية التي يتم بمقتضاها تقاسم المياه للمجاري الدولية وكيفية حل المنازعات المائية وحق جميع دول المجرى المائي في الانتفاع والمشاركة في المياه بطريقة منصفة ومعقولة ان للعراق وتركيا وإيران حقوق والتزامات متبادلة في استعمال مجاري مياه دجلة والفرات اي لا يجوز لتركيا اتخاذ تدابير مضرة بالعراق وتم اعتماد مبدأ الاستعمال المنصف والمعقول لتأمين اقصى الفوائد لكل من العراق واقل الاضرار لهما واحكام القانون الدولي الخاصة بالأنهار او ما يسمى بالاتفاقية الدولية وهي اتفاقية الامم المتحدة لسنة ١٩٩٧ التي تنظم عملية الاستخدام المشترك لمياه المجاري الدولية باعتبار الاتفاقية التشريع الدولي الشامل الذي وضع قواعد الانتفاع المشترك من مياه المجاري الدولية لا سيما وان الفقه الدولي يعتبر دجلة والفرات هي مجاري مياه دولية كنهر النيل والدانوب والامازون وغيره حيث بأمكان اية دولة يمر بها مجرى المياه ان تستعمل المياه التي تجري فوق اقليمها كتركيا مثلا بشرط ان لا يترتب على هذا الاستعمال ضررا لاقاليم الدول الاخرى كالعراق وإن سد اليسو سيوفر نحو 1200 ميغاواط من الكهرباء لتركيا فبذلك يحق لتركيا الإنتفاع من هذا السد لكن مقابل عدم تشكيل اي ضرر للعراق ولو كانت الحكومة العراقية حكومة واعية لكانت إهتمت بهذا المجال وأنشأت السدود لتخزين المياه لكي لا يحصل جفاف جراء إستخدام تركيا لحقها في الإنتفاع وهذا ما ينطبق أيضآ على إيران

ومع الأسف فأن الحكومة العراقية على دراية كاملة لما سيحصل من جفاف لكنها لم تقم بأي إجراء إحترازي لمحاربة الجفاف الذي سوف يحصل حيث كانت هناك دراسات سابقة أجرتها وزارة الموارد المائية العراقية، حذرت من انخفاض حصة العراق، من مياه دجلة، بسبب السدود التي تنشأها تركيا وقال الجنابي “إن الجانب التركي بدأ بإملاء السد، ولدينا اتفاق معه بشأن حصة المياه التي تُخزّن والكميات التي ستطلق، ويستمرّ هذا الاتفاق حتى نوفمبر المقبل كما أصدرت وزارة الموارد المائية الاتحادية، كتاباً منعت فيه زراعة عدد من المحاصيل الزراعية في البلاد، بينها الشلب (الأرز)، بسبب شح المياه الذي يضرب العراق.وأوضحت الوزارة في بيانها، أنه بالنظر للوضع المائي الحرج الذي تعيشه البلاد نتيجة قلة التخزين المتاح في السدود والخزانات ولضرورة تأمين مياه الشرب هذا العام، فإن الأولوية في خطة الوزارة ستكون لتأمين مياه الشرب وزراعة البساتين وللأغراض الصناعية، ولزراعة ما يقارب الـ 600 ألف دونم من الخضراوات و أيضآ كانت وكالة الفضاء الأميركية ناسا قد حذرت في دراسة جديدة من تناقص المياه العذبة بشكل ملحوظ في تسع عشرة منطقة حارة حول العالم ولا سيما في العراق وسورية وأضافت الوكالة أن تزايد اعتماد البلدين على المياه الجوفية خلال السنوات الأخيرة جاء نتيجة اثنين وعشرين سدا أقامتها تركيا على نهري دجلة والفرات خلال العقود الثلاثة الماضية، الأمر الذي جعل الإقليم من بين أكبر المناطق سخونة في العالم وتوقع المؤشرات المائية العالمية، وأبرزها “مؤشر الإجهاد المائي”، إن العراق سيكون أرضًا بلا انهار بحدود 2040، ولن يصل النهران العظيمان إلى المصب النهائي في البحر. وبعد ثمانية أعوام (2025) ستكون ملامح الجفاف الشديد واضحة جدًا في عموم العراق مع جفاف كُلي لنهر الفرات باتجاه الجنوب، وتحول دجلة إلى مجرد مجرى مائي صغير محدود الموارد. بعد جزء أول يخص تدابير تركيا، هنا جزء ثانٍ يخص إيران ورغم كل هذه الدراسات والتحذيرات لم تقم الحكومة العراقي بأي عمل لمكافحة الجفاف

وأخيرآ فأن على العراق أما أن يحل المشكلة بطريقة دبلوماسية مع تركيا وإيران أو أن يتقدم بشكوى لدى محكمة العدل الدولية الا ان المشكلة تكمن في القضاء غير الملزم في اطار القانون الدولي حيث ان لمحكمة العدل الدولية ولاية اختيارية فلابد من اتفاق الدول الاطراف على احالة النزاع للمحكمة وأذا لم يتم حل المشكلة من قبل محكمة العدل الدولية فحينها على العراق أن يعرض المسالة على مجلس الامن الذي سينظرها وفقا للفصل السادس وان تكون هنالك قرارات ملزمة وكل هذه حلول مؤقته فالحلول الدائمية هي إنشاء السدود لتخزين المياه وهذا حل بعيد جدآ عن الحكومة العراقية لأن كل شخص في الحكومة العراقية يفكر في نفسه فقط ولا يفكر بخدمه العراق فهو ينتظر ان تكتمل الأربع سنوات ليتخلى عن المسؤولية لشخص آخر وهذه العملية تعد من أهم مساوئ الديمقراطية

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here