التجربة الديمقراطية بنكهة عراقية

لؤي الموسوي
الديمقراطية مصدر قوة للفرد والمجتمع، هذا ما وجدناه في المناهج الدراسية في كتاب الوطنية الذي كان يدرس في عهد حُكم البعث للعراق، والشِعار الآخر الذي كنا نراه مكتوباً على جدران المدارس ومؤسسات الدولة وكتبها الرسمية؛ وحدة حرية أشتراكية! لا حرية للمواطن العراقي يعبر فيها عن ما في داخله تجاه النظام الحاكم آنذاك.

الديمقراطية في العراق مختلفة تماماً عما هو عليه في العالم أجمع.. النظام البائد “البعث الصدامي” كان يرفع لواء الديمقراطية مجرد شِعار مُفرغ من محتواه دون تطبيق له، أشبه بالديك يأذن دون أن يقيم الصلاة، كذلك الآمر لدى البعث يقر بمبدأ الديمقراطية لكن لا أثر لها على أرض الواقع، رب الأسرة يخشى ان يبدي رأيه في النظام الصدامي أمام زوجته وأولاده والاخ يخشى اخاه والجار يخشى جاره، خوف من الوشاية به لدى الأجهزة القمعية.. يحكم تارةً بالسجن وتارة أخرى بالاعدام حسب مزاج القاضي، كل من أقتنى كتاب سياسي وديني و مارس نشاطاً سياسياً يخالف توجهات حزب البعث، كذلك لا يسلم من العقوبة من أقام الشعائر الدينية سيما الحسينية منها، مقابر جماعية سجناء رأي في المعتقلات ملئى من الرجال والنساء، عوائل هُجرت خارج العراق وكل هذا يدعي أن نظامه كان قائماً على مبدأ الديمقراطية!

حصل أنفراج لدى العراق بعد حرب 2003 التي أطاحت بحكم البعث، تغير فيه نظام الحكم من الدكتاتورية إلى نظام ديمقراطي مُنتخب؛ يختار الشعب الحكومة بأرادته دون أملاءات الحزب الواحد، حصل أنفراج لا نضير له في مسألة تعدد الأحزاب، من حزب واحد يحكم العراق إلى عشرات الأحزاب على أختلاف توجهاتها السياسية والدينية.

دخول الديمقراطية للحالة العراقية دُفعة واحدة، كان لها اضرار جانبية، من كبت وحرامان كامل إلى حرية مفرطة، يفعل ما يريده دون قيد وشرط لا مرعاة للقوانين منطلقاً من مبدأ اللامبالاة مع أنعدام في الذوق العام والتعدي على حقوق الآخرين، ينصب نفسه قاضياً يحكم لصالحه على أنه على صواب دائم والآخرين ليس على صواب، في سبيل تحقيق مبتغاه.

حدثت ضبابية كبيرة حول مفهوم الديمقراطية من قِبل الساسة والمواطن على حدٍ سواء، الساسة المهووسون في حُب السُلطة وزينتها وما ينال صاحبها من أمتيازات ومكاسب في أستغلال المنصب، جعلته يتشبث بها مستخدماً الوسائل المشروعة وغير المشروعة لبقاءه، وأن كان على حِساب دينه ومجتمعه غير مكترث لما تؤول اليه أمور البلاد والعباد، لا يهمه سوى كرسي الرئاسة بعد ما ننطيها! كأن ارحام النساء أصابها العقم لم تلد الرِجال بعد، أخرون أقاموا الدنيا ولم يقعدوها بمجرد خسروا السباق الأنتخابي؛ طعون شكاوى اعتصامات حرق صناديق المطالبة بتمديد عمر مجلس النواب قدر المستطاع، كل هذا في سبيل المحافظة على مكاسبهم وليس المحافظة على مقدرات ومكتسبات الوطن والمواطن هذا ما يخص الساسة.. اما ما يخص المواطن، اعتداءه على الأخرين في أبسط صوره متمثلاً في رفع صوته، وممارسة ممارسات بعيدة عن الذوق والأخلاق والدين والتعدي على حقوق الآخرين! الغرب لا يمارسها في بلاده التي يطغي عليها التحرر، متذرعاً حريتي الشخصية نابعة من الديمقراطية.. لم يهضم الساسة والمواطنين بعد مفهوم الديمقراطية ألا بعد أجراء صعقات في مبادئ الديمقراطية التي من أهدافها الإيثار بالمكاسب الفئوية من أجل المجتمع وليس الإيثار بالمجتمع من أجل المكاسب الفئوية كما هو عليه الآن في أرض الرافدين.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here