ما احوجنا الى قائد مثل انجلينا جولي

بعيدا عن الدستور الذي يطبق حسب الاهواء والمصالح الشخصية للمسيطرين على مقاليد الحكم في العراق، وبعيدا عن الانتماء الطائفي الذي على اساسه توزع المناصب السيادية في العراق الديمقراطي!!، وبعيدا عن الارتباطات والتبعيات لنيل مباركة الدول الاقليمية لتسنم منصب رفيع بمستوى رئيس الوزراء!!، وبعيدا عن كل المزايدات الوطنية التي نسمعها من الوطنيين ( حتى النخاع ) الذين دمروا الوطن وساكنيه منذ تسلمهم للسلطة، وبعيدا عن كل المثاليات والشعارات الرنانة التي تلاعب مشاعر وعواطف الشعب العراقي لكسب صوته ومن ثم سرقة قوته ومستقبله، فان العراق بحاجة الى قائد نزيه ومخلص يخرج الوطن من محنته التي يتمرغ فيها، قائد يبكي على العراق وتاريخه وحضارته قبل ان يبكي على رصيده المصرفي ولالقاب التي ترافق منصبه.

من غير المعقول ان نعمم فكرة النزاهة والوفاء والاخلاص وحب الوطن على قومية او طائفة او دين او مذهب او حزب محدد، لان هذه الصفات ليست وراثية او انتمائية بقدر ما هي تربوية اجتماعية لان الفرد يكتسبها من تربيته البيتية وبيئته الاجتماعية اكثر بكثير من اكتسابه لها بانتمائه ايا كان، لذلك عند اختيار شخصية لتسنم منصب ما ( خصوصا عندما يكون هذا المنصب يحدد حاضر ومستقبل البلد ) يجب معرفة تاريخها واهوائها وليس معرفة انتماء تلك الشخصية للوثوق بها ووضعها في اعلى المناصب في الدولة، فلا يمكن ابدا ان نختار لصا لرئاسة الحكومة او الجمهورية او مجرما لرئاسة البرلمان لان انتمائه يفرض علينا ذلك ( باستثناء العراق طبعا!!! لان الانتماء طغى على كل المباديء والقيم في اختيار الافضل والانسب، لذلك ليسا عجبا ان نرى المجرمين في اعلى المناصب )، بل يجب اختيار الاوفى والافضل والاكثر اخلاصا لقيادة البلد، لان البلد ليس ورثة او ملاك عقاري مسجل باسم طائفة او مذهب او قومية او حزب معين.

في زيارتها الاخيرة للعراق قامت سفيرة النوايا الحسنة في الامم المتحدة لشؤون اللاجئين الممثلة الامريكية انجلينا جولي بتفقد مدينة الموصل والدمار الذي لحق بهذه المدينة جراء احتلالها من قبل تنظيم داعش ومن ثم تحريرها من قبل الجيش العراقي، وفي وصفها للمدينة قالت ” هذا اسوأ دمار شاهدته في كل سنوات عملي مع المفوضية..”.

زيارة انجلينا جولي للعراق لم تكن لعقد صفقة اسلحة مع الحكومة العراقية، ولا للتوقيع على عقود نفطية تستمر عقود من الزمن، ولا لاستلام حصتها من الاموال المنهوبة من خزينة الدولة العراقية، ولا لتسنم منصب حكومي او تشريعي لخداع الشعب وتضليله واستغلال معاناته ومآسيه لتحقيق مصالح ومنافع شخصية، بل زارت العراق لتقديم مساعدات اممية الى ضحايا الارهاب والنزاعات المسلحة، واضافة الى ذلك فانها تبرعت بمبلغ مليوني دولار من حسابها الشخصي لمدينة الموصل.

ليس هناك رابط مذهبي، طائفي، قومي او حزبي بين الممثلة الاميريكية انجلينا جولي، التي قطعت الاف الكيلومترات لتقديم المساعدات الانسانية، وبين الشعب العراقي لكن هناك رابط الانسانية الذي يربط هذه المرأة بالعالم وتتعامل به مع الضحايا والفقراء بغض النظر عن كل الانتماءات الجغرافية والاثنية والدينية، لذلك فان مواقفها موضع تقدير العالم اجمع.

على قادة ومسؤولي العراق الجدد ان يتعلموا من امثال انجلينا جولي ليس في التعامل مع كوارث العالم وفقرائه، بل على الاقل في التعامل مع ابناء شعبهم، فمنذ استيلائهم على السلطة بعد 2003 والعراق يخطو الى الوراء من جميع النواحي اضافة الى السلب والنهب والاستيلاء على المال العام وهدر الدماء والتقامر بحاضر ومستقبل الشعب من قبل كل من تسنم وظيفة ما في اجهزة ومؤسسات ودوائر الدولة ( الرشوة والاختلاس والنهب والسرقة وخيانة الامانة ليست مقرونة ومرتبطة بمنصب معين دون غيره بل تشمل الجميع من ادنى وظيفة الى اعلى واسمى وظيفة في البلد )، فلو كان من بين جميع الذين تقاسموا السلطة والغنائم واحدا فقط!!! بتفكير وانسانية وروح انجلينا جولي في التعامل مع الضحايا والفقراء لما وصل حال العراق الى ما هو عليه الان.

جاءت حكومات وذهبت اخرى الى غير رجعة واسست مجالس وبرلمانات باعضاء انتهازيين وبيادق شطرنج همهم الاول والاخير تمرير منافعهم وتحقيق مصالهم الشخصية، وجرب الشعب كافة الانواع والالوان من السياسيين والقادة و… ورغم ذلك لم يذق العراق طعم الاستقرار ولم يتهنى الشعب بخيراته ابدا، والسبب لم يكن في الذين حكموا فقط بل في الذين صفقوا وطبلوا وزمروا، والخلل كان في التسيب وسيادة قانون الغاب في البلد.

الوطنية وحب الوطن لا يكمنان في الانتماء الى بلد ما بالهوية والولادة بل يكمنان في ما يستطيع الانسان تقديمة لبلد ما، فما فائدة ان يحكمنا عراقي الهوية والمولد يدمر وينهب ويشرب بكؤوس من ذهب من دماء العراقيين لا تربطه بالوطن الا ما يدخل جيبه وخزائنه من غلات الحرام؟

همسة:- انجلينا جولي ليست عراقية ولم تنهب او تستفد من اموال العراق سنتا واحدا لكنها قطعت الاف الكيلومترات لتفقد الضحايا والدمار وتبرعت بمليوني دولار لمدينة موصل، اما العراقيين الذين يحكموننا نهبوا مئات المليارات وضحكوا على عقولنا كل هذه السنين لم يجهدوا نفسهم يوما بزيارة عائلة مهجرة او طفل يتيم او مدينة مدمرة لتقديم الدعم المعنوي وليس للتبرع!.

كوهر يوحنان عوديش

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here