مدينة السودان الرياضية…اقتطاعات غير قانونية أضاعت مليون متر مربع من مساحتها

الخرطوم – مي علي

يخشى العَداء السوداني إسماعيل أحمد الحائز على فضية 800 متر في أولمبياد بكين عام 2008، من فقدان مهارته ولياقته البدنية، في حال انقطع عن التدريب في الملعب الوحيد المؤهل والمتوائم مع تدريباته غير أنه مخصص للعسكريين جنوبي الخرطوم.

وبينما تتسارع أنفاسه عقب انتهائه من تمرين مسائي قال أحمد لـ “العربي الجديد”، لا أنتمي إلى الجيش، من الممكن أثناء التمارين أن يأتي العساكر لممارسة الرياضة، وقطعاً لا يمكن منعهم، لأن الملعب مخصص لهم وحينها سأضطر لقطع التمارين، في ظل عدم توفر ميادين تلائم تدريباتي مثل هذا الملعب، سمعنا من قبل عن إنشاء ميدان للركض ضمن المدينة الرياضية لكن حتى اليوم لم يكتمل المشروع”.

اكتمال مشروع المدينة الرياضية حلم يراود السودانيين منذ أكثر من ثلاثة عقود، كما يؤكد وزير الرياضة السابق حيدر جالكوما (تولى منصبه خلال الفترة من يونيو/حزيران عام 2015 وحتى مايو/أيار من عام 2017) والذي يعتقد أن سبب تأخر الأمر يرجع إلى أن الدولة لم تضع إنشاءات المدينة الرياضية ضمن سلم أولوياتها بالرغم من إصدار رئيس الجمهورية قراراً عقب تكليفه بالوزارة في عام 2015 بتكوين مجلس مهمته بناء المدينة الرياضية يتبع لرئاسة الجمهورية، مع تحديد مدة عامين من إنشاء المجلس لإنجاز المهمة التي لم تكتمل حتى الآن، فما الذي حدث للمشروع الذي ينتظره رياضيو السودان؟

تقلص مساحة المدينة الرياضية

تؤكد وثيقة رسمية صادرة في الرابع من فبراير/شباط 1991 اطلعت عليها معدة التحقيق، صدور قرار يحمل الرقم 45 من رئيس مجلس قيادة الثورة وقتها عمر حسن البشير، تم بموجبه تحويل الأرض الزراعية التي تحمل اسم الساقية 33 مطري الجريف غرب، الواقعة جنوب شرق الخرطوم والمكونة من 354.32 فدانا بمساحة مليون وأربعمائة ألف متر مربع (م2) من أراض زراعية إلى سكنية، وتخصيصها للمدينة الرياضية، على أن تسجل باسم وزارة الشباب والرياضة دون تعويض لأصحابها، وحسب خطاب رسمي بعث به المستشار القانوني لرئيس الجمهورية أحمد إبراهيم الطاهر إلى وزارة التخطيط العمراني في الـ 25 يونيو/حزيران من عام 1994 أفادهم فيه بموافقة رئيس الجمهورية على تعويض أصحاب الأراضي المنزوعة واستقر رأي لجنة المظالم أن يتم تعويضهم بواقع 500 متر مربع سكني في مقابل الفدان الواحد المخصص للمدينة، في المنطقة الواقعة جنوب السوق المركزي بالخرطوم، لكن في يونيو/حزيران من ذات العام وقع أول تقليص لمساحة المدينة لتصبح 1.355.000 م2 بعد تخصيص 85 ألف م2 من المساحة لصالح جامعة أفريقيا العالمية، بعد موافقة وزير الدولة بالتخطيط العمراني يوسف عبد الفتاح على طلب رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة وقتها علي عثمان طه.

الاقتطاع الثالث من أراضي المدينة تم في يوليو/تموز من العام 1995 إذ وافق رئيس الجمهورية على منح هيئة مصحف أفريقيا قطعة من أراضي المدينة بمساحة 35 ألف م2 غرب جامعة أفريقيا، وهو الشيء الذي وافقت عليه لجنة التخطيط العمراني بولاية الخرطوم في ديسمبر/كانون الأول من ذات العام بعد أن وصلتها مخاطبة رسمية من وزير رئاسة الجمهورية وقتذاك عبد الرحيم محمد حسين، وبهذا تقلصت مساحة المدينة الرياضية حينها إلى 1.320.000 م2.

بيع الأراضي

في عام 1997 أصبحت مساحة المدينة الرياضية 1.235.640 م2، من المساحة الكلية، بعد موافقة لجنة التخطيط العمراني على بيع 196 قطعة سكنية بمساحة إجمالية تبلغ 84.360 م2 وهي ما يعرف بـ “مربع 29 حي الأزهري” جنوب المدينة الرياضية، تنفيذاً لقرار وزارة الشؤون الهندسية بولاية الخرطوم الذي يقضي بعرض الجزء الجنوبي من المدينة الرياضية المطل على السكة الحديد إلى قطع استثمارية سكنية بالاتفاق مع القائمين على المدينة الرياضية وبيعها وتخصيص ريعها لصالح بناء مقصورات الإستاد الأولمبي.

وبرر وزير الشؤون الهندسية بولاية الخرطوم شرف الدين بانقا بيع تلك المساحة بالقول: “شعرنا أن مساحة المدينة سيتم استقطاعها باستمرار لعدم وجود تمويل للبناء، كما أن عدم تعميرها سيجعل المنطقة عرضة للسكن العشوائي، وتمت عمليات البيع عبر مصلحة الأراضي وقمنا بتسليم الشيكات لوزارة الشباب والرياضة”، مضيفا لـ”العربي الجديد”: “من الخطأ من ناحية تخطيطية تخصيص كل تلك المساحة الشاسعة لبناء مدينة رياضية شاملة، كان يجب توزيع ميادين وصالات الأنشطة في مدن الولاية الثلاث “الخرطوم، الخرطوم بحري، وأم درمان” لإحياء تلك المدن وإحداث انتعاش اقتصادي بها، لكن وزارة الشباب لا تريد استيعاب هذه النقطة”.

مخالفة القانون

التقرير الذي قدمة وزير الشباب والرياضة حاج ماجد سوار أمام البرلمان في نهاية 2012 يؤكد أن عمليات البيع لم تقف عند هذا المخطط السكني وحده، بل تم التصرف في بيع مربع 26 الأزهري بمساحة 323.850 م2 بواسطة الشؤون الهندسية التابعة لولاية الخرطوم، وامتداد “مربع 29 الأزهري” بمساحة 55.800 م2، ومربع جنوب السوق المركزي الواقع شمال مربع 26 الأزهري بمساحة 134.880 م2، كما منحت جمعية أصحاب الميمنة مساحة بلغت 42.000 م2، بالإضافة إلى مساحات مختزلة للشوارع شرق وجنوب المدينة 264.885 م2 بواسطة الشؤون الهندسية حتى تقلصت المساحة إلى 414.225 م2 فقط، ويؤكد سوار أن التعديات تخالف الدستور الانتقالي لسنة 2005 وتخالف قانون الأراضي وقانون التخطيط العمراني والتصرف في الأراضي لسنة 1994 والمادة 183 من القانون الجنائي لسنة 1991، فيما دافع وزير الشؤون الهندسية في حكومة ولاية الخرطوم في مطلع التسعينات المهندس شرف الدين بانقا عن تصرفهم في أراضي المدينة الرياضة قائلا لـ”العربي الجديد”:” لجنة الشؤون الهندسية التابعة لولاية الخرطوم، لم تتصرف في أي شبر، دون أن يكون ذلك بمكاتبات وأوراق رسمية”، ولإثبات ذلك عرض على معدة التحقيق وثائق وأوراقا لعمليات استقطاع الأراضي التي تمت في عهده.

وتنص المادة (5) من قانون نزع ملكية الأراضي لسنة 1930 وتحت عنوان الإعلان بنزع الملكية المزمع، على أنه “إذا قرر رئيس الجمهورية مباشرة السلطات المخولة له بموجب أحكام هذا القانون لنزع الأرض لغرض عام، على أن يصدر إعلاناً بتوقيعه في ذلك المعنى، ونشر ذلك الإعلان في الجريدة الرسمية ويشتمل على، وصف الأرض ومساحتها التقريبية وبيان المكان الذي يمكن فيه الاطلاع على خريطة الأرض، وبيان أن رئيس الجمهورية قد قرر نزع ملكية الأرض لغرض عام”، لكن ذلك القانون تمت مخالفته كما يقول المحامي السوداني نبيل أديب عبدالله رئيس مرصد السودان لحقوق الإنسان، والذي لفت إلى أن القانون أعطى الحق لرئيس الجمهورية، بإصدار قرار بنزع الملكية، لتحقيق المصلحة العامة، لكن الأراضي المخصصة تم اقتطاعها لأغراض أخرى رغم سابق تخصيصها للمنفعة العامة”، مؤكدا عدم مشروعية التصرف في أراضي المدينة الرياضية بعد تخصيص تلك الأرض لغرض محدد، بالتالي لا يمكن لأي جهة التنازل عن تلك الأراضي، حتى وزارة الشباب والرياضة لا يمكنها التنازل عن أي مساحة من الأرض، لأنها تحولت للصالح العام وخصصت لغرض معين، ولا توجد مادة في القانون تنص على نزع جزء من عقار ومنحة لعقار آخر.

المساحات المفقودة محل نزاع

تجاهل وزير الرياضة السوداني السابق حيدر جالوكما إبان شغله لمنصبه الاستفسار عن مليون متر مربع ضاعت من المساحة المخصصة للمدينة الرياضية وفق إفادته قائلا : “منذ بداية تسلمي لمهام الوزارة تجاهلت كل الملفات الخاصة بالمساحات المفقودة من أراضي المدينة الرياضية، وركزت جهودي على بناء السور الخارجي للمدينة بغرض حماية المتبقي من المساحة”، وهو ما استغرق 6 أشهر، نتيجة موانع واعتراضات من شركة “دلش للمزادات”، المنفذة لمشروع محال تجارية، تم بناؤها بمساحة 300 م2 على الشريط الغربي للمدينة الرياضية، مما اضطر الوزارة للدخول في نزاع قانوني مع الشركة التي تمتلك تلك المحال، وحسب جالوكوما فإن المحكمة أمرت بإزالة المحال، لعدم قانونية عقود البيع وجاء الحكم لصالح وزارة الشباب والرياضة.

لكن المدير العام لشركة المزادات، محمد دلش دافع عن قانونية ملكيتهم للأرض المستقطعة من المدينة الرياضية بقوله “عُرضت مساحة من الأرض تفوق الـ 20 ألف متر مربع من مساحة المدينة الرياضية للبيع بواسطة المزاد العلني عبر المحكمة باعتبارها أرضا حكومية، ونحن اشتريناها بأوراق رسمية وفوجئنا في منتصف العام 2013 بأمر الإزالة الصادر من الجهات الرسمية، وقمنا برفع قضية استئناف، والمحكمة حكمت لصالح الشركة بأحقيتنا في ملكية الأرض، لكن وزارة الشباب والرياضة قامت باستئناف الحكم، وفوجئنا بإزالة المباني بشكل كامل، وبالقوة ودون أي تعويض في منتصف 2016”.

الافتتاح المؤجل

تقلص عدد الملاعب الأولمبية نتيجة الاقتطاعات المتواصلة مع المساحة الكلية للمدينة التي كانت مطابقه للمواصفات المطلوبة للألعاب والأنشطة الأولمبية بحسب جالوكوما، الذي يرى أن تقلص مساحة المدينة الرياضية سيؤثر في المستقبل البعيد على باقي الألعاب الأولمبية، مع وجود 93000 متر خارج السور الشرقي للمدينة لم تتم إحاطتها بعد بالسور، مضيفا أنه “كان من المخطط افتتاح المدينة في احتفالات البلاد بعيد الاستقلال في يناير/كانون الثاني الماضي، إلاّ أنها تأجلت لعدم اكتمال الإنشاءات التي بلغت نسبتها 76%، وانحصرت فقط في الهيكل الخرساني للمدينة الرياضية”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here