بارزاني ومشروع السلام الذي رفضه المجتمع الدولي

 محمد واني

ظل الزعيمان الكورديان جلال طالباني ومسعود بارزاني يحلمان بتحقيق الأهداف القومية من خلال الدستور والقوانين ، وبناء دولة عراقية اتحادية ديمقراطية في منطقة غير ديمقراطية، تعج بالأنظمة الدكتاتورية، وضحيا بإقليمهما المستقل إداريا عن بغداد في سبيل هذا الغرض، وأبديا ثقة واسعة وحسن نية بالأحزاب الشيعية «المتحالفة!» التي سعت إلى إعداد القوة وتهيئة أسبابها خلافا للتوجهات الكوردية السلمية.

يبدو أن أبرز سياسيين كورديين لم يقرآ واقع المنطقة على حقيقته المُرة القائمة على القوة، فضيعا على الأمة الكوردية سنوات طويلة من عمرها في الجري وراء سراب الديمقراطية ووعود الشيعة المتحالفين الذين فهموا اللعبة جيدا، وأدركوا أن القوة وحدها هي التي تحكم وتدير دفة السياسة في المنطقة، فهيمنوا على مفاصل الدولة وأحاطوا أنفسهم بقوات أمن رادعة وميليشيات عقائدية قوية جاهزة لأي حالة طارئة.

ولم يدرك هذه الحقيقة غير مسعود بارزاني متأخرا، عندما غاب طالباني عن المشهد السياسي بسبب مرضه ومن ثم موته ، وإدراكه أن الحرب مع القوات الشيعية آتية لا محالة، ولن يحول بينها وبين اندلاعها أي عائق، هكذا فهم بارزاني من التصريحات النارية اليومية التي كان يطلقها السياسيون وزعماء الميليشيات الشيعية ضده وضد الكورد وتهديداتهم المستمرة بشن حرب إبادة شاملة على الكورد ، كما فعل زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، واتبعه الشيخ جلال الدين الصغير القيادي في المجلس الأعلى الإسلامي وإمام وخطيب جامع «براثا» الشيعي الشهير الذي هدد الكورد في العراق بالإمام المهدي ، حيث وصفهم بالمارقة، وقال «إن الكورد هم المارقة المذكورون في كتب الملاحم والفتن الذين سينتقم منهم الإمام المهدي حال ظهوره». وأعقب قائلا «إن أول حرب سيخوضها المهدي ستكون مع الكورد، وإنه لن يقاتل كورد سورية أو كورد إيران وتركيا بل سيقاتل كورد العراق حصراً». وكانت هذه التهديدات الشديدة كافية لبث الذعر في قلوب الكورد ليبحثوا عن حل جذري للتخلص من الكابوس العراقي!

وقد أيقن بارزاني تماما أنهم بصدد هجوم كاسح على إقليم كوردستان من قبل الشيعة وأنهم مصممون على خوضه بعد أن يصفو لهم الجو وينتهوا من تنظيم «داعش» في آخر معاقله في مدينة الموصل بأي ثمن ، وقد شعر بتلك المخاوف وأعلنها مرارا وفي مناسبات عديدة ، ونقل هذه المخاوف الى عواصم الدول الغربية والعربية والأمم المتحدة وحذرها من خطر ماحق يطول شعبه عن قريب ، ولكنها لم تحرك ساكنا ، وبعد أن فشلت كل الجهود الخارجية والداخلية لثني رئيس الوزراء السابق نوري المالكي عن عدوانه المبيت ضد الإقليم ، وإنهاء الحصار الجائر الذي دام أربع سنوات عجاف، قرر اللجوء أخيرا إلى قوة «الجماهير» وإجراء الاستفتاء للانفصال نهائيا عن العراق قبل استفحال الأمر ووصوله إلى مواجهة مسلحة شاملة وحرب قومية عربية كوردية لا تبقي ولا تذر، ولوضع حد للعلاقة المتدهورة الدائمة بين بغداد وأربيل وبدء علاقة جديدة قائمة على الجيرة الطيبة والأخوة الإسلامية ووضع نهاية للصراع التاريخي الطويل الدامي بين الشعبين والامتين ! ولكن يبدو أن المجتمع الدولي مصرّ على إبقاء العراق والمنطقة على حافة النار ، ويظل الكورد دائما ورقة جاهزة بيده لاستعماله متى شاء ضد من يشاء!

* كاتب عراقي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here