الحكومة الغائبة والكلاب السائبة ..!

قاسم حول

حاول مجلس محافظة البصرة التقليل من عدد الكلاب السائبة المنتشرة في مدينة البصرة “ثغر العراق الباسم” وحددها بأربعة آلاف كلب سائب، فيما تفيد التقارير بأن عدد الكلاب السائبة بلغ عشرين ألف، والفرق بين الرقمين كبير جداً. إن إحصاء عدد الكلاب السائبة مستحيل. فالشعب العراقي ولأغراض دقة الإنتخابات ومنذ عشرات السنين لم يتم إحصاء عدد السكان وتقديم الرقم الصحيح كي يبني العراق إقتصاده على ضوء عملية العد السكاني وتوزيع ثرواته على أتم وجه وبشكل عادل، فكيف يمكن إحصاء الكلاب السائبة؟ في التعداد السكاني يمكن أن يصدر قرار من ديوان مجلس الوزراء بمنع التجول والقيام بالتعداد السكاني، فكيف يلتزم الكلاب بمنع التجول وكيف تضمن بأن الكلب السائب في البصرة القديمة لا ينتقل إلى محلة الساعي، لزيارة حبيبة العمر لإنجاب مزيد من الجراء ومن الجنسين، ومعروف أن الرغبات الحيوانية غريزية “وما بيها مستحى” ولهذا سوف يتضاعف عدد الكلاب في مدينة البصرة والإنتقال من المحافظة إلى المحافظات الآخرى “وشجابه للغراف طير المجرة”!؟
طبعا للعلم لا توجد في أوربا كلاب سائبة، فالكلاب لها مشافيها وسيارات الإسعاف الخاصة بها ولها مسابقات جمال ويوم تفوز كلبة في مسابقة جمال فإن أهلها يتلقون التهاني ويتبادلون الهدايا بين الجار وجاره، وتقرع كؤوس النبيذ وتتصدر الكلبة الفائزة طاولة الإحتفال!
في اليمن الجنوبي أيام زمان كثرت الكلاب السائبة، ومعروف أن اليمن الجنوبي كان دولة إشتراكية شيوعية، وكانت تتحالف مع البلدان الإشتراكية ومنها كوريا الشمالية. ومعرف بأن طعام الكوريين المفضل هو لحم الكلاب، ويوم يحصلون على جرو صغير “قوزي” يكون ذلك اليوم مبعث سعادتهم. فعندما وفد الخبراء من كوريا الشمالية ودخلوا اليمن لإقامة المشاريع، كانوا يسخرون من أبناء اليمن ويعتبرونهم مغفلين إن بين أيديهم هذه الثروة الهائلة، ولا يستفيدون منها، فبدأوا بإستدراج الكلاب وذبحها وعاشوا سعداء وفي رخاء إقتصادي حين توفرت لهم اللحوم المجانية. وقد تمكنوا من تخليص اليمن من الكلاب السائبة! قد يكون هذا الحل مناسبا لمحافظة البصرة في جلب خبراء من الكوريتين لأعمار ما تهدم بعد خراب البصرة، وفي ذات الوقت يخلصون المدينة من الكلاب السائبة!
عندما ظهر أحد “خبراء” البصرة الكرام أمام عدسات التلفزة، صرح بأن المحافظة تحتاج إلى أربعة آلاف حبة لأطعامها للكلاب السائبة ويتم التخلص منها، وطبعا هذا تصريح خطير حين يصل الخبر إلى جمعيات الرفق بالحيوان، فسوف تعلو أصوات الأوربيين المولعين بتربية الكلاب إحتجاجا على إماتة الكلاب، وسوف يعزون سبب هذا الإقتراح الهمجي إلى طبيعة الديانة الإسلامية!
الكلاب في أوربا طبقات وجينات مختلفة الأمزجة والمهام والألوان. هناك كلاب بوليسية وهناك كلاب تهدى من الضمان الإجتماعي لغير المبصرين تقودهم في الطرقات وتعرف إشارات المرور ويقودون صاحبهم بأمان إلى داره. وهناك كلاب متخصصة فقط بالشم، شم المخدرات والنقود المهربة. وللكلاب حدائق ومساحات خضراء يأخذ أصحاب الكلاب كلابهم من الجنسين كل يوم أحد لتأمين حقوقهم الجنسية!
الحديث عن الكلاب ومشاهدة الكلاب السائبة التي تصورها القنوات الفضائية وعلاقة الصورة المتحركة بحدقة العين فيزيائيا تجلب الأحلام للمتلقي، وسوف ينام العراقيون ليلا تؤرقهم الكلاب بأشكال سوريالية في مناماتهم وأصوات مجسمة وتنهش جسد الحالم أو تعضه. أو تتجسد الصورة عند الحالم من رجال الدين، فيرى نفسه مع شلة من أصحاب العمائم وهم يركضون في أنفاق سوداء نحو المجهول تطاردهم الكلاب السائبة بأحجام خرافية غير طبيعية وقد تلحق بهم الجرذان التي توصف بأنها بلغت حجم القطط بسبب طبيعة الأمراض والأطعمة المغذاة بمواد كيميائية حافظة، فيحمد المؤمن الجوامع والحسينيات حين يستيقظ على صوت الآذان فجرا الذي خلصه من الحلم المرعب، فيروي حلمه للزائرين ويثقفهم بفوائد ونعمة صوت آذان الفجر الذي يوقظ الحالم ويخلصه من كوابيس الكلاب السائبة في زمن الحكومة الغائبة!
أحد الأذكياء سمع الخبير البصري، وهو يتحدث عن أربعة آلاف حبة لأربعة آلاف كلب تقدم لهم مع وجبات الطعام، فخطرت له فكرة جهنمية لأحداث إنقلاب عسكري أبيض، وسوف يصحو الناس ذات يوم ويسمعون البيان الأول وينظرون من نوافذ بيوتهم وهم يشاهدون سيارات الإسعاف تدخل مسرعة للمنطقة الخضراء وتخرج مسرعة منها!
سينمائي وكاتب عراقي مقيم في هولندا
العالم

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here