وجوه الغرب البريئة!

علاء كرم الله
عنوان المقال هو ليس عنوان لقصة قصيرة أو عنوان لرواية، بل هي عبارة ذكرها لي أخي عندما كان يدرس الدكتوراه في أحدى دول الغرب أبان ثمانينات القرن الماضي نقلا عن زميل له كان يدرس الدكتوراه أيضا قالها (هذا الزميل، لعائلته وهم في سفرة عائلية ترويحية (وداعية)! كما يقال في لهجتنا الدارجة بعد أن حصلوا على شهادة الدكتوراه، حيث قال لأبنائه وزوجته أشبعوا من هذه المناظر الجميلة ومن وجوه الناس البريئة،فلم يبق لنا أيام قلائل ونعود للعراق!). نقول حقا أن وجوه الناس هناك في دول الغرب المتمدن والمتحضر، وجوه مليئة بالفرح والبشرى وتحمل الكثير من البراءة والطيبة والتواضع وتقرأ السلام والأمان والصدق فيها فهي تتفجر أنسانية وعطف وحنان ، يبادروك بالأبتسامة أينما يلقوك ومعها كلمة (سووري أو باردو) وتعني العفو بالأنكليزي والفرنسي، مع أنحناءة تدل على الرفعة والتواضع والذوق والتحضر، تشعرك بالطمأنينة والحب، الناس هناك يشعروك وكأنهم جاءوا من كوكب آخر وليس من كوكب الأرض التي نعيش عليها نحن العرب والمسلمين تحديدا!.. نعود الى صاحبنا طالب الدكتوراه ونسأل مع أنفسنا ، ماذا قصد بعبارته (أشبعوا من هذه المناظر الجميلة ومن هذه الوجوه البريئة قبل أن نعود للعراق؟)، هل هو قالها بشكل عابر؟! على أية حال لنترك ماذا قصد، ولكن دعونا نعود الى أخلاق العراقيين بداية تاريخهم الحديث القريب منذ قيام الدولة العراقية عام 1921من القرن الماضي، حيث عرفوا بالطيبة المفرطة والكرم الحاتمي( نسبة الى جدهم حاتم الطائي)! وبالشمم وبالأباء وبالغيرة والروح الوطنية العالية، وعدم السكون والسكوت على المذلة وبحب الوطن، والأيمان بكل معاني القيم والشرف والفضيلة والحياء والتضحية من أجل الوطن كما وعرفوا بأنتمائهم العروبي العالي لمحيطهم الجغرافي العربي، وكذلك بنضالهم الوطني في مقارعتهم للأستعمار والموت من أجل الوطن، ودفاعهم عن كل قضايا الأمة العربية حيث قدموا قوافل من الشهداء بأشتراكهم في الحروب ضد أسرائيل من أجل فلسطين (حروب / 1948 – 1967 – 1973 )، وقصص العراقيين كثيرة في كل ما ذكرناه آنفا عن صفاتهم. فقد كان العراق بحق سيد العرب وجمجمته منذ فجر التاريخ، وكان العالم كله وليس العرب فحسب يحسبون للعراق وشعبه ألف حساب!. ولكن هذه الصورة التي تحمل كل معاني الجمال والتألق والتميز للعراق وشعبه أصابها الكثير من التصدع والأهتزاز والتراجع بفعل مامر بالعراق من مصائب ونكبات وبفعل الحكومات التي توالت على حكمه وتحديدا في العقود الأربعة الأخيرة التي مرت على العراق، حيث أستوطن الشر بالعراق وجلب معه كل أدوات الموت والدمار، وبدأ حصاد الموت الفعلي يقطف بأرواح العراقيين منذ بداية الحرب العراقية الأيرانية عام 1980 والتي كانت فاتحة الشر والبلاء وجلب المزيد من المصائب على العراق وأهله.ومن الطبيعي أن توالي الحروب والحصار وكثرة مصائب العراق وأزماته لا سيما وأن الخطأ يجلب أخطاء أكبر وأكثر وأعمق حيث كان رئيس النظام السابق المعروف بدكتاتوريته العمياء يصلح الخطأ بخطأ أكبر منه في كل قضايا العراق المصيرية، والتي أدت في النهاية الى أسقاط النظام المتهالك وأحتلاله من قبل الأمريكان ومجيء طبقة سياسية عرفت بالفساد واللاوطنية أطلقت رصاصة الرحمة على ما بقي من العراق وذلك من خلال ما فعلته بالعراق منذ عام 2003 ولحد الآن. كل ذلك أثر كثيرا وأنعكس بشكل أكبر على صورة المجتمع العراقي وتحديدا على نفسية الفرد العراقي، الذي عانى الويلات والأمرين طيلة السنوات التي مرت عليه منذ عام 1968 مرورا بالحروب والحصار وأنتهاء بالأحتلال الأمريكي والأقليمي للعراق. ويتفق كل متابعي الشأن العراقي من سياسيين ومحللين بأن الفترة من بعد الأحتلال الأمريكي للعراق ولحد الآن تعد من أصعب الفترات وأقساها وأغربها التي مرت على العراق وشعبه!.فبسبب الفساد الذي نخر بناء الدولة والأنسان على حد سواء وكذلك أنتشار الأمراض الأجتماعية الخطيرة بكل أنواعها وتحديدا(أنتشار المخدرات)، وأزدياد نسبة الأمية والجهل وكثرة الأرامل والمطلقات والعوانس وأرتفاع نسبة البطالة حيث طوابيرالملايين من العاطلين عن العمل، وسيطرة النزعة العشائرية والروح الطائفية بين عموم المجتمع وسقوط هيبة الدولة التي وصل بها الضعف بعدم أمكانها السيطرة حتى على أسئلة أمتحان البكلوريا!، أن ضعف الحكومة هذه وسقوط هيبتها أدى الى غياب القانون وأهتزاز صورة القضاء وبالتالي أدى الى غياب العدل وضياع حقوق الناس. فمن الطبيعي أن تؤثر كل هذه الظروف والمتغيرات على صورة المجتمع العراقي فتلاشت وأخذت تسقط الكثير من القيم والمباديء لدى الكثير من العراقيين، ومع الأسف أن الخط البياني لسقوط هذه القيم أخذ بالأزدياد مع مرور الزمن وأستمرار الأزمات وأستفحالها!، فحلت الكثير من المفردات المعيبة والتي كان الفرد العراقي يترفع عنها، بدلا من مفردات القيم والمباديء التي كان المجتمع العراقي يتحلى ويتباهى بها، فأصبح الكذب ذكاء، والعدل ضعف، والطيبة غباء، والتملق أخلاص، والتواضع ذلة، والتكبر وجاهة والصدق حماقة، والأدب سذاجة، والوقاحة شجاعة والتعصب قوة. فضاعت صورة البراءة من وجوه الكثير من العراقيين، وبعد أن كان العراقيين ميالين للمحبة والسلام وعمل الخير أصبحوا ميالين للعنف والقسوة والأنتقام وأرتكاب الجريمة بكل أنواعها!، وصارت أرواح الناس تزهق وتشحذ الهمم وتشهر الأسلحة للقتال بين العشائر وتحديدا في جنوب ووسط العراق على أتفه الأسباب (موت ديك أو قتل كلب أو موت جاموسة من هذه القرية أو تلك!!)، فلم يعد أهل الجنوب ووسط العراق طيبون كما كان معروف عنهم!، فظروف الحياة ومصائب الدهر التي مرت عليهم غيرت الكثير من أخلاقياتهم!. ومع الأسف لم يعد للعيب والحياء مكان في قاموس الكثير من العراقيين، وخاصة بعد أن أرتدوا قناع الدين بكل زيف ورياء، ولا ذنب لهم في ذلك!، فالناس على دين ملوكهم كما يقال، وأن فسد الراعي فسدت الرعية. ويوم بعد يوم ومع أستمرار فوضى الحياة السياسية وضغط الحياة الأقتصادية وأقتتال رؤوساء الأحزاب والكتل السياسية على الأستحواذ على المناصب، وأستمرار دورانهم في فلك التخندقات الطائفية والقومية والعشائرية البغيضة، يستمر تبعا لذلك سقوط القيم والمباديء لدى العراقيين. فالعراق وشعبه ماض نحو المجهول ولا ندري ماذا سيحل بنا وما ستخبأ لنا الأقداروالمطابخ والدوائر السياسية في أمريكا وبريطانيا وباقي دول الغرب والدول الأقليمية والعربية.نعود الى أصل الموضوع وعبارة صاحبنا طالب الدكتوراه، الذي كان يتحسر بأنه سيفارق وجوه الغرب المليئة بالبراءة والسلام والحب. نقول لقد كان حال العراق وشعبه ووجوههم أبان تلك الفترة ورغم ظروف الحرب(الحرب العراقية الأيرانية/ 1980- 1988 ) التي كان يمر بها كانت لاتزال تحمل الكثير من البراءة والأمل والخير، فما بالك اليوم وماذا ستقول عن وجوه العراقيين بعد كل سنوات الضيم والحروب والحصار والموت والمصائب التي تنزل عليهم كالمطر؟ فعن أية براءة نبحث بعد؟ وعذرا يا صاحبنا فمن يدري لربما سيأتي يوم ستبحث فيه عن البراءة في وجهك وأنت تنظر بالمرآة؟!!.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here