مرشح رئاسة

نبيل عودة

صُوره الضخمة سبق بها كل المرشحين، اذا كان لا بد فليتوقف الزمن، يتجمد المكان، تكف الأرض عن الدوران، هل من مالك للأحلام يحققها له؟ كان يعرف ان رحلة الأحلام سوف تنتهي، كما انتهت رحلات سابقة لآخرين. هل ستكون رحلات أخرى لاحقة؟ كيف يحافظ على الحلم حيا متوهجا؟ كان يعلم ان تلاشي الحلم، بدون انجازه، يعني تآكل النفس وانفضاض المصفقين.

في اليقظة تتملكه الكآبة والسوداوية، تعصف به الوحدة، ولولا جمال الطبيعة الأندلسية لهاجر الى أمريكا.

حساباته تشير ان الفرحة قد حانت، الامكانيات موجودة، ها هي صوره الضخمة تملأ لوحات الشوارع. ها هي حسابات السرايا على الورق تفرح القلب ولكن الخوف من حسابات القرايا في الصناديق.

يقينه يستفزه، إذا راحت عليه الآن راحت عليه على طول. أعصابه لا تحتمل التأجيل. كل الحسابات أحكمت. لا تزال سوى خطوة، ولكنها تبدو أمام حاجز مستحيل مقلق .. هل يكون ترشيحه خطوة غير قابلة للتنفيذ؟

كان دائما يرى نفسه رئيسا لبلدية في احدى مدن الأندلس العربية التاريخ والأحلام، رأى المهمة ملائمة لقدراته وقد أشغلته طويلا. كثيرا ما ارتعش لها قلبه واحتلت مكانا مرموقا بأحلامه، الأمر الذي مده بلحظات رائعة من التجلي.

لا بد ان يصبح رئيسا لبلدية اندلسية. يرى ذلك في أحلامه. يراه بقناعته الذاتية بنفسه. أحيانا يقول لنفسه ان الطريق الأمثل هي الذهاب لمكتب العمل والتسجيل كرئيس بلدية عاطل عن العمل يبحث عن وظيفة رئيس بلدية فقط لا غير… لعل وعسى يأتي الفرج من هناك .. ربما يجدون مكانا لا يريد ان يترأسه احد ؟.. في غابات الأمازون مثلا؟

أحيانا يرى نفسه يبحر في بحار شاسعة لا نهاية لها، تائها لا يعرف اتجاها لكي يوجه باتجاهه دفة سفينته، يحط في جزيرة نائية غير مسكونة. لكنه يخاف البحار ثم ما الضمانة لوجود جزر خالية من رئيس بلدية؟

بدأت عصبيته تشتد، راح يطلق التهم على عواهنها. بناء مبنى بلدية حضاري هو قصور مخل بنشاط البلدية، فتح وتعبيد شوارع يؤزم حركة السير، فتح أبواب البلدية للجمهور هي فوضى في العمل، بناء قصر للثقافة هو من متطلبات الدعاية الانتخابية فقط. بناء مدارس جديدة هدفها تنظيم احتفالات ليلقي فيها الرئيس خطابات عند افتتاح المدارس، وضع إشارات ضوئية لا تناسب سائقي اسبانيا وتقيد حريتهم في قيادة سياراتهم، إضافة مليوني يورو للميزانية الجديدة مضر بالقناعة والتواضع، زيادة ميزانيات التعليم والدعم للمدارس هو تبذير لأموال الشعب. الشارع يعلمهم أفضل من المدارس .. الم يحتلوا اسبانيا بجيش من غير المتعلمين؟ الصرف على النشاطات الثقافية والفنية مخل بالآداب العامة .. الثقافة مضيعة وقت ومضيعة ميزانيات .. يجب الاكتفاء بتعليم المواطن ان يكتب اسمه .. حتى لا يقرأ مقالات لا شيء من التقوى فيها.

قالوا له هذه حال الدنيا في أيامنا، تريد رئاسة بلدية في زمن عشرات الرؤساء والطامعين بالرئاسة في اسبانيا عاطلين عن العمل كرؤساء. البطالة منتشرة حتى في صفوف الوزراء، انظر الحكومة الاسبانية خفضت وزرائها من 35 إلى 22، ودمجت عدة بلديات في الأندلس لتختصر عدد الرؤساء، بل وهناك اختصار في رؤساء الحكومات، يعيدون نفس رئيس الحكومة مرة وراء أخرى، رغم رفضهم لكل سياساته ولكن الهدف الأكبر ألا يصبح عدد رؤساء الحكومات السابقين كبيرا مما يثقل على ميزانية الدولة وجيب الجمهور.

لكن الرغبات لا يمكن نزعها !!

*******

ملاحظة: كل تشابه بين ما يجري في اسبانيا وفي أمكنة أخرى من العالم، هي بمحض الصدفة فقط. كتب النص بصيغة المذكر وهذا ليس شرطا ان يكون الطامح بكرسي رئاسة بلدية رجلا فقط، لا استبعاد للمرأة من المنافسة .. لأن لها حقوقا بالمساواة الكاملة غير المنقوصة في الطموح لرئاسة بلدية للنساء ايضا ولو في السعودية بعهد محمد بن سلمان!!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here