نهج الإمام الصادق المعتدل .. دستور المحقق الصرخي الخالد

احمد الركابي

تعرض المسلمون في عهد الامام الصادق، (عليه السلام)، الى هزّة فكرية وعقائدية عنيفة بسبب السياسات المتبعة بعد النبي الأكرم، (صلى الله عليه وآله وسلم )، فقد كانت المرحلة الأنتقالية من الحكم الأموي الى الحكم العباسي، بمنزلة الاعاصير التي تضرب إيمان وعقيدة وأخلاق المسلمين التي شُيدت خلال حوالي قرن من الزمن، بجهاد وتضحيات النبي وأهل بيته واصحابهم. فلم يرى المسلمون آنذاك، سوى الاستئثار بالمال العام والاستغلال البشع للسلطة وتفشي الطبقية وضياع القيم الاخلاقية والانسانية، وعودة الكثير من القيم الجاهلية وأبرزها تحكيم منطق القوة بهدف الهيمنة والتسيّد، الامر الذي فتح الأبواب أمام الافكار الفلسفية القادمة من الغرب والتي تدّعي البحث عن الحقائق في الحياة والكون، فبدأت شريحة كبيرة من المجتمع الاسلامي آنذاك، تشكك بمساعدة هذه الافكار بما آمنت به من قبل، بالعدل والمعاد والثواب والعقاب وحتى التشكيك بالنبوة والتوحيد.

ومن أبرز الزنادقة المشككين آنذاك، كان هنالك شخص يدعى “ابن أبي العوجاء”، وذات مرة سأل الإمام الصادق، عليه السلام، في تبديل الجلود في النار، وقال: ما تقول هذه الآية: {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها}، هب هذه الجلود عصت فعُذبت، فما بال الغير يُعذب؟‍!.

فقال الامام الصادق: ويحك…! هي، وهي غيرها، قال: أعقلني هذا القول. فقال الامام، عليه السلام: أرأيت أن رجلاً عهد الى لبنة فكسرها، ثم صبّ عليها الماء وجبلها، ثم ردها الى هيئتها الاولى، ألم تكن هي، وهي غيرها؟ فقال: بلى، أمتع الله بك…”.

في مثل هكذا أجواء عاش الامام الصادق، عليه السلام، فاذا كان كما يقول المؤرخون بأن عهده كان أفضل العهود التاريخية لنشر علوم وثقافة أهل البيت، عليهم السلام، فانه كان من أصعبها وأكثرها تعقيداً في التعامل مع المخلفات الفكرية والثقافية للصراع الدموي على السلطة وانحراف الحكام وطغيانهم. وهذا ما دعا الامام، عليه السلام، لأن يتعامل مع مجتمع ذلك الوقت بمنتهى الذكاء والحنكة باتباع منهج العقل والحكمة ومطابقة الاحكام والتعاليم مع الفطرة الانسانية

والإمام الصَّادق (عليه السلام ع) هو إمام الحوار الّذي كان ينفتح على الرأي الآخر، مهما كانت قساوته وطبيعة مخالفته للأصول الإسلاميّة، وكان لا يتعقَّد من الشّخص الّذي يأتيه وهو ينكر أساس العقيدة، بل كان يأخذ بيده من أجل أن يعرّفه بمنهج التَّفكير؛ كيف يفكّر ليصل إلى الحقيقة، لأنَّ مشكلة الكثير من النّاس، ومنهم الّذين يعتبرون أنفسهم من العلماء، أنهم قد يملكون مفردات العلم، ولكنَّهم لا يملكون منهج التّفكير والأسلوب الّذي يمكن أن يفتح عقل الإنسان على الحقيقة

ومن خلال ذلك فقد ذكر السيد الصرخي العديد من الشواهد التي تثبت أن النعمان شهد بافقهيّة وأعلمية الامام الصادق عليه السلام ، وهذا مقتبس من بحثه الموسوم جاء فيه :

(( أ- قال أبو حنيفة: ما رأيت أفقه مِن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، لمّا أقدمه المنصور بعث إليّ فقال: يا أبا حنيفة، إنّ الناس قد فُتِنوا بجعفر بن محمد (عليه السلام)، فهيئ له مِن المسائل الشداد، فهيّأت له أربعين مسألة، ثم بعث إليّ أبو جعفر (المنصور) وهو بالحيرة فأتيته، فدخلت عليه، وجعفر بن محمد (عليه السلام) جالس عن يمينه، فلمّا بَصُرت به، دخلتني مِن الهيبة لجعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) ما لم يدخلني لأبي جعفر المنصور، فسلَّمت عليه، وأومأ إليّ، فجلست، ثم التفتَ إليه فقال: يا أبا عبد الله، هذا أبو حنيفة، قال جعفر (عليه السلام): نعم، ثم التفت المنصور إليّ فقال: يا أبا حنيفة ألقِ على أبي عبد الله مسائلك، فجعلت أُلقي فيُجيبني، فيقول (عليه السلام): أنتم تقولون كذا، وأهل المدينة يقولون كذا، ونحن نقول كذا، فربما تابعنا، وربما تابعهم، وربما خالفنا جميعًا، حتى أتيت على الأربعين مسألة، ثم قال أبو حنيفة: ألسنا روينا أنّ أعلمَ الناس أعلمُهم باختلاف الناس}} المناقب:مناقب أبي حنيفة1:الموفِّق المكي//تذكرة الحفّاظ1: الذهبي. ))

جاء ذلك في المحاضرة { 15 } من بحث
الدولة..المارقة…في عصر_الظهور…منذ عهد_الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم)
بحوث : تحليل موضوعي في العقائد و التاريخ_الاسلامي
8 ربيع الثاني 1438هـ – 7 – 1 – 2017 مـ

كان الامام الصادق ( عليه السلام ) يربي أصحابه على الصبر والصمود والثبات وتعويدهم على التحمل لإنه يعلم جيدا أي ضريبة يجب ان يدفعها كل من أراد السير بهذا الطريق وأي مقدار من التضحيات يجب ان تقدم في سبيل الانتماء الى هذا المذهب فهو عليه السلام كان يعد أصحابه نفسيا لهذا الامر ولم يغرب عن باله لحظه لذا كان ينصح أصحابه ويقول لأحدهم في احد الأيام (قد كان قبلكم قوم يقتلون ويحرقون وينشرون بالمناشير وتضيق عليهم الارض برحبها فما يردهم عما هم عليه شئ مما هم فيه ….فاسألوا درجاتهم وأصبروا على نوائب دهركم تدركوا سعيهم )

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here