على من يجب أن نطلق النار؟

عباس راضي العزاوي
سنوات الحكم الفردي والعصابة الواحدة أو العائلة الواحدة التي مرت على العراق ساهمت بجدارة في صناعة نمط معين من التفكير لدى المواطن العراقي سواء كان متعلما أو اميا لايجيد القراءة والكتابة، فهو يعتقد بل ربما يصل لحد القناعة الراسخة بأن المسؤول الحكومي قادر على كل شيء ويستطيع تغيير حتى القوانين حسب مزاجه أو وفق ما يطلبه أصحاب الاموال( الرشى) بمعنى انه نصف إلهه حكومي أو أكثر من ذلك بقليل وحسب قربه وبعده من مصادر القرار واستمرت هذه الفوضى التي كانت مقتصرة على جهات معينة وعوائل محددة الى ما بعد سقوط النظام السابق، لنجد انها اخذت بالاتساع والتمدد لتشمل جميع مفاصل مؤسسات الدولة وأصبحت سنة سيئة عبثت بقوانين الدولة ومصالح الشعب بطريقة تخريبية مخيفة.
وبما أن السياسي الذي وجد نفسه في المقدمة الان هو ابن هذه البيئة المريضة فهو يتصرف بنفس الروحية وبذات الآليات المتاحة لتنفيذ مشاريعه الاستثمارية سيما وأن الأحزاب الجديدة الجائعة تبحث عن مصادرقوة لبناء امبراطورياتها المالية والسياسية والإعلامية فتحول الفساد والاستبداد الى بديهيات رسمية تدار بها الدولة ،لهذا نجد بأن القوانين والتشريعات لاتجد سبيل لتطبيقها على الأشخاص المرتبطين بالأحزاب الحاكمة.
عموم الشعب لم يكونوا بمنجى من هذا التفكير، فهم يتحركون ويعملون ضمن دائرة العبث الواحدة في تعاطيهم مع الأحداث، حتى في معرض احتجاجاتهم وسخطهم ضد نقص الخدمات او الازمات السياسية المفتعلة منها والحقيقية ولا اعرف ان كانت هذه الممارسات بعلم أو بجهل بنوعية المهام الموكلة لأي من السلطات الثلاث، فتراهم يطلقون رصاصاتهم الاحتجاجية بكل اتجاه وبشكل عشوائي .
ولكي تتضح الأمور أكثر دعوني اضرب مثلا على هذا الخلط الغريب، السياسي الساذج الذي انتقل من اللقاءات الحزبية ( الماصخة ) وشعاراتها الساذجة الى قبة البرلمان وهو يعتقد بأنه المكان الملائم للتصريحات النارية ضد جهات سياسية أخرى تختلف ورؤية قائده الذي رفعه الى هذه المكانة، فهو يجهل عمل البرلماني الحقيقي ودوره الرقابي على عمل الوزارات الخدمية وتشريع القوانين التي تخدم مصالح الشعب الذي انتخبه.
المواطن من جهته ايضا يطالب البرلماني الساذج ببناء الجسور والمدارس واصدار البيانات الاستعراضية ضد دول الجوار أو ربما في أحيان أخرى يطالبه بالذهاب إلى جبهات القتال للتضحية بنفسه أو بابنه طالما هو ممثل للشعب، وهناك من يطالبه بوظيفة لابنه او لنفسه وإلا فإنه لن ينتخبه مرة أخرى ، الانكى من هذا ان بعض ممن يسمون انفسهم إعلاميون يحرضون ضد وزارة معينة بسبب فشلها في عملها مثلا ولكنهم لايخفون إعجابهم بعمل رئيس الوزراء المسؤول الأول في السلطة التنفيذية، بمعنى أن هناك تشتيت واضح في تحديد الهدف الذي يفترض التسديد عليه بدل هذه الضوضاء المفتعلة.
جهات شعبية أخرى تطالب رجل الدين بمهام خارقة للتدخل وحسم فكرة تغيير النظام او المشاركة في الاحتجاجات والتظاهرات مع رفضهم – اي الجهات الشعبية – في مواضع أخرى تدخل رجل الدين بالعمل السياسي وإدارة الدولة بل ذهب البعض إلى أبعد من ذلك واعتبر اي رجل معمم في الدولة هو المسؤول عن الخراب لأنه لايراعي الله في عمله، مع انه كغيرة من الساسة مساهم وجزء من الفوضى الحاصلة ولاتقع المسؤولية عليه وحده، هذا من جانب ومن جانب آخر هناك من يطالب المرجعية الدينية في النجف للتدخل بكل تفاصيل العملية السياسية.
اعتقد ان الشعب العراقي سيبقى يدور في حلقة مفرغة طالما هو لايستمع لصوت المنطق في تحديد الجهة المسؤولة عن اي إخفاق أو فشل ولينسى للحظة واحدة الأحزاب السياسية التي يتعاطف معها أو يعتقد بنزاهتها او حتى ينتمي اليها فالواقع يقول بأن جميع الوزارات والمؤسسات الحكومية فاشلة وبنسب متفاوتة وعلى السلطة التنفيذية تقع المسؤولية الأكبر، وإلا فهو يمارس العبث بحياته ومستقبل أولاده عندما يتحرك بأيحاء من خطابات السيد الفلاني أو القائد العلاني، فالخراب واضح امامه يعاينه بكل لحظة ولا يحتاج لشرح او تبرير، وعليه تحديد الجهة التي يجب أن يطلق عليها نار الاحتجاجات الشعبية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here