عاش بالوقت الضائع أعواما ومات بطلا

تتساقط أوراق الوفاء من شجرة الإخلاص والمحبة والعشق للعراق ورقة ورقة، كأنها تستوحش البقاء، لانها تعي ان الزمان ليس زمانها والمكان ليس مكانها. يراد لهذه الشجرة ان تبقى جرداء في ارض جرفت معالمها وتصحرت اخلاق ساستها.

ابا وصال لست اول ولا اخر الاوفياء الراحلين، فان من ظل حيّا اضحى غصنا يابسا في غابة احرقها ساسة الصدفة، وأصبحنا اورقا مصفرة في شجرة كانت مخضرة بالعشرة والمحبة والولاء للعراق، ولم يبق أمامنا الا ان نعتكف أو نستعجل الرحيل لنلحق بركب الابرار.

في اخر مكالمة معك كنت تشحذ الهواء من جهاز إعطاء الأوكسجين واسمع صفير رئتيك المتعبة، وانت على هذ الحال شعرت بوجع كلماتي وكأنك احسست بشرودي وقلقي وخوفي عليك، فعدت كما كنت طوال ايّام حياتك قائدا ومعلما شامخا لم تثلم من عزيمتك وشموخك المطاردات أو الاعدامات الجائرة التي نفذتها حكومة صدام بولدك جواد الطفل الصغير وباشقائك الدكتور زهير والعسكري محمد واللاعب عادل.

كنت اثناء المكالمة الى ان ودعتك الوداع الأخير شامخا رغم الالم والمرض والأذى وصعوبة التنفس.

قلت لي اهتم بصحتك فأنا أعيش بالوقت الضائع منذ سنوات لان الأطباء بعد تشخيصهم إصابتي بتليف الرئتين أخبروني ان فرص العيش القصوى لي لن تتعدى العشرة أعوام، وها أنا أطوي عامي الثاني عشر بنجاح.

كنت مناضلا صلبا وفريدا لم تتاجر بنضالك واستشهاد ولدك وإخوتك وملاحقة ومضايقة أفراد عائلتك، ولم تطالب بخدمة جهادية ورواتب وامتيازات لتضحياتك. عشت ومت وانت تعلمنا ان الحياة موقف ومباديء و(الوطنية عقيدة والسياسة حرفة).

بعد ان نشرت في الثاني من أيار من العام 2008 مقالي الموسوم قضية بطل عراقي اسمه كاظم عبود الذي طالبت فيه الحكومة بأن توفر لك فرصة علاج وعمل وكان علاجه ممكنا انذك. تسلمت رسائل عدة أقف عند اهم رسالتين منها.

الاولى كانت من أحد رفاق دربه وعرض علي فيها ان أخذ موافقة الكابتن كاظم، لكي يتوسط ليعمل له راتبا من اقليم كردستان مثل المئات وربما الآلاف غيره. حين أبلغته رفض حتى الاتصال برفيقه وقال حرفيا ابلغه انني لم ارفع السلاح بوجه حكومة صدام كي اقبض ثمن نضالي وتضحياتي برواتب وامتيازات.

الثانية كانت من رجل اعمال عراقي متمكن ماديا يقيم بالسويد. عرض على ان يتكفل بكافة تكاليف علاجه مع نفقات سفره ومصرف جيب وان يبقى الموضوع سريا دون الإعلان عنه، لكنه رفض رفضا قاطعا وقال: ان علاجه من واجب الدولة العراقية حصرا ولن يقبل ان يكون متسولا، ورجاني ان اشكر صاحب المبادرة بدلا عنه وان أقفل هذا الباب نهائيا. حينها أدركت ان صديقي سيموت دون ان تلتفت اليه حكومة (الما يخافون الله) علما ان اشقائه الثلاثة وولده أعدموا بسبب الانتماء لحز ب الدعوة!

اخي كابتن كاظم أخاطبك لانك حي في نفوس من عرفوك عن قرب. نم قرير العين فحصاد ما زرعته وفيرا وشتلات الخير والمبدئية والصلابة ومقاومة الباطل والكرامة وعزة النفس والاباء وكل القيم النبيلة التي زرعتها بِنَا ما زالت مورقة، وستبقى ما بقي الصراع قائما بين الحق والباطل.

استرح فحياتك سجل بطولة كتبت ورقتها الاولى في صرائف الشاكرية، وصفحاتها ببيوت الثورة المتراصة، وملاعب كرة القدم التي أشعلت أهدافك في جماهيرها الحماس والبهجة، الى ساحات المواجهة مع نظام صدام، حينها تركت زوجة شابة وتركت وصال وضرغام وهم بعمر الزهور. بطولاتك في كوردستان العراق حين كنت ضمن قوات الانصار تقاتل جيوش صدام، الى العمل الشاق في غربتك بهنكاريا، العمل الذي تسبب بتلف رئتيك. لقد بصمت ورقتك الاخيرة بصراعك مع المرض.

حياة حافلة بالنضال متوجة بالعز والكرامة.

الكابتن كاظم عبود كما قال عاش بالوقت الضائع أعواما ومات بطلا لم ينل من عزيمته المرض.

أحر التعازي اقدمها الى عائلتك واخص بالذكر شقيقتك المكلومة والزوجة الوفية المخلصة في هنكاريا وباقي العائلة، وأعزي ابنتنا وصال وولدنا ضرغام، واولاد اخوتك واخص منهم ولدنا العزيز سمير جلوب.

رابط مقالي الموسوم قضية بطل عراقي اسمه كاظم عبود.

http://www.alnoor.se/article.asp?id=23522

(ما كنتُ أحسبُ قبل دفنكَ في الثّرَى أنّ الكَواكِبَ في التّرابِ تَغُورُ ) المتنبي

[email protected]

حسن الخفاجي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here