المثلث الصعب من أقليم كوردستان

عبدالله جعفر كوفلي /ماجستير قانون دولي
[email protected]
18/7/2018
يبدو العنوان غريباً و ربما بعيداً نوعاً ما عما هو الدارج و المؤلوف فمن الوهلة الاولى يسير بنا الطريق الى التفكير في الاشكال الهندسية و منها المثلث المتعدد و المختلف في طول الاضلاع و حجم الزوايا .
و لكن الواقع فأن المثلث خرجت من عالم الرياضيات الى عالم السياسة و الاقتصاد و الجوانب الاخرى فمثلث برمودا المعروف ايضاً بأسم (مثلث الشيطان) هي منطقة جغرافية على شكل مثلث متساوى الاضلاع يقع في المحيط الاطلسي و هي منطقة معروفة من حيث المخاطر المزعومة و تعتبر النقطة الاعمق في المحيط و سميت بذلك الاسم نسبة الى جزر برمودا التي تبلغ عددها (300) جزيرة .
اما المثلث الاخر هو مثلث التنين الذي هو امتداد مائي كبير في اليابان يقع في المحيط الهادي مع اهتمام اعلامي اقل بها مقارنة بمثلث برمودا بسبب بُعد اليابان و قلة استخدام اللغة اليابانية في العالم .
و المثلث الثالث هو محور الشر الثلاثي (مثلث الشر) الذي اطلق على لسان الرئيس الامريكي جورج بوش في خطابه الذي القاه في 29 يناير 2002 ليصف حكومات كل من ايران و العراق و كوريا الشمالية بدعمهم للارهاب و تسعى لشراء اسلحة الدمار الشامل هذا الخطاب الذي كان اساساً لبدأ ما يسمى بالحرب على الارهاب فالمحور المشار اليه عبارة عن مثلث آخر يضاف الى المثلثات الاخرى و ربما تأتي السياسة و الاحداث بمثلثات اخرى من نوع جديد في طول الاضلع و الرؤوس و الاهداف .
و لكي لانذهب بعيداً فأن المثلث الجديد على الساحة السياسية العراقية هي من صنع القيادة الكوردستانية و خاصة السيد (مسعود البارزاني) رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني ليكون قاعدة لبناء العراق الجديد بعد تحريرها عام 2003 هذا المثلث تم رسمها بثلاث اضلاع متساوية في الطول و عند رأس كل زاوية كلمة واحدة بسيطة في حروفها كبيرة في معناها و مثمرة في تطبيقها و هذه الكلمات هي (التوازن – الشراكة – التوافق) و هذا نابع من ماعاناه الشعب الكوردستاني على ايدي الانظمة العراقية المتعاقبة من اضطهاد و اقصاء و تهميش .
ان رفع هذا الشعار من قبل القيادة الكوردستانية للتعامل مع الحكومة الاتحادية لم تكن وليدة اليوم و انما ولد من رحم المعاناة و قطرات دماء الضحايا و دموع الاطفال و الامهات و نضال الشعب بأكمله و من جانب اخر نابع من ايمان الشعب الكوردستاني و قيادته بأن اوضاع العراق لايمكن ان تستقر و تشهد التقدم و الازدهار إلا بتطبيق هذا المثلث الصعب فكراً و ممارسةً ايماناً و عملاً بحيث كلما ابتعدت الحكومات العراقية عن المفاهيم الثلاثة كلما كانت احوال الشعب العراقي اكثر سوءً و أقل تطوراً و نمواً و انسب حاضنة للارهاب ان تعيش فيه .
ان المثلث المذكور بمفاهيمها المتواضعة صعبة في التطبيق و لانلمس لها الوجود على ارض الواقع و ان صعوباتها ترجع الى الاسباب التالية :
ان مطلب او شرط التوافق و التوازن و الشراكة الحقيقية كان مطلباً قديماً للحركة التحررية الكوردستانية منذ تأسيس الدولة العراقية و ان كان بعبارة اخرى التي هي (الديمقراطية للعراق و الحكم الذاتي لكوردستان) و لكن الحكومات المتعاقبة لم تكن لديها الاستعداد بتطبيق المطلب لعدم ايمانها به و محاولة كل منها بالتفرد بالحكم و اتخاذ القرارات .
جرت محاولات حثيثة بعد عام 2003 لتأسيس عراق مدني ديمقراطي اتحادي على مبدأ التوازن و التوافق و الشراكة بين مكونات الشعب و بدأت بوادرها تلوح في الافق بمجلس الحكم و صياغة الدستور لعام 2005 و خلال سنوات قليلة شهد العراق نوعاً من الاستقرار الامني و السياسي و لكن سرعان ما ندموا انحدروا منها ليدخل البلاد الى حرب اهلية و يليه عمليات ارهابية متكررة و سيطرة داعش .
ان القيادة الكوردستانية وشعبه على قناعة تامة بأن قبول المثلث الصعب يكون لفترة قصيرة و بعدها ترجع الى ما كانت عليها سابقاً لأن المشكلة في العقلية الحاكمة و ليس في الوجوه و الاسماء والتجارب السابقة تبرهن ما ذكر أعلاه , اذن مسلسل المثلثات لا تنتهي فما ان تختفي احداها لتبدأ اخرى بالظهور .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here