إلى الذين يطالبون الضحايا أن لا يتمردوا

أحمد محمد جواد الحكيم
عندما يطالب المتنفذون والمترفون ويناشدون ضحايا الفقر والحرمان أن لا يكونوا متمردين وأن يلتزموا بالقوانين والأنظمة، فإنهم بهذه الحالة قد تناسوا أن رد فعل الضحايا أقل بألف مليون مرة مما يقوم به هؤلاء المتنفذون، والمسؤولون المترفون من سوء إدارة وفساد وأساليب غير مشروعة تؤدي إلى تخريب البلاد والعباد.إذن، المطالبة والمحاسبة، إن كانت هناك محاسبة، يجب أن تكون أولا لمن قام بالفعل، لا محاسبة رد الفعل، وإلا ستصبح محاولة الضحايا من المسلمين الأوائل، الهجوم على قافلة أبو سفيان ورد فعلهم، أمراً غير مقبول ينتهك القوانين والأعراف.هذا يعني أن الإضرار بالمال العام سيكون مسموحاً للفئات التي تتمتع بامتيازات عالية، وممنوعاً على فئة المحرومين المقهورين.هذه هي الوقاحة، كما يقول جبران خليل جبران:” أن تنسى فعلك وتحاسبني على ردة فعلي”.
لكن السؤال هنا، من الذي سيقوم بعملية المحاسبة؟ وهو سؤال مبهم كثيراً ما يطالب به هؤلاء المحرومين، دون تحديد الجهة التي ستقوم بذلك.ولو افترضنا أن هناك جهة ما، ستقوم بذلك، فإن هؤلاء المترفين المفسديين لهم من الإمكانات الكبيرة التي ستمنع اتهامهم ومن ثم كشفهم.
وليعلم هؤلاء المتنفذون وأصحاب الامتيازات، أن من بين أسباب تمرد المحرومين، المظلومين هي فقدان الإحساس بمعاناتهم وآلامهم، والدليل على ذلك أن جميعهم أيدوا وتعاطفوا معهم، ربما مكرهين، بعد قيام التظاهرات لا قبلها.إن فقدان الإحساس بمعاناة الناس يتجلى في الابتعاد عن الجماهير المحرومة، وتجاهل مطالبها والاستخفاف بآلامها، التي هي من صفات البهائم، كما يقال: فلئن أردت أن تغدو بهيمة، فبأمكانك أن تدير ظهرك لآلام البشرية وتعتني بجلدك.كما أن سبب هذا الانسلاخ عن الجماهير هو أن السلطة تغير نفسية أصحابها وتبدل حالهم وتباعد حتى بينهم وبين القاعدة الشعبية التي أوصلتهم إلى الحكم.كان هذا السبب الأول لتمرد المحرومين.أما السبب الثاني، فهو التفاوت الكبير بين ما يحصل عليه المسؤولين والمتنفذين وما يتمتعون به من امتيازات،وبين فئات أخرى تعاني الحرمان من حقوقهم كالعمل والسكن وغيرها. لذلك فالمحرومون يناضلون في سبيل تحقيق أهدافهم، والمتنفذين يكافحون من أجل الحفاظ على امتيازاتهم، ومن هنا ينشأ الصراع السياسي.إذن هناك فئة تسيطر على المجتمع لكنها غير منتجة، كما يقول علماء الاجتماع، ولأنها غير منتجة لاتحس بالمسؤوليات الاجتماعية، فتنحل أخلاقها… وهي تسرف وتبذخ لإنها تستهلك ولاتنتج.السبب الثالث، هو الفشل في إدارة الدولة، من سوء تخطيط، وغموض في طبيعة التوجه الاقتصادي، وانتشار الفساد المالي والإداري.والحقيقة أن العلاقة بين النظام السياسي وطبيعة المجتمع هي علاقة دورانية غير منتهية، لأن النظام السياسي هو سبب ونتيجة بذات الوقت. فإذا كان النظام السياسي صالحا كان سبباً في صلاح المجتمع، واذا كان فاسداً كان سبباً لإفساد المجتمع. لكن النظام السياسي هو نتيجة وثمرة لمستوى تطور المجتمع، فإذا كان المجتمع متخلفاً يطغى فيه الفساد والمحسوبيات وغيرها سيخرج منه أسوأ ما فيه، وإذا كان المجتمع صالحاً سيخرج منه أفضل ما فيه.السبب الرابع، هو الإحساس بفقدان العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وفقدان الثقة بالقانون، الذي يطبق على الذين لايستطيعون تعطيله.وكمثال على فقدان العدالة ،هو أن الذين بيدهم المسؤولية يديرونها لحسابهم وأولادهم وأتباعهم، وليس لمصلحة المجتمع. ومن نتائج فقدان الإحساس بالعدالة، هي أن الصدق والأمانة عند بعض الناس لم يعد يؤديان بالضرورة إلى احترام المجتمع لهم، وبذات الوقت لم يعد الكذب والغش يؤديان بالضرورة إلى احتقار الناس أو عقاب القانون. إن هذا الفقدان يملأ النفوس بالمرارة والكراهية والسلوك العشوائي الذي قد يكون في بعض الأحيان غير منضبطاً.
والخلاصة أن الإنسان المقهور، المظلوم، دون وعي وثقافة سياسية كافية، ودون قيادة مخلصة توجهه، قد لايمكنه أن يحقق أهدافه ورغباته المشروعة.
والديل على ذلك أين كانت هذه الجماهير أيام الانتخابات الذي لم يمض عليها وقتاً طويلاً، ولماذا لم تستثمرها بصورة جيدة، رغم ما فيها من سلبيات.
وأخيراً لابد من التنويه أنني قد اقتبست بعض المقاطع والآراء من كتاب “هل نستحق الديموقراطية” لمؤلفه علاء الأسواني.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here