الحق ما ضاع

ضياء محسن الاسدي
(( – أحمد- شاب في مقتبل العمر يعيش في بلدة صغيرة من وسط عائلي متوسط الدخل له صديق – عبد الله – تحابا وتصاحبا منذ الطفولة التي جمعتهما حتى الشباب مرورا بالصبا كانا لا يفترقان أبدا ضاقت بهم الدنيا وأصبحا لا يجدان قوتهما إلا بالكاد فقررا أن يجربا حظهما خارج البلدة سعيا وراء الرزق والعمل عسى أن يجدا ضالتهما في البلاد الجديدة . عزما على السفر لغرض التجارة شركاء في السراء والضراء فتعاهدا أمام الله تعالى على ذلك وأن يكملا مسيرتهما الأخوية إلى آخر العمر لذا قام – أحمد – بتوديع زوجته القريبة العهد بالزواج منه وهي تحمل في أحشائها طفلها المنتظر بشغف وحب الأمومة . لكن الظروف المعيشية لم تمهلهما طويلا لإكمال مسيرة حياتهما السعيدة فأبلغ زوجته بقرار الرحيل مع صاحبه وصديقه – عبد الله- للتجارة بما عندهما من مال في أرض الله الواسعة فأقسم أحدهم للآخر بعهد الله أن يصونا هذا العهد في سفرهما لكسب العيش فشدوا الرحال سيرا خارج بلدتهما سائحين بحثا عن المال والتجارة ومرت الأيام والشهور وهم على هذا الحال في الحل والترحال وفي يوم مشمس شديد الحر صيفا استظلا شجرة هروبا من حرارة الشمس والرمضاء أفزع – أحمد – صوت مدوي من صاحبه – عبد الله – المرعوب وهو يشير إلى شيء ما يشبه ذيل أفعى خارج من الرمال ورأسها مدفون تحته قاما ليقتلا هذا الأفعى لكن لم يتحرك الذيل من مكانه سكن روعهما وخوفهما حين عرفوا أن هذا الذيل لم يكن سوى قطعة من جلد مدفون تحت الرمال أخذا ينبشان المكان وإذا بصندوق من خشب فيه كمية كبيرة من المال وقطع من الذهب وبعض الأغراض الثمينة فرحا فرحا شديدا وأيقنا أن الله تعالى لم يتركهما وساق لهما هذا المال من عنده ليتقاسماه على حب الله والعهد الذي بينهما .بات – أحمد – الليل وهو يحلم بما ساقه الله له من مال ليرجع به إلى زوجته لتقر عينها ليعوضا عن تلك الأيام العصيبة السابقة ما كاد الليل أن ينجلي والصبح أن يسفر عن ضيائه وإذا بصاحبه واقفا عند رأسه شاهرا خنجره والشر يتطاير من عينيه وقف – أحمد – مرعوبا من هذا المنظر الرهيب غير مصدق مصدوما من هول ما يرى حيث بادره
_ مالي أراك على غير عادتك يا أخي – عبد الله –
_ اعلم يا – أحمد – أن الكنز والمال الذي لدينا لا يتسع إلى أثنين وأن النفس لأمارة بالسوء .
_ وما أنت فاعل يا أخي عبد الله .
_ أني عازم على قتلك ليصبح المال لي وحدي .
_ قال أحمد يا أخي ورفيق صباي وصديقي إن كنت عازما على هذا الأمر فلي وصية أرجوك أن توصلها إلى زوجتي بأن تسمي مولودها ( الحق ما ضاع ) وهذه أمانة أضعها بين يديك . قال عبد الله لك ما تريد فختم علاقته بصاحبه الطويلة الجميلة بقتله ودفنه في نفس المكان وتركه قافلا إلى بلاده بكنزه وثروته المشئومة وجريمته الشنعاء ليؤسس له تجارة مربحة بعدما أقنع زوجة – أحمد – بأن زوجها قد مات من العطش والجوع في وسط الصحراء وسلم الوصية لها بناءا على طلب زوجها بأن تسمي طفلها ب ( الحق ما ضاع ) بعد عدة سنين مضت أصبح عبد الله من أكابر تجار البلدة ورجالاتها الميسورين مرت الساعات والأيام وأفلت السنون والأعوام وتغيرت أحوال الأنام والطفل ( الحق ما ضاع ) يكبر أمام عين والدته وهي تحرسه وتحنو عليه لتزيد من حبها إلى حنين وحبها لزوجها الذي لم يراه معوضة حنان الأب الذي فقده وهي قريبة العهد بالزواج منه . في يوم من الأيام والطفل متوجها إلى دار الكتاتيب صادف مجموعة من الصبية تلهوا وتلعب في الشارع أخذت تلمزه وتغمزه بأبيه كونه يتيم حيث أغاضه هذا الأمر وهو يعاني منهم في كل مرة فأشتبك معهم في عراك وصل الخبر لأمه جاءته مسرعة لتراه مضرجا بدماه وجروحه البالغة قصد به دار القضاء فتم استدعاء الصبية للاستفسار عن الأمر سأله القاضي عن أسمه أجابه ( الحق ما ضاع ) أستفزه هذا الاسم الغريب لذا راح يدقق في معنى ودوافع هذه التسمية من والدته فأخذت تقص عليه القصة منذ خروج زوجها مع صاحبه المدعو عبد الله وتسمية طفلها بهذا الاسم بناءا لوصية زوجها تحركت غريزة القاضي النفسية ودارت في ذهنه الشكوك فقرر الغور في أعماق القضية وحيثياتها فأخذ التحري والتقصي عن عبد الله فأتضح أن الشخص المدعو هو من كبار تجار البلد ومكانته المرموقة في بين الناس وثروته الطائلة . وبعد الترهيب والترغيب والوعد والوعيد بالأمان والضغط النفسي أستطاع معرفة الحقيقة كاملة منه والكشف عن الجريمة بحق والد الطفل وسرقة المال منه اخبر عبد الله القاضي انه يعيش أسوء حياته بعد الجريمة وهو نادما قلقا والجريمة تقض مضجعه في كل يوم أما الآن فقد تحرر من نفسه وأزاح عنه الهم والحزن وهذا الثقل الملقى على عاتقه بعد الكشف والبوح بجريمته ليضع ثروته كلها أمام القاضي ليفتي فيها وحياته ويتقبل الحكم مهما كان فأمر القاضي بزج عبد الله السجن الطويل المشدد لسنين طوال وتقاسم ثروته مع والدة الطفل ( الحق ما ضاع ) بالتساوي لتأخذ العدالة الربانية المقدسة والعدالة الإنسانية مجراها على الأرض ويرجع الحق إلى صاحبة وينتصر الحق على الباطل بحنكة الأب ورجاحة عقلة وعدل الله تعالى )

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here