الموضوع / بائع الجرائد

———————-: بقلم : ضياء محسن الاسدي
(( عليّ ) طفل صغير لم يتجاوز السابعة من عمره وُلد على فراش الفقر والعوز المادي الذي ضرب عائلته البسيطة مما أجبره أن يتسلم قيادة العائلة ويتصدى الشارع بنزوله اليه مبكرا وهو يتلقى سوط الجوع على ظهره الغض الطري الذي كان من المفترض أن يعيش طفولته مع أقرانه لكن الحياة لم تمهله . حيث أخذ يتقي هذا السوط الجارح بكل عزيمة واصرار وهو يخوض غمار الحياة الصعبة بكل جرأة متحديا صغر سنه يحتضن من الجرائد اليومية ليدور فيها على المقاهي والشارع في منطقته كان سنه وحلاوة لسانه وطبيعته الهادئة يكسب مودة الناس ورواد المقاهي في شراء الجرائد منه والتي تلازمه يوميا تحت ابطيه كان أكثر شيء يؤلمه هي نظرة الشفقة والرئفة من عيون الناس الطيبين لمنطقته الذين يسمونه ( علي ابو الجرائد ) . دارت الايام ومضت السنون ودخل ( عليُ ) الطفل المدرسة الابتدائية بكل فرح وشغف ليكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والاعدادية وهو لم يتوقف عن بيع الجرائد لتوفير المال لعائلته وتكاليف المدرسة كان ( عليُ ) تلميذا مميزا في الاخلاق والادب ورجاحة العقل والنبوغ المبكر لم يأخذه الشارع الى الاتجاه السيء بل على العكس كان مدرسته الاولية التي أخذ منها فنون الحياة والمعاني في الهمة والمثابرة والثبات والصبر والتمسك بالحياة أكثر واضعا طموحة في الدراسة والتفوق وطلب العلم نصب عينيه وهدفه الاساسي . بعدها دخل الجامعة بأعلى الدرجات التي تؤهله الى أحدى الكليات الهندسية وهو ما زال بائعا للجرائد وكلما زادت الحياة عليه شدتها ووطأتها تزداد همته في التقدم العلمي لكن شاءت الاقدار وكشرت له الحياة أنيابها ثانية لتأخذه الى منعطف نزل عليه كالصاعقة ليتلقى الضربة الموجعة المؤلمة عندما فقد ساقيه في احدى التفجيرات الارهابية الاجرامية ليفقد وسيلة مهمة للتنقل في مهنته الا انه بقي ثاباً لم يفقد الامل مستمسكا بقد الله عز وجل وخصوصا عندما تبرع له اهل المنطقة بكرسي متحرك وهو يواصل مهمته العلمية وبأعلى المعدلات .قدم نفسه الى دراسة الماجستير ليلبي طموحه العلمي والفكري من غير ان يؤثر على سير حياته عوقه ورعايته لعائلته مواصلا بيع الجرائد على الكرسي المتحرك يجوب الشوارع والمقاهي لكن هذه المرة كان محاطا بنظرة اعجاب وتشجيع ودعم من اهل منطقته مما اعطاه الدافع القوي في مواصلة حياته وطرد الخنوع والخضوع الى النقص البدني الذي رافقه هنا وضع شهادته الجامعية امام عينيه لتكون منطلقا نحو الحياة الجديدة المعول عليها في احدى دوائر الدولة او الجامعات الحكومية وقدم اوراقه الى المؤسسات الحكومية ليصطدم بالواقع المر الذي يعاني منه النظام الاجتماعي والمؤسساتي فرُفض طلبه في التعيين عدت مرات ولعدة محاولات اجراها , دب الياس في نفسه وهو يسمع ذات العبارة ليس لديك مكان لدينا . السؤال الذي يطرح الان والى من يهمه الامر الى اي جهة يسلكها هذا الشاب المثابر صاحب الشهادة العليا المناضل الذي صارع الحياة بقسوتها فصرعها الى اي جهة يقدم شكواه ومن يسمع صوته المخنوق على مدى سنين عمره التي افناها . والسؤال من المسؤول عن هذه الشرية من الشباب العاطلين عن التعيينات الخريجين الذين يملئون الشارع ومن المسؤول عن الظلم الذي يفرضه المتصدي لهذه القدرات والى متى يدوم هذا الظلم الذي يثقل كاهل الشباب في هذه المرحلة الصعبة والقلقة من حياتهم . أسئلة كثيرة نضعها على طاولة البحث امام المسؤولين عسى ان تجد لها طريقا لأصحاب الراي والقرار ))

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here