الإمامة في الظل، وفي ظل إمامة المعصوم علي بن موسى الرضا عليه السلام

محمود الربيعي

إستضافت مؤسسة دار الحكمة البحرينية في منطقة يوستن بلندن محمود الربيعي لالقاء محاضرة تحت العنوان اعلاه وذلك بمناسبة مولد الإمام الرضا عليه السلام

المقدمة الموضوعية

تُعَرَّف الإمامة وبشكل مختصر على أنها: رئاسة المسلمين في أمور الدين والدنيا. من محاضرات في أصول العقائد التي القاها المجتهد السيد مسلم الحلي طاب ثراه على طلابه.

ومن خصوصيات الإعتقاد بالإمامة والعصمة في الطرح الأثنا عشري أن تستند الى الأدلة العقلية والنقلية وأهمها الكتاب وحديث النبي الأكرم عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام.

فأما ماورد في الكتاب من الآيات ماجاء في سورة الأحزاب ٣٣: ٣٣ ” إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا “. وفي سورة الرعد ١٣٣: ٧ ” إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ ۖ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ “.يراجع تفسير الميزان وبقية التفاسير بشأن هذه الآيات.

وفي الحديث الشريف عنه صلى الله عليه وآله وسلم ” إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بهما لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي ” الصحاح والمسانيد. للإستفاضة يراجع كتاب أعلام الهداية مركز الدراسات العالمية لأهل البيت عليهم السلام الجزء العاشر ص ٥٨ الوصية بالإمامة.

توطئة

لقد ورد في الروايات ان عدد الانبياء الذين بعثهم الله واختارهم أنبياءاً هو (١٢٤٠٠٠) ( مائة واربعة وعشرون نبياً )، وأرسل ٣١٣ ( ثلاثمائة وثلاثة عشر ) رسولاً للناس كافة، ويتضح من خلال قراءة سريعة لأسماء الأنبياء الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم أن أغلبهم لم يتسلموا السلطة والحكم فقد ورد إسم ٢٥ ( خمسة وعشرون ) نبياً القليل منهم استلم السلطة والحكم بالمعنى المتداول كداود وسليمان عليهم السلام، وأن واحداً فقط من اولي العزم الخمسة استلم الحكم والسلطة وهو النبي محمد صلى الله عليه وآله سلم مقيماً الدولة اعتماداً على الدستور وهو القرآن الكريم علماً أن مقومات الدولة في المفهوم السياسي العام هي ( الحكومة والأرض والشعب ) وتندرج تحت إدارة الحكومة سلطاتها ( التشريعية والقضائية والتنفيذية ) وقد توفرت هذه الشروط في هذه الدولة وقد مارس الرسول (سياسته الداخلية) تجاه المشركين واهل الكتاب من اليهود والنصارى وغيرهم كما نفذ (سياسته الخارجية) مع كل من امبراطوريات الروم والفرس وأرسل الجماعات الى ملك الحبشة.

لم يستلم الكثير من الأنبياء الذين ذكروا في القرآن الكريم الحكم والسلطة كما ذكرنا لكنهم عملوا بالإمامة المشروعة في الظل كإدريس ونوح وإبراهيم ولوط وإسماعيل وصالح وهود وشعيب وإسحق ويعقوب وأيوب وذو الكفل ويوسف وموسى وهارون واليسع وإلياس ويحيى وزكريا ويونس وعيسى وبقية الأنبياء، هذا إذا ماعلمنا أن الإمامة منزلة أعلى من منزلة النبوة. ” وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ” الآية ١٢٤ من سورة ٢ البقرة. يراجع تفسير الميزان وبقية التفاسير بشأن هذه الآية.

أما بالنسبة لداود وسليمان عليهما السلام فقد إستلما الحكم والسلطة والإدارة فكان لهما السيادة والقيادة في كافة الأمور المدنية والعسكرية، كما أُتيح لبعض الأنبياء تولي بعض المهام العليا في البلاد والمشاركة في السلطة في الظل كما كان للنبي يوسف عليه السلام في حكومة الفرعون الأب والفرعون الإبن. ويشير القرآن الى ذي القرنين الرجل الصالح الذي كانت له صلاحيات الحكم والسلطة والولاية وقد جاء ذكره في قصص الأنبياء لنعمة الله الجزائري تحت اسم الإسكندر المَكَدوني، علماً أن منزلة الرسول يشتمل على منزلة النبوة بينما لايشترط أن يكون النبي رسولاً. يراجع معنى كل من النبي والرسول في كتب العقائد.

وأما بالنسبة للأئمة الأثني عشر فقد مارس بعضهم الحكم والسلطة، كما كان ذلك لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، كما تسلمها الإمام الحسن عليه السلام لفترة وجيزة ولم تتح الفرصة للإمام الحسين عليه السلام وذريته الطاهرين عليهم السلام ( علي بن الحسين ومحمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق وموسى بن جعفر ) الذين مارسوا دور الإمامة في الظل وأدوا أدوارهم لحفظ الدين والقيم والمبادئ في نفوس الأمة وحفظوا الأمة من الإنحرافات العقائدية والأخلاقية ونشروا العلوم في طول البلاد وعرضها.

وأما بالنسبة للإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام فقد أكره على ولاية العهد في زمن الخليفة المأمون العباسي بشروط تَحْفَظ للإمام مسؤوليته الشرعية دون المشاركة فيما تنتهجه السلطة من الفساد والإنحراف، فالإمام أُجْبِر كراهة على تَقَبُلِ هذا الدور لكنه استثمر دور الإمامة في الظل واستطاع تخريج كوكبة من العلماء بحدود ٣٠٠ ( ثلاثمائة ) عالم من خلال مدرسته الفكرية، وقد ذكر الشيخ الطوسي في رجاله نحو مائة وسبعين منهم علماً أن الإمام الرضا عليه السلام عاش ٣ ( ثلاثة ) عقود مع أبيه الإمام موسى بن جعفر عليه السلام وعاصر خلالها خلافة كل من المنصور والمهدي والهادي والرشيد ابان حكم بني العباس. اعلام الهداية ج ١٠. ص ١٠٦ و١١٠ و ١٩.

ولقد عاش بقية الأئمة كالجواد والإمامين العسكريين عليهم السلام بنفس الطريقة ومارسوا دور الإمامة في الظل ولم تثنهم الظروف القاسية عن أداء دور الإمامة في وسط الأمة رغم الإقامة الجبرية التي فرضت عليهم أبان حكم بني العباس. يراجع كل من الجزئين الحادي عشر والثاني عشر من اعلام الهداية.

لقد ركز كافة الأنبياء عند تأدية واجباتهم الإلهية على حفظ التوحيد، كما حفظ الأئمة المعصومون عليهم السلام هذا المبدأ وكذلك بقية المبادئ كالإيمان بالعدل الإلهي، وبالنبوة، والإمامة، والمعاد كأصول، والدعوة الى القيم الفاضلة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحياطة الإسلام والدعوة الى توزيع الثروة بالعدل والإنصاف، ومنع حدوث الإنحرافات العقائدية، والأخلاقية ،والتدخل لعزل الفاسدسن والمفسدين كما حدث في زمن الرضا عليه السلام في تنحية القاضي الفاسد.

إن الأمة من خلال المسيرة الطويلة للأنبياء والرسل وحياة الأئمة عاشت في ظل الإمامة وظلالها وفيئها، ونالت الحظوظ العالية من المعارف، والقيم، والمبادئ التي حفظتهم من التيه والضلالة طوال الفترة التي تلت إمامة النبي الأكرم عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام وحتى يومنا هذا وهو عضر غيبة الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام، ولابد أن نشير الى معنى الغيبة بالمفهوم الدقيق أنها ليست غيبة الشخص والشخصية في عالم الوجود، وإنما تشبه الى حد ما ماحدث ويحدث لعيسى والخضر عليهما السلام، وسيظهر الثلاثة في وقت واحد عندما يأذن الله سبحانه وتعالى في الظهور والغاء غيبتهم وتحقيق اللقاء بالشخص والشخصية في أرض الواقع الموضوعي والتَماس المباشر مع الأمة.

الشفاعة غايتنا وحاجتنا

إن أهم ماحصلت عليه الأمة هي الشفاعة فقد ورد في الحديث مرفوعاً الى رسول الله صلى الله عليه ماجاء في تفسير الطبرسي في مجمع البيان في الآية 49 من سورة البقرة عن الشفاعة: قال الطبرسي: ” وهي ثابتة عندنا للنبي(ص) ولأصحابه المنتجبين وللأئمة من أهل بيته الطاهرين ولصالحي المؤمنين وينجي الله تعالى بشفاعتهم كثيراً من الخاطئين ويؤيده الخبر الذي تلقته الأمة بالقبول وهو قوله(ص) ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي وما جاء في روايات أصحابنا مرفوعاً عن النبي(ص) انه قال اشفع يوم القيامة فاشفع ويشفع علي فيشفع ويشفع أهل بيتي فيشفعون وإن ادنى المؤمنين شفاعة ليشفع في أربعين من إخوانه كل قد استوجبوا النار ” ، وعلى الرغم من هذه الشفاعة ينبغي عدم الإغترار فقد ورد عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنه أوصى قبل وفاته بالصلاة الواجبة وقال ثلاثاً قبل ان تفيض روحه الطاهرة ” لاينال شفاعتنا من استخف بالصلاة “. وسائل الشيعة ج ٤ ص ٢١ – ٤٠ باب تحريم الاستخفاف بالصلاة والتهاون بها.

باب شفاعة أئمة الظل

وبمناسبة مولد الإمام الرضا عليه السلام فإننا نشير الى أهمية الشفاعة التي تنسب الى كافة الأنبياء والأوصياء والرسل والأئمة المعصومين عليهم السلام وبالخصوص بهذه المناسبة فقد ورد الكثير عن شفاعته عليه السلام.. يراجع كتاب مفاتيح الجنان باب زيارة الإمام الرضا عليه السلام وهو من كتب الأدعية المشهورة. ص ٥٨٨ ط ١ عام ٢٠٠٢ مؤسسة البلاغ بيروت.

كما بودنا أن نشير الى الحديث النبوي الشريف عنه عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام ” أُشفع فأشفع، ويُشفع أهل بيتي فيَشفَعون، وإن أدنى المؤمنين شفاعة ليُشَّفع في أربعين من إخوانه كلٌ قد استوجب النار “. وهذه إشارة لطيفة الى الدعاء الى أربعين مؤمناً في ركعة الوتر من صلاة الليل. يراجع نفس المصدر السابق ص ٧٥١.

زيارة أمين الله وعلاقتها الوصفية للإمام المعصوم

كما بودنا أن نُذَكِّر بأهمية مضامين ماورد في زيارة أمين الله ” السلام عليك يا أمين الله في أرضه وحجته على عباده، أشهد أنك جاهدت في الله حق جهاده وعملت بكتابه واتبعت سنن النبي محمد صلى الله عليه وآله حتى دعاك الله الى جواره فقبضك اليه باْختياره والزم اعدائك الحجة مع مالك من الحجج البالغة على جميع خلقه “. فالأئمة هم الأمناء وهم الحجج والولاة على الخلق، وهم وإن عاشوا في الظل بعيدا عن استلام السلطة والحكم فإن الأمة عاشت في ظلهم وانتفعت بإمامتهم، وهم أئمة هداة أوصياء أولياء سواء طالت مدة حياتهم أو قصرت وسواء انتصروا او استشهدوا فقد شاء الله ان يرى بعض انبياءه ورسلة يُقَتَّلوا وتُقَطَّع أجساد بعضهم وهذا ماحدث للنبي يحيى عليه السلام كما حدث أيضاً للإمام الحسين الشهيد عليه السلام. سورة البقرة ٢ الآية ٩١ ” وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَهُمْ ۗ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ “. وكذلك في الآيتين من سورة ١١٢ و ١٨١ من سورة ٣ آل عمران، وفي سورة ٤ النساء الآية ١٥٥ وفي سورة ٥ المائدة الآية ٢٠. بالنسبة للأنبياء ويراجع في ذلك كتاب قصص الأنبياء لنعمة الله الجزائري، ويراجع مقتل الإمام الحسين عليه السلام وقصة مقتله مشهورة يقرأ نصها المرحوم عبد الزهرة الكعبي رحمه الله.

خاتمة

لقد شاء الله أن تعيش الأمة ( بعد وفاة الإمام الحسن العسكري عليه السلام وبتوجيه منه ) تحت رعاية المرجعية في كافة المراحل التاريخية حتى ظهور الإمام المهدي الثاني عشر بعد أن يجرب الجميع حظه في الحكم والسلطة ليحقق للأمة الحرة الكريمة تحت ظل وظلال الإمامة بشخصها وبهويته الظاهرة وفي أجواء العدل الكامل وأهمها سعادة المجتمع العالمي الواحد. راجع النصوص في كل من الجزء الحادي عشر والثاني عشر من اعلام الهداية.

المصادر

القرآن الكريم

تفسير الميزان للعلامة محمد حسين الطباطبائي

اعلام الهداية الجزء العاشر الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام.

قصص الانبياء لنعمة الله الجزائري

مجمع البيان للطبرسي

كتاب محاضرات في اصول العقائد للمجتهد السيد مسلم الحسيني الحلي طاب ثراه

مفاتيح الجنان للمرحوم الشيخ المحقق عباس القمي

وسائل الشيعة للحر محمد العاملي

٠٦\ آب اغسطس \ ٢٠١٨

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here