رأي في مقال للسيد علي الشرع “العبادي ومستشاره الاقتصادي”

كاظم حبيب

بتاريخ 03/08/2918 نشر السيد علي الشرع مقالاً بعنوان “العبادي ومستشاره الاقتصادي” في جريدة العالم، وركز فيه على خمس مسائل بحاجة إلى نقاش، وهي:
المنهج أو الأسلوب الذي كتب به المقال.
الموقف من سياسات العبادي الاقتصادية، ولاسيما في موضوع تدهور الخدمات ولاسيما الكهرباء.
الموقف من محاولة العبادي الحصول على ولاية ثانية.
الموقف من الكتابات الاقتصادية وذات النهكة الأدبية للسيد الدكتور مظهر محمد صالح
الموقف من السيد الدكتور مظهر محمد صالح باعتباره مستشاراً لرئيس الوزراء.

من اطلع على مقال السيد علي الشرع سيتيقن بأن الرجل لا يمتلك منهجاً علمياً في الكتابة ولا اسلوباً يساعد على بلورة الأفكار التي يفترض أن تصل إلى القارئ أو القارئة، إذ لا يكفي أن يكون الكاتب ضد أو مع ليكتب ما يشاء دون منهج علمي صارم يساعد القارئ على تتبع الفكرة الأساسية وسبل معالجتها. مشكلات العراق الاقتصادية والاجتماعية لا تعالج بالطريقة التي يطلب فيها من المستشار المالي لرئيس الوزراء أن يصرخ بأذن رئيس الوزراء ، في حين أن الشعب كله يصرخ بأعلى صوته وفي مظاهرات دامية ورئيس الوزراء أشبه بمن قيل عنهم “صم بكم عمي فهم لا يعلمون”، فالأذن صمّاء تماماً، وحتى إن سمعت الأولى فيخرج الصوت من الثانية، دون نتائج ملموسة .المقال لا ينفع القراء والقارئات من ذوي الاختصاص بالعلوم الاقتصادية، إذ لا يجدون فيه ما ينفعهم أو ما يفيدهم فعلاً، في حين تختلط الأمور لدى القراء والقارئات من أبناء الشعب بسبب الأسلوب غير الموضوع وغير العقلاني الذي كتب به المقال. كما إن المقال فيه الكثير من الغيظ والكراهية التي تبرز في استخدامه الكلمات غير المناسبة بحق الزميل الدكتور مظهر محمد صالح.
ليست للحكومات العراقية التي تقودها الأحزاب الإسلامية السياسية منذ إسقاط الدكتاتورية الغاشمة سياسة اقتصادية واجتماعية واضحة المعالم والأهداف، وهي تحاول باستمرار الالتزام بما قرره صندق النقد الدولي والبنك الدولي للعراق في بعض المجالات الأساسية والتي في مجملها، كما أرى لا تتناغم مع حاجات وظروف العراق الراهنة، إضافة إلى أن الحكم الطائفي المحاصصي والفساد السائد والإرهاب والحرب الطويلة الأمد ضد داعش جعلت أي سياسة اقتصادية عقلانية غير ممكنة في العراق، ولهذا فالمسؤول عن ذلك طبيعة النظام السياسي القائم في العراق وطبيعة القوى والأحزاب الحاكمة والبنية المختلة والمتخلفة للاقتصادي العراقي. لقد عجزت جميع الحكومات العراقية المتتالية عن إيجاد حلول عملية للمشكلات التي يعاني منها الاقتصاد العراقي، لا في مجال الخدمات الأساسية، ومنها الكهرباء والماء والصحة والتعليم والنقل …، فحسب، بل وفي مجال التنمية الاقتصادية والعمل على معالجة تدريجية للبنية الاقتصادية المختلة والمتخلفة والوحيدة الجانب، اقتصاد ريعي نفطي، وتراجع في الاقتصادي الإنتاجي التحويلي وتدهور في دور قطاع الدولة وضعف القطاع الخاص في مجال الإنتاج والتوظيف الإنتاجي. ويتجلى كل ذلك على بنية المجتمع الطبقية من جهة، وعلى قدرة الاقتصاد على استيعاب الزيادات السنوية في قوة العمل في سوق العمل العراقي، رغم الحروب والهجرة الواسعة التي أصابت شبيبة البلاد. هذا العيب لا يكمن في مستشاري رئيس الوزراء، بغض النظر عن جودة أو عدم جودة بعض مستشاريه، بل في طبيعة السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تمارسها الفئات الحاكمة وفي مستوى تعبيرها عن مصالحها وابتعادها عن مصالح الشعب العراقي. المشكلة لا تكمن في قطاع الكهرباء، الذي تميز بالفساد الهائل وخسارة المليارات من الدولارات دون الحصول ما يفيد الشعب فحسب، بل كذلك في قطاع النفط وجولات العقود النفطية التي نفذتها الحكومات المتعاقبة بواسطة وزراء النفط وما العوامل التي قادت إلى كل ذلك ومدى الفساد الذي سادها، وكذلك قطاع الصحة والتعليم والنقل والبناء، إضافة إلى قطاع البنوك والتأمين والتجارة وما فيها من إشكاليات معقدة. المفروض أن تنتقد سياسة السلطة التنفيذية الاقتصادية والاجتماعية في مجملها لأنها بعيدة عن الشعب ومصالحه وحاجات الاقتصاد الوطني، وأن يركز الأمر على راسمي السياسة وهي الحكومة، أما المستشار، الجيد منهم أو السيء، فلا يمكنه إلا أن يقدم رأياً استشارياً يؤخذ به أو لا يؤخذ. طبعاً هذا لا يعفي المستشارين من إبداء الراي بشأن الموقف في المجال الذي يرتبط باختصاصه المباشر.
السياسات التي مارسها العبادي لا تسمح له بولاية ثانية رغم أنه استطاع العمل مع قوى التحالف الدولي التنسيق لطرد المحتل الداعشي نسبياً من العراق، إذ لا تزال جيوبه واحتمال عودته قائمة، بسب الاختلالات الشديدة في سياسة الدولة العراقية بسلطاتها الثلاث. لأن العبادي لم يلتزم كما وعد بمكافحة الفساد، بل ما زال يراوح في مكانه وما زال الفساد سارياً في جسم الدولة العراقية كله وينخر بها. كما لم يلتزم بالتخلص من الإرهاب في الداخل، إذ ما تزال العمليات الإرهابية واغتيالات والسطو على الدور والمحلات.. إلخ جارية في البلاد. وعجز العبادي عن الإصلاح الذي وعد به والخلاص من المحاصصة الطائفية التي جاءت به إلى رئاسة الوزراء، والأهم من كل ذلك إنه عجز عن الكفاح ضد البطالة والفقر الفاحش والنهب المتواصل للمال العام والنفط الخام ولم تعالج المشكلات مع إقليم كردستان العراق حتى الآن. لهذا لا يستحق رئيس الوزراء ولاية ثانية حقاً، كما لا يستحقها كل الذين ينتسبون إلى الأحزاب الإسلامية السياسية، لأن وجود هذه الأحزاب أصلاً مخالفاً للدستور لأنها بنيت على أساس ديني ومذهبي وهو محرم.
ينشر الكاتب الاقتصادي الكبير الدكتور مظهر محمد صالح مقالات اقتصادية قصيرة بأسلوب أدبي منعش يساهم في إيصال الكثير من المعلومات والنظريات والسياسات الاقتصادية والمالية إلى أذهان القراء بأسلوب يمكن أن نطلق عليه “السهل الممتنع”، إنها كتابات ذكية ومفيدة جداً لا تنفع الإنسان الاعتيادي الذي لا يملك معلومات اقتصادية فحسب، بل تنفع المختصين ومن لا يتسنى له قراءة الكثير من الكتب الاقتصادي أ يتابع السياسات الاقتصادية. إن كتابا الأخ الدكتور مظهر محمد صالح تتميز بما يلي:
اختيار ذكي ومهم للتعريف بالكثير من النظريات والمفاهيم والسياسات الاقتصادية والاجتماعية وتقريبها إلى أذهان القراء والقارئات.
أسلوب شفاف يدفع على مواصلة القراء والاستفادة منها، كما تسهم في دفعهم إلى التفكير وربما متابعة البحث عنها في كتب ومقالات أخرى، أو مقارنتها بالسياسات الاقتصادية المنفذة في البلاد.
تحمل معها كثافة المعارف والمعلومات التي يختزنها الكاتب المقترنة بدأ في القراءة وخبرة طويلة وممتازة في مجال المال والاقتصاد والتي يقدمها بأسلوبه الشيق للجميع.
وسؤالي هو: لماذا يغتاظ السيد علي الشرع من مثل هذه المعالجات الاقتصادية التنويرية المهمة جداً وبهذا الأسلوب القريب من أذهان البشر للسيد الدكتور مظهر محمد صالح، ولماذا يتحامل عليه بهذه الطريقة غير الموضوعية وغير الودية؟ إن الكتابة الاقتصادية ليست سهلة، لأن الاقتصاد فيه الكثير من الجفاف، ويستساغ قراءتها حين توضع في إطار أدبي تعبر عن عمق ثقافة الدكتور مظهر محمد صالح وحسه الأدبي الرهيف. أتمنى ألّا تكون هناك دوافع أخرى وراء هذا الأسلوب من التهجم وليس النقد!
كان ولا المستشارون في العراق نوعين: نوع يعين على أساس حزبي أو قرابي أو وساطي أو مساومة على أمور معينة، وربما يكون المعين مستشاراً مختصاً بموضوعه، ولكن ليس هو المهم في التعيين. أما النوع الثاني فهم المستشارون الذي يعينون على أساس الكفاء والمعرفة والقدرة على تقديم ما ينفع المجتمع. وهؤلاء قلة في الوظيفة حقاً في العراق وفي عموم البلدان النامية، رغم كثرتهم. وهؤلاء محاربون من النوع الأول من المستشارين ويتحرون عن فرصة لإزاحتهم لأنهم من منغصي عيشهم. ولكن النوع الثاني الذي يعيش في ظل نظام سياسي طائفي وفاسد لا يمكنه أن يقدم الكثير، وربما ما يقدمه لا يؤخذ به أو لا ينفع الحاكم. أورد مثالاً هنا. بعد إسقاط الدكتاتورية في العراق اتصل بي خبير أمريكي وكان، رئيساً لمجموعة العاملين في دعم التنمية في العراق وتحدث معي باللغة الألمانية وعبر الهاتف، طالباً مني أن أكتب له تصوري عن سبل تنمية الاقتصاد العراقي وسبل معالجة وضعه المالي والاقتصادي. رجوته أن يبين لي تصوره أولاً، فكتب تصوره الذي لم يبتعد عما يريده صندوق النقد الدولي والإدارة الأمريكية للعراق، فكتبت له رأيي بصراحة ووضوح وقدمت له مشروعاً أولياً بهذا الخصوص، فاتصل بي بعد أسبوعين ليقول لي، درست افكارك أنت لست ممن نبحث عنهم، فهل لديك من يمكن أن يتناغم معنا؟ قلت له يوجد الكثير فتش تجد، وهكذا هو الأمر ولم يتصل بعدها!
لي الثقة بأن الدكتور مظهر محمد صالح من النظافة بحيث لا يقبل لنفسه أن يجامل بما يختص باختصاصه بل يطرح تصوره بصوت ناعم وليس بخشونة، وهي مرتبطة بطبيعته الشخصية الهادئة والموضوعية. ولكنه لا يستطيع أن يفرض رأيه. واعتقد أنه استطاع أن ينفع في المجالات التي استطاع التأثير فيها. ولكنه ليس كلي القدرة بأي حال.
لا شك في ان لدي ملاحظاتي الشخصية بشأن الوضع المالي في العراق والقروض الثقيلة التي تسلمها العراق من البنك الدولي والشروط القاسية اتلي غالباً ما تقترن بمثل هذه الشروط أولاً، كما أنه ليس بالضرورة أن ارائي تتفق تماماً مع أراء السيد الدكتور مظهر محمد صالح، ولكن يبقى احترام الرأي والراي الآخر ضرورياً ولغة التخاطب إنسانية أيضاً ثانياً، كما أني حتى الآن لم التق شخصياً بالدكتور مظهر، كما لم التق شخصياً بالسيد علي الشرع، بل أسلوب معالجة الشرع للمشكلة هي التي دفعتني للكتابة.
أشرت في أكثر من مقال لي بأن النظام السياسي والإداري في العراق فاسد، ولكن هذا لا يعني عدم وجود نزيهين غير فاسدين يعملون لمصلحة الشعب وهم قلة، ولاسيما في مركز الاستشارة أو المؤثرة. لم تكن إقالته وزميله الدكتور سنان الشبيبي، واعتقاله وبقائه فترة غير قصيرة في المعتقل في فترة الحاكم المستبد بأمره والكاره لكل نظيف في الدولة العراقية مسألة عفوية، بل لنزاهة هذا الخبير الاقتصادي المميز. إن تعيينه مستشاراً مالياً ليس منة عليه بل يستحقها بكل جدارة، ولا شك في أنه يقف مع الذين يطالبون بالخدمات الأساسية للمواطنات والمواطنين في هذا العراق المبتلى بأوضاع استثنائية. يجب ألّا نطالب بإبعاد مستشارين نظيفين، وهم قلة في الوظيفة، بل نعمل على زيادتهم من خلال العمل على تغيير الوضع كله لصالح الدولة الديمقراطية العلمانية والمجتمع المدني الديمقراطي الحديث.
06/08/2018

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here