تحديات … إنقاذ العراق

د. عبدالرضا الفائز

كل حقبة في التاريخ تبشر بنهاياتها كما بشر التاريخ ببداياتها. هكذا يستمر العد التنازلي في بلد النفط والخير والماء، لنظام أنسدت شرايينه وتيبست أوردته. فمات الصبر على عثراته وإمتيازاته، بخروج الناس يهتفون بسقوطه ويحرقون مقرات أحزابه ويطالبون رحيله، وقد قتل حلمهم بعد سقوط الطغيان. فالمرجعية تدينه، ولا تجد فردا يدافع عنه إلا من، من فساده يرتزق. فقد استخفت طبقته السياسية بالعراقيين فخالفت الدستور وذهبت تراكم إمتيازاتها وتحمي سرقات كبارها وصغارها، فإستهترت بالقيم واستهزأت بالوطن، حين فشلت في 15 عاما من إنجاز عشر ما أنجزه (مع تحديات وعداوات)، ضابط كعبدالكريم قاسم بأربع سنوات، رغم ما حصلت عليه من دعم ورعاية وتشجيع، استثمرته لدعم فسادها وتهريب سرقاتها. فكيف يكون الخلاص منها والتغيير عنها لإنقاذ العراق؟
أولا: يخطأ من يعتقد إن العملية السياسية تكون مخرجا وخلاصا، لان الطبقة السياسية في تحاصصها وتخادمها البيني، قد أستولت على آلياتها “المستقلة” وسيطرت على إستقلالية عملها، والدليل عمليات التزوير في أجهزة المفوضية وحرق صناديق العد عملا ب (قطع الاعناق قبل الارزاق) دون تجريم مسؤول (!)، ومقاطعة الناس لها الذين كبرت (وستزداد) مع الزمن خيبتهم. فالحل من داخل النظام شبه مستحيل (تذكروا تصريحات رئيس الوزراء قبل سنوات عن إجتثاث الفساد في ما وعد … وفعل) لان الفساد قد توزع على أغلب الأحزاب الحاكمة في معادلة “تفضحني … أفضحك”، أو تجريم من قد خرج (تذكروا أيمن السامرائي وحازم الشعلان) ومن لا سند له. ثانيا: الإنقلاب العسكري مرفوض، لأننا لا نملك جيشا واحدا متجانس الولاء ناهيك عن “جيوش” الأحزاب وذلك ما يجعل الإنقلاب إحترابا وإنتحارا مفتوحا للفتن والتدخلات. ثالثا: إنقلاب القصر غير ممكن أيضا لأن القصور قد تعددت وسلطة المنافع عليها قد توزعت بين مقرات وهيئات ورئاسات. رابعا: الثورة الشعبية هي قليلة الحظ ايضا للأسف، لتشرذم المزاج السياسي في قبلية وطائفية ومناطقية وعرقية وحزبية، إضافة لإستخدام طقوس الدين من قبل النظام أفيونا للناس في إتكائه لمحاربة صحة الوعي، وتزييفه.
في مثل هذه ظروف، تكون حكومة الإنقاذ الوطني حلا من أجل إيقاف إستمرار الفشل وتسيد الفساد في إنتصارات الجهل والغباء بعد طول إنتظار وأمل. فهل تقبلها أحزاب المنافع، فترضى بمحاربة الفساد ونشر الفضائح وسقوط زيف الرموز وتعديل المسيرة، وهي الضحية الأولى؟ الجواب قطعا بالنفي. لكن في فضاء السياسة في العراق تبقى المرجعية مسموعة، وتبقى القوى الخيرة في داخل تلك الاحزاب والطبقة السياسية نفسها، ممن تستشرف المستقبل وترى المصير أن أستمرت هذه المهزلة (الكارثة)، فيلتقي الأخيار في الوطن من أجل أنقاذ العراق والخلاص من طبقة عاجزة، لم تستطع جمع القمامة أو تسعير الدواء ناهيك عن حق العمل والأمل وتنظيمات الحياة، لأن الصغير عندها كبير، ولأن طابعها الفشل ونمطها العطل وسوسها الفساد.
في مقابلات “العراق من حرب إلى حرب” وضع اللبناني غسان شربل عنوان كتاب أسماه “صدام مر من هنا”. غدا، عندما يعرف العراقيون يومها حقيقة ما فعلته بهم كتل الفساد وأحزاب الخراب، سوف يكتب ربما شخص آخر، كتاب عنوانه “الفاسدون كانوا هنا”. والأيام دول.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here