الحكومة القادمة : من دولة مستهلكة الى دولة منتجة

فارس عبد الوهاب أمين

بغداد/ اب 2018

من ابرز ما يواجه الحكومة في المرحلة المقبلة هو امكانيتها في رسم وتنفيذ سياسة اقتصادية وطنية تستطيع من خلالها تحريك عجلة الاقتصاد المتوقفة والعمل باتجاه تشجيع القطاعات الوطنية التي تعتمد على عناصر الانتاج الوطني مثل قطاعي النفط والزراعة القادر على تشغيل اكبر قدر من الايدي العاملة وتوسيع حجم الانتاج وتأمين متطلبات المعيشة لكل فرد عراقي.

ان خارطة الطريق الاقتصادية التي ينبغي التحرك على اساسها تعتمد على مدى قدرة الحكومة اقتصاديا في تحديد مواردها الاستراتيجية والانطلاق نحو استثمار تلك الموارد بالشكل الامثل الذي يجعلها تستند على قاعدة رصينة تؤسس لاقتصاد وطني ناهض وصناعة محلية قوية والخروج من مرحلة الاستهلاك التي طغت على المجتمع منذ عدة عقود.

ففي المجال النفطي فأن التنويع والتطوير في مجال الصناعات النفطية وعدم التركيز على تصدير النفط الخام فقط سيؤدي بالضرورة الى تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة وسيساهم في اعادة تشغيل عجلة الصناعات التي ترتبط بشكل مباشر وغير مباشر في صناعة النفط اضافة الى انها ستشغل اياد عمل عديدة، ولابد ان تبدأ الخطة باولوية انشاء مصافي نفط بطاقات بسيطة لا تتجاوز (50) الف برميل يوميا في كل محافظة وبفترة زمنية تبدأ من مرحلة التصميم الى مرحلة التشغيل الفعلي والانتاج لا تتجاوز سنة ونصف، وبالتأكد أن الكلف المالية التي سترصد لكل مصفى ما يقارب الـ(100) مليون دولار وهي مبالغ بسيطة بحجم الميزانية العامة للدولة وتعتمد على مواصفات التصنيع والموقع الجغرافي ونوعية التربة، بمعنى أن الحكومة تستطيع انشاء (14) مصفاة نفطية في عموم المحافظات بكلفة لا تتجاوز مليار و400 مليون دولار بطاقة انتاج مجتمعة تبلغ (700) الف برميل يوميا وبوقت قياسي لا يتجاوز (18) شهرا واستيعاب قوة عاملة تشغيلة تتجاوز ما يقارب (70) الف شخص بمختلف الاختصاصات وهي نسبة قابلة للزيادة في حال توسع العمل في تلك المصافي في المراحل اللاحقة.

ان الجدوى الاقتصادية من وراء هذه الاستراتيجية لا تتعلق بتشجيع الصناعة وتشغيل الايدي العاملة فقط انما سينعكس ذلك على تخفيف وتخفيض ضغط الاستيراد على الاقتصاد الوطني وتوفير ادخار للعملة الصعبة بعد تحقيق الاكتفاء الذاتي وعدم استيراد المشتقات النفطية من دول الجوار كما انها ستنعكس على قطاع السكن والتوسع العمراني لانه من الطبيعي مع وجود منشأة نفطية يتطلب وجود مجمعات سكنية للعاملين وهو امر موكل للشركات المنفذة لبناء مشروع المصفى.

اما في ما يتعلق بقطاع الزراعة فان عملية النهوض تتطلب اعادة النظر بدراسة العناصر الوطنية والمحلية التي تسهم في تفعيل وتنشيط القطاع الزراعي وزيادة حجم الدخل القومي للاقتصاد العراقي والحفاظ على الامن الغذائي، ولابد ان تخضع شروط تلك الدراسة الى تفهم التقلبات والتغييرات التي حدثت في العقود الاخيرة للريفي العراقي وما تعرض له من اهمال كبير اثر الى تقلص حجم الزراعة مقابل هجرة الى المدينة، وهما يستدعي ان تكون الحلول الموضوع تتلاءم مع الوضع الريفي الجديد اجتماعيا واقتصاديا وسياسياواعادة النهوض بالقطاع الزراعي بالاعتماد على الشركات الاجنبية الكبيرة لانشاء المشاريع الزراعية العملاقة التي تتناسب مع ظروف العراق الحالية وانشاء المزارع التجارية والصناعية في عموم المحافظات وعلى ان لا تقل مساحة المزرعة الواحدة عن (100)الفدونم، وانشاء مصانع زراعية للتعبئة للمحاصيل كافة.التحول من الفلاح الى العامل الزراعي.

الا أن تنفيذ تلك الرويئة الاقتصادية مرهون بمدى مرونة الحكومة المقبلة في التعامل مع القيود والقوانين التي عطلت الاقتصاد في السنوات الماضية، فمنذ عام 2003 فان الطبقة السياسية الحاكمة ومن خلال الية المحاصصة, مارست الديمقراطية المزيفة الذي افرزت نوع شرس من الدكتاتوريات المؤقتة والاقطاع الوظيفي والذي انعكس بشكل سلبي على الاداء الاقتصادي وتفاقم البطالة المقنعة وتحويل الميزانية العامة للدولة الى ميزانية تشغيلية مرهقة ومستهلكة.

فالعراق تاريخيا مر بتجربتين ديمقراطيتين وكلاهما ديمقراطيات مزيفة الاولى في العهد الملكي التي قادها عراب النظام الملكي نوري سعيد ، اما الديمقراطية المزيفة الثانية فهي التي جاءت بعد سقوط النظام الصدامي المقبور والتي افرزت طبقة سياسية وحزبية تعكزت على المحاصصة لخلق طبقة سياسية مترفة. ان اهم مقومات هذا النظام قائمة على الوظائف الوهمية والبطالة المقنعة ما ادى الى ظهور طبقة استهلاكية غير منتجة تشغل ما يقارب الـ 40% من المجتمع، ففي الدولة العراقية هناك نحو 11 مليون مستفيد(موظف) بمختلف قطاعات الدولة المدنية والعسكرية والامنية والمتقاعدين ومن ذوي الامتيازات الاخرى(ابناءرفحة)، وبمرتبات شهرية مختلفة الا ان هذا العدد من الموظفين غير منتج قياسا بمستويات الانتاج المطلوبة بل تحول هذا العدد الكبير الى اكبر طبقة مستهلكة لمنتجات غذائية واستهلاكية ومنزلية مستوردة، وهو ما انعكس على تعطيل عجلة الاقتصاد الوطني.

ما تعانيه البلاد اليوم من مشاكل وتعقيدات في المشهد السياسي هو انعكاس للتردي الاقتصادي وضعف ادارة الدولة للموارد المتوفرة والاكتفاء بدراسات ونظريات اثبتت فشلها لانها لا ترتقي للوضع الراهن وهو ما يستدعي البدء بتنفيذ خطة عملية آنية تعتمد على تطوير قطاعي النفط والزراعة وفق الرؤية التي تم طرحها وهي رؤية واقعية وقابل للتنفيذ اذا توفرة الارادة القوية والصادقة وانهاء مرحلة الاستهلاك الوظيفي التي حولت العراق الى بلاد مستهلك بعد ان كان من البلدان المنتجة والمصدرة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here