هل يثق الكرد مرّة أخرى بوعود المالكي؟

ساهر عريبي

[email protected]

دخل السباق نحو تشكيل الكتلة الأكبر التي ستنهض بأعباء تشكيل الحكومة المقبلة, مراحله النهائية بعد أن بات واضحا ان كلا من كتلة السائرون التي فازت بالإنتخابات النيابية الأخيرة, وكتلة دولة القانون تسعيان للفوز بالأغلبية البرلمانية قبيل انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان الجديد, المقرر التئام شملها بعد مصادقة المحكمة الإتحادية على نتائج الإنتخابات التي تعقبها دعوة من رئيس الجمهورية لعقد الجلسه.

فقد دخلت الكتلتان في سباق مع الزمن خلال الساعات الأخيرة بعد ان بان وبشكل جلي أن كلتيهما نجحتا في تكوين نواة الكتلة الأكبر, فمن جهة تبدو كل من سائرون والحكمة والوطنية في طرف تقابلهما دولة القانون مع الفتح في الطرف الآخر , فيما يظهر أن كتلة النصر التي يتزعمها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قد حسمت أمرها بالتحالف مع سائرون, لكن هناك اطرافا داخلها تترقب الأوضاع في انتظار حسم موضوع التحالف الأكبر فإن فازت به سائرون فهي باقية في الفتح بانتظار تقاسم المغانم وإن فازت به دولة القانون فستكون سباقة لترك مركب العبادي والإلتحاق بسفينة دولة القانون.

وأما من يرجح كفة إحدى الكتلتين المتنافستين أي سائرون والقانون فهي القوى السنية والكردية , وبالنسبة للقوى السنية التي انضوت تحت مظلة المحور الوطني (حوالي 53 مقعدا), فيبدو أن كل ما يهمها هو الحصول على المناصب السيادية وخاصة رئاسة البرلمان, التي يدور حولها صراع شرس داخل هذا المحور يهدد بتفككه. ولاتبدو دولة القانون بالقادرة على كسب أصوات نواب هذا المحور إن وعدت بمنح رئاسة البرلمان لأحد اطرافه وإن كانت تبدو قريبة من محور الكرابلة الذي رشح محافظ الأنبار لشغب المنصب. إذ أن مثل هذا الوعد سيؤدي الى انشقاق هذا المحور وانقسام أطرافه بين سائرون والقانون.

وفيما يتعلق بالقوى الكردية فلايزال الغموض يحيط بموقفها في ظل تضارب الأنباء عن توافق الحزبين الرئيسين أي الديمقراطي والإتحاد الوطني , وهو مايفتح الباب واسعا أمام التحاق كل منهما بأحدى الكتلتين, فالإتحاد يميل الى دولة القانون وخاصة اذا ماضمن منصب رئاسة الجمهورية, فيما لايميل الديمقراطي الكردستاني الى دولة القانون بعد تجربة إتفاقية أربيل.. وقد أثار إجتماع ممثلي الحزبين مؤخرا في منزل زعيم قائمة الفتح تكهنات بإحتمال انضمام كليهما (44 مقعدا) الى تحالف القانون والفتح وهو مايعني أن الأخيره ستشكل الكتلة الأكبر.

لكن التطورات التي أعقبت ذلك الإجتماع يضاف لها الجهود التي بذلها المبعوث الأمريكي برت ماكغورك لجمع الحزبيين الكرديين في وفد واحد للتفاوض مع القوى الشيعية ببغداد, قلبت المعادلة وبددت آمال دولة القانون في تشكيل الكتلة الأكبر. وباتت القوى الكردية تتحدث عن مطالب ينبغي التعهد بتلبيتها من أي طرف كان كشرط للإنضمام الى الكتلة الأكبر وكما صرح بذلك مسرور البرزاني في واشنطن.

وهنا يطرح سؤال نفسه وهو ماذا لو تعهد نوري المالكي بتلبية المطالب الكردية فهل يمكن الوثوق به ومنح ائتلافه فرصة تشكيل الحكومة العتيده؟ لقد أثبتت تجارب السنوات السابقة أن المالكي مستعد لتقديم أعظم التنازلات وأغلظ العهود والمواثيق مقابل الحصول على منصب رئاسة الوزراء. ولنا في تجربة إنتخابات العام 2010 التي خسرها لصالح قائمة العراقية التي تزعمها الدكتور أياد علاوي , خير دليل على ذلك. فقد بذل المالكي المستحيل من اجل الإحتفاظ بمنصبه , إذ طعن في نتائج الإنتخابات حينها (وكما فعل حلفاؤه اليوم من الخاسرين) مطالبا بإعادة العد والفرز, وبعد ثلاثة شهور من التسويف ظهرت النتائج متطابقة وكما هو عليه اليوم!

ثم أقدم على سن سنة سيئة تخالف كافة الأعراف الديمقراطية بحمله المحكمة الإتحادية على تقديم تفسير شاذ لمفهوم الكتلة الأكبرالتي تشكل الحكومة بهدف منع الكتلة الفائزة بالإنتخابات من تشكيلها مما ادى الى تأخير تشكيل الحكومة حينها لعدة شهور, ويتكرر ذات السيناريو اليوم وسيتكرر عقب كل إنتخابات , ولولا ذلك التفسير الشاذ لجرت عملية تشكيل الحكومة بكل سلاسة عبر تكليف الفائز, بدلا من المساومات الجارية اليوم. لكن كل ذلك لم ينفع المالكي فبادر الى طلب النجدة من الجارة إيران التي أقنعت بعض القوى السياسية التي كانت تعارض المالكي على دعمه للبقاء في منصبه.

لكنه وبرغم ذلك فشل في تشكيل الحكومة الا بعد ان قطع عهودا ومواثيق للقوى السنية والكردية وكما ورد في اتفاقية أربيل التي وضعها تحت قدميه بمجرد تشكيله للحكومه! إذ لم يلبي أيا من المطالب الكردية او السنية وأدار الدولة بدكتاتورية مطلقة وظل وزيرا للدفاع وللداخلية طوال سنوات حاكما رافضا حتى تعيين شخصية شيعية لشغل احد المنصبين. فهل يمكن لمن خاض مثل هذه التجربة المريرة مع المالكي والتي كانت عاقبتها سقوط أكثر من ثلث العراق بيد داعش وهدر مئات المليارات من الدولارات ومقتل وسبي آلاف العراق واستشهاد الآلاف , هل يمكنه أن يعيد الكرة ويثق بمثل هذا الشخص؟ الجواب كلا!

ولذا فإن القوى الكردية مدعوة لمراجعة موقفها المبني على الإنضمام الى الكتلة التي تتعهد بتلبية المطالب الكردية, لإن مثل هذا التعهد يمكن للمالكي أن يقطعه على نفسه ولكنه لن يف به أبدا فإن من طبعه الغدر ونكث العهود والمواثيق والتعطش نحو السلطه , لا أمل في وفائه وكما ورد في الحديث الشريف ”لو قيل لك ان جبلا تحرك من مكانه فصدقه ولكن إن قيل لك أن خلق فلان قد تغير فلاتصدق“ , فلو رُدّ المالكي أو من يختار لكرسي رئاسة الوزراء فسيعود لما فعله سابقا. وأمام هذا التجربة المريرة فلاخيار امام القوى الكردية الا الإلتحاق بركب تحالف سائرون الوطني الذي يضع نصب عينيه إنقاذ البلاد من محنتها وبما ينعكس خيرا على جميع مكوناتها استجابة لنداء المرجعية الدينية التي أثبتت أبوتها لجميع المكونات.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here