الخلاف الامريكي الايراني . . السيناريو المتوقع

ادهم ابراهيم

ان موضوع العلاقات الامريكية الايرانية يعتبر من المواضيع الشائكة التي

لا يمكن تغطيتها بمقال واحد ، لكونها تتنقل من الدهاليز المظلمة الى السطح وبالعكس ، وقد بدأت منذ عهد بعيد اي منذ حكم الشاه الذي كان يعتبر

شرطي الخليج ذو العصا الغليظة التي يهدد بها كل من يخرج عن طوع السياسة الامريكية في المنطقة وخصوصا بعد انسحاب بريطانيا من مايسمى شرق السويس ويقصد به الخليج العربي . واستمرت هذه العلاقات حتى بعد عودة خميني الى ايران بظروف غامضة بعد التخلي عن شاه ايران ، ثم الحرب العراقية الايرانية . وبعدها مساعدة ايران لامريكا في غزوها للعراق ومجئ الموالين لها على رأس السلطة في مجلس الحكم المشؤوم ، وكذلك اكتساح ايران لكل من العراق وسوريا تحت ذرائع وحجج شتى رغم ان العراق كان ومايزال يمثل العمق الاستراتيجي لسوريا والذي لايمكن لاحد تخطيه الا ايران مقابل خدماتها
هذه المقدمة لابد منها لمعرفة مايجري من تمثيليات ومسرحيات في المنطقة خصوصا بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الايراني . وما تلاه من عقوبات اقتصادية تجاه ايران . والنبرة الترامبية المتشددة عليها . وبعدها المغازلة لاعادتها الى بيت الطاعة من خلال دعوة ترامب لقادة ايران للتفاوض من دون قيد او شرط

ان في ايران اجنحة متعددة يستخدمها كبار القادة وعلى رأسهم الولي الفقيه حسب متطلبات الوضع السياسي الداخلي والدولي ، فهناك من يسترضي امريكا وهناك من يهددها ويعتبر نفسه متشددا ، وبالمقابل فان امريكا لاتريد من ايران ان تكون وحشا كاسرا ، بل مجرد كلب حراسة تستخدمه لضمان مصالحها ، وقد مكنتها من التمدد في المنطقة بعد الاتفاق النووي لتحقيق كل او بعض الاهداف الامريكية وعلى رأسها :ء

القضاء على الروح القومية العربية وتجريدها من اي نزعة للمقاومة تجاه الوجود الاسرائيلي في خاصرة العرب ، وذلك عن طريق احلال العقائد الدينية والطائفية محل الشعور القومي

ابتزاز الدول الخليجية الغنية وجعلها تدفع الاتاوات لامريكا لوقف التهديد الايراني المستمر لها

واخيرا وليس اخرا احلال الصراع العربي الايراني محل الصراع العربي الاسرائيلي ، واعتبار ايران الخطر الاقرب والاكثر خطورة من حيث تهديده للانظمة العربية، او الوجود العربي . تمهيدا لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني وصولا الى صفقة القرن

لقد تم تحقيق الاهداف الامريكية هذه بنجاح ، وساعدها في ذلك النزعة

التوسعية لقادة ايران ، تحت شعار تصدير الثورة الاسلامية وماهي الا نزعة قومية ايرانية للتوسع باسم الدين . هذه النزعة التي لاتختلف بتاتا عن النزعة

التوسعية للشاه في التمدد الايراني في الخليج العربي والمنطقة العربية

بعد ان تم تحقيق الاهداف الامريكية الاسرائيلية المشتركة هذه جاء الدور لتقليم الاظافر الايرانية وابقائها للعب دور الشرطي فقط في الخليج والمنطقة العربية لضمان استمرار المصالح الامريكية والدولة العبرية . . ومن نافلة القول ان امريكا لاتريد القضاء على النظام الايراني وانما ترويضه او تدجينه ليكون على اهبة الاستعداد لاي طارئ كالذي كان يلعبه شاه ايران في المنطقة ، لاثارة التوترات كلما استدعى الامر ذلك

فقامت امريكا ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي اولا ثم فرض العقوبات الاقتصادية عليها . ولقد لعب الاتحاد الاوربي دوره في التخفيف من اثار ردة الفعل للشارع الايراني وللاجنحة المتشددة في ايران وهي في النهاية خاضعة كلها لاوامر الولي الفقيه . . فاتخذ الاتحاد الاوروبي موقفه المنحاز للاتفاق النووي اي لموقف ايران . والكل يعرف بان الاتحاد الاوروبي لاقبل له بمعاداة امريكا ولا حتى للخروج عن طوعها وارادتها ، وهانحن نشاهد الموقف الاوروبي المترنح وغير الجاد من الاتفاق النووي الايراني

ان ايران ليست غائبة عن كل هذه الالاعيب ، ولكنها تحاول انتزاع اكبر قدر ممكن من المكاسب ، ولذلك نراها تارة تهدد اوروبا بانها لن تقبل بالمماطلة فيما يتعلق بالاتفاق النووي ، وتارة اخرى تهدد امريكا بقطع امدادات النفط في مضيق هرمز و باب المندب . والجميع يعلم جيدا ان مثل هذه التهديدات لايمكن تحقيقها حتى ولو شكليا لان النفط عنصر اساسي من عناصر الحياة ليس لامريكا واوروبا فقط بل ولكل العالم شرقا وغربا . وان ايران لاتمتلك اي مقومات بحرية اوعسكرية متطورة لغلق المضائق ناهيك عن مواجهة العالم . وكل ماتمتلكه هو زوارق سريعة مزودة باسلحة خفيفة تستطيع ازعاج القوى البحرية وليس مقاومتها . وفي اقصى الحالات تستطيع القيام بعمليات انتحارية

نستطيع ان نؤكد هنا بان امريكا مازالت قادرة على غزو ايران مثلما فعلت في العراق ولكن هذا ليس من اهدافها رغم انها وضعت خططا لتنفيذ هذا السيناريو عند وجود الحاجة كابعد احتمال . وقد نفى وزير الدفاع الامريكي مثل هئا التصور

ان امريكا رغم قوتها لاتريد الدخول في معارك حربية مباشرة او غير مباشرة مع ايران او الميليشيات المسلحةالتابعة لها ، لعدم رغبتها في صرف الاموال اللازمة لذلك وهي تعلم الكلف العالية لمثل هذه الحروب من خلال الاحتلال الامريكي للعراق ، كما انها غير مستعدة للتضحية باي جندي امريكي لتحقيق اهدافها ، خصوصا وانها قادرة على وقف التمدد الايراني وردعها من خلال فرض العقوبات الاقتصادية عليها ، وامريكا ليست في عجلة من امرها ، وعلى الاخص بعد ان شاهدت الهبوط السريع والمريع للتومان الايراني مقابل الدولار الامريكي والذي سيفجر الاوضاع في كل انحاء ايران بثورة شعبية لاتبقي ولاتذر

ان ايران كما قلنا تحاول مقاومة هذه العقوبات لتحقيق اقصى ماتستطيع من مكاسب انجزتها على الارض وخصوصا في العراق وسوريا وهي قد ابدت استعددها للانسحاب من اليمن مبكرا ، وهي بهذا الصدد تعتمد على خرق العقوبات من خلال التعاون التركي معها وكذلك من خلال سيطرتها شبه المطلقة على الوضع السياسي والاقتصادي العراقي . وقد تبرع العراق مسبقا للدفاع عن الجمهورية الاسلامية عندما اعلنت وزارة الخارجية رفضها لهذه العقوبات رغم ان رئيس الوزراء العراقي قد صرح بانه سينفذ العقوبات الامريكية . هذه العقوبات التي واجهت سلسلة من الاستهجانات الميليشياوية العراقية المؤيدة لولي الفقيه الايراني

وعلى العموم فان ايران اخذت منذ الان تعاني من وضع اقتصادي مزري خصوصا وان التزاماتها العسكرية في سوريا واليمن قد استنفدت ميزانياتها . وان العقوبات الامريكية الجديدة ستجعل الشعب الايراني المغلوب على امره في وضع لايحسد عليه وربما سينقلب على حكامه رغم القمع المفرط لازلام النظام عليه . ولذلك تحاول ايران مكابرة منها لمجابهة هذه العقوبات في ابتزاز الساسة العراقيين ومساومتهم للبقاء في السلطة مقابل تسهيل التهرب الايراني للعقوبات الامريكية وستحاول شراء الذهب العراقي والدولار من البنك المركزي العراقي عن طريق مزاد العملة المشبوه وعن طريق تزوير العملة العراقية او الدولار لدفع اقيام الذهب المسلوب كما فعلت ذلك سابقا ، ولكنها هذه المرة ستكون اشد وطءا وشراسة على الوضع الاقتصادي العراقي من المرات السابقة . وسيغرق العراق اكثر واكثر في مستنقع الولاء المطلق لايران ولولي الفقيه فيها . كما ان الميليشيات العراقية الموالية لايران ستتضرر هي الاخرى من العقوبات وسيتعذر دفع الرواتب الى مرتزقتها مما سيدفعهم لابتزاز المواطنين العراقيين من خلال نصب السيطرات او من خلال السرقة والسطو على البنوك والمراكز المالية . وعليه فان العقوبات ستشمل بطريقة غير مباشرة كل المرتزقة الموالين لايران

وبالرغم من ان خامنئي قد اعلن حرمة التفاوض مع امريكا الا اننا نعتقد ان ايران برغماتية وسيسعى قادتها ان آجلا ام عاجلا لتقديم كل التنازلات للولايات المتحدة الامريكية والانصياع لاوامرها في عقد اتفاق نووي جديد يشمل الصواريخ البالاستية ايضا ، والعودة الى حدودها الدولية السابقة مع بقاء نفوذها في العراق الى حين . وان ذلك لن يطول كثيرا بعد ان ترى اشتداد العقوبات وضغط الشارع عليها وستعود راكضة الى الشيطان الاكبر من اجل مجرد البقاء في السلطة وممارسة دور الشرطي الواقف تحت الاستعداد

ادهم ابراهيم

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here