بؤس السنيين في حكم الأسلاميين

بعد عقد ونصف من السنوات الثقيلة التي ضربت العراق و شعبه في اشد محنة و اكثرها سؤآ و بؤسآ فالتردي و الأنحطاط و عدم الكفاءة يعم و يشمل كل مؤسسات الدولة بدءآ من رئاسة الوزراء مرورآ بالوزراء و انتهاءآ بالموظفين و المستخدمين في الدولة اذ لم يكن للخبرة و الكفاءة أي تقدير او اعتبار في اختيار رئيس الوزراء و هو المنصب التنفيذي الأول و الأهم في الدولة و عليه تعتمد بقية دوائر الدولة في حركتها و توجهاتها و اذا كان هذا المنصب قد ظل شاغرآ و خاليآ من تلك الشخصية الفذة و الجديرة به منذ العام الذي سقط فيه الحكم السابق و انهارت معه مؤسسات الدولة و دوائرها .

اعقب سقوط النظام السابق استيلاء ( حزب الدعوة الأسلامية ) على الحكم و هو حزب اسلامي الهوية و الأيدولوجيا يتوافق كثيرآ مع اطروحات الأخوان المسلمين حتى ذهب البعض الى تسميته بالجناح الشيعي للأخوان المسلمين و قد عانى كثيرآ من الظلم و التعسف و الأظطهاد في عهد الرئيس السابق ( صدام حسين ) فقد كانت السجون و المعتقلات تعج بأعضائه و كانت ميادين الأعدامات غالبآ ما يكون زبائنها من الأفراد المنتمين له حتى اولئك الذين يشك في انتمائهم لهذا الحزب كان الأعدام و التصفية الجسدية هي العقوبة التي كانت بأنتظارهم و تلك العقوبة التي كان اعضاء هذا الحزب و مناصريه على علم مسبق بها و مع ذلك كانوا على استعداد تام في الأقدام و التضحية بالنفس و كانت هناك العديد من المواقف المبدئية الشجاعة للكثير من اعضاء الحزب و مؤيديه .

كان ذلك الظلم و الأضطهاد الذي عانى منه حزب الدعوة و الجماعات الأسلامية الأخرى ما خلق حالة من التعاطف الشعبي الكبير مع اعضائه و منتسبيه و هذا ما جعل اغلب اصوات الناخبين تذهب في صالح هذا الحزب في الأنتخابات الأولى و ما تلاها التي جرت في العراق عقب احتلال البلاد و سقوط النظام السابق حيث اكتسحت الأحزاب الأسلامية و التي كان حزب الدعوة في المقدمة منها حيث نال النصيب الأكبر من تلك الأصوات و التي كانت الأساس الساند التي اوصلت هذا الحزب الى سدة الحكم و ترؤس السيادة و كانت هناك دورات انتخابية متعددة اخرى يفوز بها حزب الدعوة بأغلبية الناخبين و المقترعين .

لم تكن مسيرة حزب الدعوة في الحكم بأفضل من سابقه حزب البعث ان لم تكن اسؤ في الكثير من المجالات التي نجح فيها حزب البعث و اخفق فيها حزب الدعوة فقد استطاع حزب البعث من بناء دولة قوية ذات مؤسسات رصينة بعيدة جدآ عن الصراع السياسي الذي كانت تجري فصوله في القيادات العليا للحزب و الدولة و لم تنعكس تلك الصراعات على الأداء الوظيفي للمؤسسات الحكومية في حين كان التنافس الحزبي في عهد حكم حزب الدعوة يشطر المؤسسات الحكومية عموديآ و افقيآ بين مؤيدين و معارضين ما جعل المؤسسة الحكومية تصاب بشلل تام و تعجز عن تقديم الأمن و الخدمات الى المواطنيين .

لم يستطع حزب الدعوة في خلال السنوات الماضية من سيطرته على الحكم من انتاج رجل دولة واحد على الأقل يكون محط تأييد شعبي واسع و بأمكانه ادارة دولة كبيرة و معقدة مثل العراق بكل قومياته و اديانه و طوائفه و اذا كان حزب البعث قد التف على فكره القومي من خلال الأيحاء بالبعد الأنساني للقومية و بالتالي استطاع من ان يضم الى صفوفه الكثير من ابناء القوميات الأخرى مثل الكرد و التركمان و غيرهم و بذلك تمكن من تقديم نفسه على انه الممثل لكل اطياف الشعب العراقي في حين ظل حزب الدعوة اسيرآ في قوقعته الطائفية الضيقة و لم يستطيع الخروج منها لذلك لم يكن بمقدوره الأدعاء بتمثيل جميع ابناء الشعب المتنوع الأعراق و المعتقدات .

النكسة الكبرى التي حلت على الشعب و الدولة في العراق لم تكن في حكم حزب البعث القاسي بكل اشكال العذاب و المعاناة و الحروب و التي قاسى منها العراقيين كثيرآ و لم تكن في تلك الحرب الطويلة مع ايران و ما قدم فيها العراقيين من التضحيات الجسام الشيئ الكثير من المعاناة التي تشمل تلك الأسرمن فقدانها المعيل الوحيد و لم تكن بذلك الحصار الأقتصادي المميت الذي اذاق العراقيين مرارة الجوع و الم الحرمان ما اضطر الكثير من العوائل الى بيع ما يملكون من اثاث و متاع و حتى الأنفس .

المأساة العظيمة و الكارثة الكبيرة التي حلت بالشعب العراقي كانت يوم استلام حزب الدعوة الحكم في البلاد و هو الذي لا يملك أي خبرة او تجربة في الحكم و الحكومة فكان اغلب المسؤولين و الوزراء الحكوميين لا يملكون من المؤهلات العلمية و المهنية شيئآ سوى انهم من ( الصائمين المصلين ) و هكذا عم الخراب و فسدت الأنفس و بيعت الضمائر كما تباع السلع في الأسواق و وجد الحكام ( المؤمنون ) لكل اعمالهم الرديئة ما يبررها لهم النص القرآني ان هم ما احسنوا التأويل و اجادوا التفسير فصار القتل دفاعآ عن الدين و المقدسات و اصبحت السرقة من الدولة ( الكافرة ) غير محرم ان لم يكن مستحبآ و لم تعد هناك من مقاييس او معايير او حتى قوانين يرجع اليها و قت الحيرة و الحاجة هذا ما جناه الشعب العراقي المنكوب بآفة فتاكة يطلق عليها تسمية حزب الدعوة الأسلامية .

حيدر الصراف

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here