قصة إٍسلام الصحابي سلمان الفارسي رضي الله عنه

سلمان الفارسي، وهو سلمان ابن الإسلام، أبو عبد الله الفارسي سابق الفرس إلى الإسلام، صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وخدمه وحدث عنه بنحو 67 حديثًا. وكان لبيبا حازما، من عقلاء الرجال وعبادهم ونبلائهم كما قال الإمام الذهبي رحمه الله في سير اعلام النبلاء.

كانَ سلمان الفارسي رضي الله عنه، على دين والده المجوسية، ثم تنصر واستقر فترة في بلاد الشام والموصل، وبعدها لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم، واسلم عنده، فحسن اسلامه وجهاده، وهو صاحب فكرة حفر الخندق، فما كانَ العرب يعرفونها قبله، فقد كانت تستخدم في بلاد فارس، ومنها أجاز الإسلام إستخدام الأفكار الحربية وأسلحة الكفار والمشركين في قتالهم، فعن عبد الله المزني، عن أبيه، عن جده: (أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خط الخندق عام حرب الأحزاب، حتى بلغ المذاحج، فقطع لكل عشرة أربعين ذراعا، فاحتج المهاجرون: سلمان منا، وقالت الأنصار: سلمان منا. فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: فذكره)، رواه الطبراني والحاكم.

ونزلت الآية 62 من سورة البقرة في أصحاب سلمان رضي الله عنه الذين توفاهم الله على النصرانية قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ). قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره: (الآية نزلت في أصحاب سلمان الفارسي، بينا هو يحدث النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذكر أصحابه، فأخبره خبرهم، فقال: كانوا يصومون ويصلون ويؤمنون بك، ويشهدون أنك ستبعث نبيا، فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم، قال له نبي الله صلى الله عليه وسلم: يا سلمان، هم من أهل النار . فاشتد ذلك على سلمان، فأنزل الله هذه الآية، فكان إيمان اليهود: أنه من تمسك بالتوراة وسنة موسى، عليه السلام؛ حتى جاء عيسى. فلما جاء عيسى كان من تمسك بالتوراة وأخذ بسنة موسى، فلم يدعها ولم يتبع عيسى، كان هالكا. وإيمان النصارى أن من تمسك بالإنجيل منهم وشرائع عيسى كان مؤمنا مقبولا منه حتى جاء محمد صلى الله عليه وسلم، فمن لم يتبع محمدا صلى الله عليه وسلم منهم ويدع ما كان عليه من سنة عيسى والإنجيل كان هالكا، قال تعالى:(وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، آل عمران: 85).

وقصة إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه يرويها بلسانه نقلًا عن ابن عباس رضي الله عنها كما جاءَ في سير اعلام النبلاء للإمام الذهبي رحمه الله:

(كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان، من أهل قرية منها يقال لها جي وكان أبي دهقانها، وكنت أحب خلق الله إليه، فلم يزل بي حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية، فاجتهدت في المجوسية حتى كنت قاطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة. وكانت لأبي ضيعة عظيمة، فشغل في بنيان له يوما، فقال لي: يا بني، إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي، فاذهب فاطلعها، وأمرني ببعض ما يريد. فخرجت، ثم قال: لا تحتبس علي; فإنك إن احتبست علي كنت أهم إلي من ضيعتي، وشغلتني عن كل شيء من أمري. فخرجت أريد ضيعته، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس بحبس أبي إياي في بيته، فلما مررت بهم، وسمعت أصواتهم، دخلت إليهم أنظر ما يصنعون، فلما رأيتهم أعجبتني صلواتهم، ورغبت في أمرهم، وقلت: هذا – والله – خير من الدين الذي نحن عليه; فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس، وتركت ضيعة أبي ولم آتها، فقلت لهم: أين أصل هذا الدين؟ قالوا: بالشام. قال: ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله، فلما جئته قال: أي بني، أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قلت: يا أبة، مررت بناس يصلون في كنيسة لهم، فأعجبني ما رأيت من دينهم، فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس. قال: أي بني، ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خير منه. قلت: كلا والله، إنه لخير من ديننا. قال: فخافني، فجعل في رجلي قيدا، ثم حبسني في بيته. قال: وبعثت إلى النصارى، فقلت: إذا قدم عليكم ركب من الشام تجار من النصارى، فأخبروني بهم. فقدم عليهم ركب من الشام، قال: فأخبروني بهم، فقلت: إذا قضوا حوائجهم، وأرادوا الرجعة، فأخبروني. قال: ففعلوا، فألقيت الحديد من رجلي، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام. فلما قدمتها، قلت: من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا: الأسقف في الكنيس . فجئته، فقلت: إني قد رغبت في هذا الدين، وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك، وأتعلم منك، وأصلي معك. قال: فادخل، فدخلت معه، فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها، فإذا جمعوا إليه منها شيئا، اكتنزه لنفسه، ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق، فأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع. ثم مات، فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه، فقلت لهم: إن هذا رجل سوء، يأمركم بالصدقة، ويرغبكم فيها، فإذا جئتم بها، كنزها لنفسه، ولم يعط المساكين، وأريتهم موضع كنزه سبع قلال مملوءة، فلما رأوها قالوا: والله لا ندفنه أبدا. فصلبوه ثم رموه بالحجارة. ثم جاءوا برجل جعلوه مكانه، فما رأيت رجلا – يعني لا يصلي الخمس – أرى أنه أفضل منه، أزهد في الدنيا، ولا أرغب في الآخرة، ولا أدأب ليلا ونهارا، ما أعلمني أحببت شيئا قط قبله حبه، فلم أزل معه حتى حضرته الوفاة، فقلت: يا فلان، قد حضرك ما ترى من أمر الله، وإني والله ما أحببت شيئا قط حبك، فماذا تأمرني وإلى من توصيني؟ قال لي: يا بني – والله – ما أعلمه إلا رجلا بالموصل فائته; فإنك ستجده على مثل حالي. فلما مات وغيب لحقت بالموصل، فأتيت صاحبها، فوجدته على مثل حاله من الاجتهاد والزهد، فقلت له: إن فلانا أوصاني إليك أن آتيك وأكون معك. قال: فأقم أي بني. فأقمت عنده على مثل أمر صاحبه حتى حضرته الوفاة. فقلت له: إن فلانا أوصى بي إليك وقد حضرك من أمر الله ما ترى، فإلى من توصي بي؟ وما تأمرني به؟ قال: والله ما أعلم، أي بني، إلا رجلا بنصيبين. فلما دفناه، لحقت بالآخر، فأقمت عنده على مثل حالهم حتى حضره الموت، فأوصى بي إلى رجل من أهل عمورية بالروم، فأتيته فوجدته على مثل حالهم، واكتسبت حتى كان لي غنيمة وبقيرات. ثم احتضر فكلمته إلى من يوصي بي؟ قال: أي بني، والله ما أعلمه بقي أحد على مثل ما كنا عليه آمرك أن تأتيه، ولكن قد أظلك زمان نبي يبعث من الحرم، مهاجره بين حرتين إلى أرض سبخة ذات نخل، وإن فيه علامات لا تخفى، بين كتفيه خاتم النبوة، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، فإن استطعت أن تخلص إلى تلك البلاد فافعل; فإنه قد أظلك زمانه. فلما واريناه، أقمت حتى مر بي رجال من تجار العرب من كلب، فقلت لهم: تحملوني إلى أرض العرب، وأعطيكم غنيمتي وبقراتي هذه؟ قالوا: نعم. فأعطيتهم إياها وحملوني، حتى إذا جاءوا بي وادي القرى ظلموني، فباعوني عبدا من رجل يهودي بوادي القرى، فوالله لقد رأيت النخل، وطمعت أن يكون البلد الذي نعت لي صاحبي. وما حقت عندي حتى قدم رجل من بني قريظة وادي القرى، فابتاعني من صاحبي، فخرج بي حتى قدمنا المدينة، فوالله ما هو إلا أن رأيتها، فعرفت نعتها. فأقمت في رق، وبعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم بمكة لا يذكر لي شيء من أمره مع ما أنا فيه من الرق، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء، وأنا أعمل لصاحبي في نخلة له، فوالله إني لفيها إذ جاءه ابن عم له فقال: يا فلان، قاتل الله بني قيلة، والله إنهم الآن لفي قباء مجتمعون على رجل جاء من مكة يزعمون أنه نبي. فوالله ما هو إلا أن سمعتها فأخذتني العرواء – يقول الرعدة – حتى ظننت لأسقطن على صاحبي، ونزلت أقول: ما هذا الخبر؟ فرفع مولاي يده فلكمني لكمة شديدة، وقال: ما لك ولهذا، أقبل على عملك. فقلت: لا شيء; إنما سمعت خبرا فأحببت أن أعلمه. فلما أمسيت، وكان عندي شيء من طعام، فحملته وذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء، فقلت له: بلغني أنك رجل صالح، وأن معك أصحابا لك غرباء، وقد كان عندي شيء من الصدقة فرأيتكم أحق من بهذه البلاد، فهاك هذا ، فكل منه. قال: فأمسك، وقال لأصحابه: كلوا. فقلت في نفسي: هذه خلة مما وصف لي صاحبي. ثم رجعت، وتحول رسول الله إلى المدينة، فجمعت شيئا كان عندي ثم جئته به، فقلت: إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية. فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل أصحابه، فقلت: هذه خلتان. ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتبع جنازة وعلي شملتان لي وهو في أصحابه، فاستدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف. فلما رآني استدبرته عرف أني أستثبت في شيء وصف لي، فألقى رداءه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم فعرفته، فانكببت عليه أقبله وأبكي. فقال لي: تحول. فتحولت، فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس، فأعجب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يسمع ذلك أصحابه. ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدر وأحد. ثم قال رسول الله: كاتب يا سلمان. فكاتبت صاحبي على ثلاث مائة نخلة أحييها له بالفقير وبأربعين أوقية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: أعينوا أخاكم. فأعانوني بالنخل الرجل بثلاثين ودية والرجل بعشرين، والرجل بخمس عشرة، حتى اجتمعت ثلاث مائة ودية. فقال: اذهب يا سلمان ففقر لها، فإذا فرغت فائتني أكون أنا أضعها بيدي. ففقرت لها وأعانني أصحابي، حتى إذا فرغت منها، جئته وأخبرته، فخرج معي إليها نقرب له الودي، ويضعه بيده. فوالذي نفس سلمان بيده ما ماتت منها ودية واحدة، فأديت النخل، وبقي علي المال، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة دجاجة من ذهب من بعض المغازي، فقال: ما فعل الفارسي المكاتب؟ فدعيت له، فقال: خذها فأد بها ما عليك. قلت: وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي؟ قال: خذها فإن الله سيؤدي بها عنك. فأخذتها فوزنت لهم منها أربعين أوقية، وأوفيتهم حقهم وعتقت، فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم – الخندق حرا، ثم لم يفتني معه مشهد)، إنتهى.
إيهاب المقبل

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here