تأبين وطني وحديث إنساني

بقلم رفعت الزبيدي

أصل المرء في مروءته وإنسانيته يعطيك انطباعاً أنه أصيل وذو خلق عظيم . تعرف هذا من تجربةٍ تعيشها معه وتُختصر لك كل المعاني والقيم الانسانية، هذا مانبحثُ عنه ونتساءل في أيّ زمان ومكان هو . ولأن من أكتب عنه قد رحل من الحياة الدنيا مفارقاً أهله ومحبيه فان جوانب مهمة نحتاج للوقوف عندها نأخذ منها العبر في زمن قلّ فيه أصحاب القيم . أنا الْيَوْمَ أعود مع سادتي القرّاء الى العام ١٩٩١ متوجهاً الى مدينةِ دهوك مع اثنين من أصدقاءي من أبناء الجنوب واحد من مدينة البصرة قضاء المدينة والآخر من مدينة الكوت قاصدين سوريا. وفِي دهوك ستكون محطتي الموقتة أزور فيها صديق لي إسمه محمد علي اتروشي . ذكريات جميلة جمعتنا في بيته الكريم في الثمانينيّات من القرن المنصرم عادت هذه المرة وانا في حالة مختلفة حيث محاولة الخروج من الوطن الى محطة جديدة كمعارض للنظام الحاكم آنذاك ، حينها نصحني الاخ الفقيد محمد علي ولم الخروج الى سوريا؟ ابقى معنا واعمل في قناة الشعب القسم العربي . وفعلا عملت بنصيحته وبدأت رحلتي الاعلامية من مدينة دهوك وفي بيت كريم من بيوتات أهل المدينة الكرام. لاتشعر أنك غريب بينهم فأنا كواحد منهم . في محبتهم وتعاملهم الانساني تذوب هذه المفاهيم القومية والطائفية التي ظهرت في العراق بعد العام 2003 وتتسائل لم لاتعود تلك الصفحة المشرقة في علاقاتنا الانسانية ؟ وهي نادرة وأقولها بكل صراحة أن تلك المفاهيم لمستها من الكرد سواء الكرد الفيليين جنوب العراق أم الكرد في اقليم كرستان العراق. لهم ثقافتهم وانسانيتهم المتيمزة عنا نحن العرب . هذه هي الحقيقة . ولهذا أكتب تأبينا انسانيا ووطنيا أيضا فكل مانحتاج اليه في الوطن هو الانتتماء الى بعضنا البعض كبشر نتقاسم الآلام والافراح . كما هو ألمي في وداع اخي وصديقي محمد علي الأتروشي. الصفحة الثانية من التأبين أن الفقيد ينتمي الى أسرة مناضلة ضد نظام صدام حسين وحزب البعث والده من المناضلين الأوائل في الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة ملا مصطفى البرزاني آنذاك وكان يعتز بقيمه النضالية وهي جزء من القيم الانسانية للشعب الكردي ونقلها في التربية والتوجيه الى أبناءه وبناته. كان أخي وصديقي الراحل محمد علي كتوما في عمله التنظيمي المعارض للنظام السابق وكانت هذه سمة ناجحة في حركة الشباب الكردي وعلى مختلف توجهاتهم وانتماءاتهم الحزبية من خلال علاقتك معهم تستطيع أن تقول ان هذا الشخص لديه انتماء او تعاطف مع جهة سياسية معارضة لكنك لاتستطيع أن تجزم او ان تقول له ذلك لحساسية الموقف فالوعي السياسي موجود لديهم وهم في مرحلة الدراسة الثانوية والجامعية وهذا مايحتاج اليه شبابنا اليوم وهم يواجهون نظاما سياسيا جديدا أخطر من مرحلة حزب البعث . النقطة المهمة يمتلكون في الاعم منهم حدس الثقة بالطرف المقابل وينفتحون معه في التعبيرعن أفكارهم وليس انتماءهم التنظيمي وكان الفقيد الراحل يمتلك هذا الحس الثوري والذكاء في التعامل مع الطرف المقابل . لهذا فان حضوره بين من يعرفونه ومن لا يعرفونه هو حضور وطني للعراقي المحب لوطنه وحضور كردي لكل مواطن كردي يعتز بقوميته وحضور انساني لكل من أحب وشعر بوحدة الوجود الانساني . عزائي وسلوتي الوحيدة في هذا الفراق أخي محمد علي أنك رحلت من الحياة الدنيا ويداك نظيفتنان لم تتورط في ألم انسان او سرقة مال حرام وكان بمقدروه وبحكم مسؤولياته أن يكون كغيره من الذين توفرت لهم الفرص . بقي انسان نظيف في رزقه وعمله وبه نرفع رؤسنا مفتخرين به . رحمك الله ايها الصديق والرفيق . دمت في رحمة الله.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here