قصة قصيرة ……

احمد جاسم العلي.

الناشطة.

ألقت نظرة على سيارتها الحديثة بينما كان والدها، الموظف المتقاعد، يفتح لها باب الكراج وبقايا النوم في عينيه. إنها أبنته الوحيدة الباقية في البيت مع أمها المريضة. كان الجو باردا في الصباح، إلا إنها كانت متحمسة لحضور احتفالية اليوم نظرا لأهمية المناسبة. في الطريق، على الخط السريع، فكرت في الكلمة التي ستلقيها أمام الحاضرين، وتخيلت ردة الفعل عند الجميع بعد أن تنتهي منها. ولكنها فكرت، أيضا، أن هذه ليست المرة الأولى التي تقف فيها هذا الموقف في مناسبات أخرى مماثلة. وابتسمت لنفسها….

…. فجأة سمعت من خلفها صوت انفجار واحد من الإطارين الخلفيين اضطربت بسببه حركة السيارة وارتبكت هي خلف المقود قبل أن تتوقف على جانب الطريق وتنزل منها. مرت بها سيارة فصاح عليها رجل يجلس بجانب السائق

” بنجر، بنجر.” ولكن صاحبه لم يتوقف.

رأت الإطار الخلفي الأيمن قد أنبطح على الأرض فتأففت وهي ترفع رأسها إلى السيارات التي تمر بها مسرعة. فكرت، كيف ستعالج الأمر. هل تتصرف كما حدث في المرة السابقة قبل عام تقريبا؟ ترددت في التلويح للسيارات التي تمر بها. وقبل ان تحسم أمرها رأت من بعيد سيارة (شيري) صغيرة تقترب منها ثم تجتازها لتقف بجانب الطريق على مبعدة من سيارتها. نزل سائق السيارة؛ رجل في الأربعين من عمره.

” السلام عليكم، ها خير، أختي؟”

” والله صار عندي (بنجر)” أجابت بشيء من الاستكانة والرجاء.

” عندك جك وسبير؟ ”

” نعم.” قالت وتحركت لفتح باب الصندوق الخلفي.

” إذا تسمحين، انتظري بعيد عن الشارع إلى أن أنتهي.” قال بلطف.

وقبل أن ينتهي من وضع الإطار الاحتياط، اقتربت منه. ” العفو، خلصت؟”

” نعم،” وأردف من وحي سؤالها ” حضرتِك موظفة؟”

” نعم موظفة.” أجابت، ولكنها لم تشأ ان تخبره سبب تأخرها الحقيقي.

” تفضلي اصعدي.”

” آني أشكرك. صارت زحمه، مع السلامة.” قالت وهي تفتح باب السيارة.

” مع السلامه.” رد عليها ملوحا بيده.

وصلت إلى المكان الذي ستُقام فيه الاحتفالية. رحبت بها الصديقات والأصدقاء. كانوا يعتبرونها من الناشطات المدنيات المتحمسات والداعيات إلى حرية المرأة ومنحها حقوقها الاجتماعية وخاصة المساواة بينها وبين الرجل في جميع مجالات الحياة. كانت تعتقد أن ما يقوم به الرجل عادة تستطيع أن تقوم به المرأة أيضا، لا فرق. وعندما جاء دورها في الكلام بمناسبة يوم المرأة تكلمت حول هذا الموضوع وأطالت فيه، وشَدَّت إليها المستمعين والمستمعات. وفي نهاية الاحتفالية ركبت سيارتها عائدة إلى البيت.

في الطريق رجت في سرها أن لا يحدث ما حدث لها في الصباح، وخافت فيما لو حدث ولم يتوقف لها احد بسيارته في الشارع، عندها، لن تجد إلا أن تقوم هي أيضا بما يقوم به الرجل عادة!

بغداد في 2016

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here