من ايلول الثورة الى ايلول الاستفتاء

جواد ملكشاهي
بعد نجاح ثورة 14 تموز من عام 1958 قام رئيس الوزراء عبدالكريم قاسم بتوجيه دعوة للخالد مصطفى بارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني الى العودة للعراق بعد ان لجأ الى الاتحاد السوفيتي اثر انهيار جمهورية كوردستان في مهاباد نتيجة مؤامرة مشتركة بين رضا شاه امبراطور ايران والحكومة السوفيتية آنذاك.
لم تدم العلاقة بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني و حكومة قاسم طويلا نتيجة تنصل الاخيرة عن وعودها للبارزاني بشأن الحقوق القومية لشعبنا الكوردستاني ما دفع قيادة الحزب الى اللجوء الى الجبال ثانية واعلان ثورة شعبية واستمرار الكفاح المسلح وذلك في الحادي عشر من ايلول من عام 1961.
لم تكن ثورة ايلول مختصة بالشعب الكوردي في العراق فحسب بل كانت ثورة شعبية شارك فيها العرب والتركمان والمسيحيين وغيرهم لأن ارض كوردستان وقراها كانت ملجأ آمنا لجميع القوى السياسية الوطنية والاحرار العراقيين ، فضلا على انها كانت تحمل طابعا قوميا وطنيا عندما رفعت شعار( الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكوردستان) لان قيادة الثورة كانت تعتقد اعتقادا راسخا بان من دون تطبيق الديمقراطية الحقيقية في العراق لايمكن حل القضية الكوردية ووضع حل جذري للمشاكل بين الكورد والدولة العراقية.
حاول النظام والقوى الشوفينية الموالية له ان تشوه اهداف الثورة بانها حرب قومية بين الشعبين الكوردي والعربي ، لكن حكمة البارزاني الخالد وقيادة الحزب الديمقراطي الديمقراطي الكوردستاني اجهضت كل تلك المحاولات لخلق فتنة بين الشعبين بعد ان اصبحت مناطق كوردستان المحررة ملاذا آمنا لجميع من كان النظام يطاردهم بسبب انتماءاتهم السياسية والفكرية التي كانت بالضد من نهج النظام الشوفيني واضحت القرى الكوردستانية مضايف سخية لمن ضاقت به ارض العراق نتيجة سياسات النظام القمعية.
لقد حققت ثورة ايلول هدفها الاساس بتوقيع اتفاقية 11 اذار من عام 1970 بين الحكومة العراقية والثورة الكوردية عندما اعترفت بغداد بشكل رسمي بحقوق الكورد في العراق واعلان استعدادها لمنح الحكم الذاتي لشعب كوردستان ، لكن تنصل النظام عن وعوده وعدم تنفيذ اتفاقية اذار دفع بالكورد الى اللجوء مرة اخرى لحمل السلاح واستئناف الكفاح المسلح كوسيلة لانتزاع حقوقهم العادلة.
بعد اشهر من القتال الضاري بين قوات البيشمركة والجيش العراقي واثر مؤامرة مشتركة بين شاه ايران والحكومة الجزائرية والقوى الكبرى وبالاخص الولايات المتحدة الامريكية تعرضت الثورة الى انتكاسة مؤقتة لم تدم اشهر حتى تمكنت قيادة الحزب من لملمة الجراح و تشكيل قيادة مؤقتة وبناء الهرم الحزبي والعسكري من الكوادر المخلصة التي لم تترك الساحة ايمانا منهم بان الظرف مؤقت وستعود الامور الى نصابها.
بعد مسيرة حافلة بالنضال المشرف استمرت 56 عاما من انطلاق ثورة ايلول العظيمة حقق شعب كوردستان مكسبا قوميا كبيرا بل حقق حلما طال انتظاره عقود من الزمن في 25 من شهر ايلول من العام الماضي والذي كان امتدادا لما حققته ثورتي ايلول وكولان وهوالاعداد لمشروع اجراء الاستفتاء على تقرير المصير والسعي لبناء كيان كوردي مستقل ، لقد حمل لواء هذا المشروع القومي الكبير عين الحزب والقيادة التي فجرت ثورة ايلول وعلى رأسها سيادة الرئيس مسعود بارزاني الذي وقف وقفة شجاعة ومشرفة بوجه كل القوى الاقليمية والدولية التي حاولت ان تقف عائقا امام مشروعنا القومي من اجل مصالحها.
لم تثني جميع تلك الضغوطات والتهديدات القيادة الكوردية المتمثلة بالرئيس مسعود بارزاني عن المضي في مشروعها الستراتيجي وتم اجراء الاستفتاء بنجاح في 25 ايلول من عام 2017 عندما صوت اكثر من 92% من شعب كوردستان بنعم للدولة المستقلة الكوردية على الرغم من جميع التحديات و تكالب قوى الشر على اقليم كوردستان وفرض حصارا اقتصاديا وسياسيا جائرا عليه ، لكن الاستفتاء رغم كل تداعياته السلبية حقق هدفه المرسوم واصبح وثيقة تاريخية بيد الشعب الكوردي يمكن استخدامها حينما تكون الفرصة مناسبة والظروف الاقليمية والدولية مساعدة باعتباره تفويضا جماهيريا ومطلبا قوميا لايمكن التخلي عنه بكل الاحوال.
ونحن اذ نحتفل هذه الايام بذكرى ثورة ايلول العظيمة وعرس الاستفتاء الذي جرى في نفس الشهر من العام الماضي ننحني اجلالا لشهداء امتنا الكوردية ونحيي قوات البيشمركة البطلة الدرع الحصين والقلعة الصامدة بوجه الرياح الصفراء التي تحاول النيل من الجبل الكوردستاني كما نعاهد الرئيس مسعود بارزاني باننا سنبقى كما كنا على نهج البارزاني الخالد وجنودا اوفياء للدفاع عن سيادة وطننا وكرامة شعبنا الذي قدم انهارا من الدم لنيل حقوقه المشروعة في بناء كيانه المستقل.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here